شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
بقلم: عبد المقصود محمد سعيد خوجه
إنهم فتية آمنوا برسالتهم.. ظل الكتاب هاجسهم، والحلم الوردي يحدوهم لعطاء ينافس ما شحذ هممهم من خلال النزر اليسير الذي يردهم عبر الحدود، على مدى سنوات من المحاولات شعروا أن عودهم قد قوي بما فيه الكفاية ليعبروا عن مكنون أنفسهم شعراً ونثراً، غير أن أثرهم ما فتىء ضعيفاً في محيطهم إذا قيس بالضوء الباهر الذي ينثال عليهم من عمالقة الأدب والشعر والفكر والثقافة، وبالرغم من ذلك ظل التمرد ينبض في عروق أولئك الفتية، فشغلوا أوقاتهم بمزيد من الاطلاع والمحاولات التي يتم تداولها من خلال وريقات تدور بين الأصدقاء إلى أن تختفي في ركن قصي أو مكتب مجهول، فقد كانت وسائط النسخ والطباعة شحيحة لا تواكب التطلعات الكبيرة التي تخفق بين جنباتهم، فهل إلى خروج من سبيل؟ ضاق رحم الإبداع على المخلوق الأدبي الذي تكونت أعضاؤه، ونما وترعرع، واكتملت ملامحه، فكان لا بد من الخروج بأية وسيلة كانت، ومهما اجترح الفتية من هموم وعناء ونصب.
وأخيراً تحققت آمالهم بإصدار كتاب بعنوان ((وحي الصحراء)) حمل عبء نشره والدي محمد سعيد عبد المقصود خوجه، وصديق عمره معالي الشيخ عبد الله بلخير، ((رحمهما اللًه)).. جمعا بين دفتيه نماذج من شعر ونثر اثنين وعشرين أديباً من منطقة الحجاز، وكتب مقدمته الأديب الكبير الأستاذ محمد حسين هيكل.. لقد جاء ذلك الكتاب ليسهم في إسقاط نقطة ضوء عبر نفق طويل، ويشكل درجة في سلم البدايات الصعبة، تجشم ناشراه والمشاركون فيه الكثير من المشقة حتى رأى النور أخيراً عام 1355هـ/1936م.
لقد أطل شاعرنا الكبير الأستاذ حسين عبد الله سراج، فتياً، طلق المحيا، بين أولئك الأساتذة الأفاضل الذين عطّروا بحروفهم صفحات ذلك السفر الذي أسفر كالصبح في زمن عزف فيه الكتاب، وقد اختار بعض قصائده لتقف مع إبداع كبار الشعراء أمثال الأساتذة أحمد إبراهيم الغزاوي، وأحمد قنديل، وحسين سرحان، ومحمد حسن فقي، وغيرهم من الأصوات المتألقة في ذلك الوقت، بينما كان شاعرنا - الذي أشرُفُ بنشر أعماله الكاملة - في ميعة الصبا، وأواخر دراسته بالجامعة الأمريكية ببيروت عام 1936م.
يمتاز شاعرنا بجرأة لا يستهان بها، وثقة بالنفس كبيرة، ليقف صِنواً لجهابذة الشعر والنثر في الحجاز، في وقت يتهيب فيه الكثيرون مثل تلك المواقف، وللقارىء الكريم أن يقف على عطاء تلك الحنجرة وهي على أعتاب البدايات، مما يذكرني ببعض فحول الشعراء الذين توقدت قرائحهم وهم في ريعان الشباب، ومنهم طرفة بن العبد، وأبو القاسم الشابي.
دفع شاعرنا نتاجه إلى ساحة النشر وهو في الرابعة والعشرين من عمره، ولنا أن نتوقع أن يتراوح شعره بين الوطني والغزلي، فتلك شيمة الشباب الذين تشرئب أعناقهم نحو العلا متطلعين لرقي الأوطان صوب ذرى المجد، وتعتمل صدورهم بالحب، وتذخر قواميسهم بمفردات الغرام، فجاءت قصائده التي شارك بها في كتاب ((وحي الصحراء)) بعناوين: إلى الشباب الحجازي الناهض، الحب، تعالي، الجامعة الوطنية، إليها.. وأحسب أنه قد استمر في هذا النهج مع ميل كبير نحو الشعر العاطفي الغزلي، والمتتبع لأسلوب شاعرنا الكبير يجد أنه كاد يحافظ على وتيرة واحدة في التناول والإفصاح عن مكنون نفسه، مع توسع مستمر في قاموسه اللغوي مما مكنه من ارتياد آفاق أوسع في الشعر الغزلي، فكلما قطع شوطاً زادت إمكاناته اللغوية وموسيقاه الداخلية فاستطاع أن يتوغل غير هياب ولا وجل في تجربته الشعرية الثرية التي امتدت حتى يومنا هذا.
ما ناهز الأربعين إلا وكان شاعرنا قد تولى حقيبة وزارية في الحكومة الهاشمية، ونال لقب ((الباشوية)).. بيد أن هذه الأركان الاجتماعية لم تستطع حجبه عن حبه الكبير وعالمه الشعري المسحور، بل اندفع إلى أعمق من ذلك في توظيف الشعر لخدمة النص المسرحي، مما يشكل عبئاً مزدوجاً على المبدع، ذلك أن الشعر في حد ذاته رسالة ومسؤولية جسيمة، في حين أن المسرح عالم ينوء بحمله رجالاته ومن نشأوا على خشبته وبين كواليسه.
هذا الاهتمام المبكر بالمسرح والتمثيل من شخصية لها وزنها الرسمي والاجتماعي، أمر يؤكد عمق ثقافته وارتباطه بمحيطيه الإقليمي والدولي، في الوقت الذي كان المسرح بمفهومه المعاصر لا يعني شيئاً لكثير من مواطني شبه الجزيرة العربية، وقد ساهم بعدة مسرحيات شعرية منها: ((الظالم نفسه)) وللأسف فقدت بعد تمثيلها في عمان - الأردن - عام 1932م، ولم يقف لها المؤلف على أثر.. أما مسرحية ((جميل وبثينة)) فقد لاقت نجاحاً طيباً عندما مثلت في عمان عام 1940م في أول دار للسينما أنشئت بعمان، وللأسف كان نجاحها وبالاً على مؤلفها من ناحية أخرى، فقد تسببت في حرمانه من الترقية في وظيفته كسكرتير لوزارة الداخلية لمدة أربع سنوات، كما لم توافق الجهات المختصة آنذاك على طباعتها.. وبعد إحالته على التقاعد عام 1952م، عمل على إعادة كتابتها وإعداد سيناريو لها بمساعدة الفنان التشكيلي المتعدد المواهب يوسف زكي فرنسيس، وجعلها مسلسلاً من ثلاث عشرة حلقة بعنوان ((الحب لا يموت)) ثم مسرحية ((غرام ولادة)) التي جاءت في ثوب قشيب، وحوار شعري سلس، مع تبويبها في ترتيب مسرحي يضع البصمات الأولى للإخراج بشكل تلقائي يشير إلى مدى تفاعل الكاتب مع النص الإبداعي، ذلك التفاعل الذي يوضح مواضع الضحك، والغضب، والموسيقى الخلفية، ورفع الستار وإسداله، وحركة الممثلين على خشبة المسرح.. الخ.. وكلها توحي بتكامل عناصر الفنان في شخص شاعرنا الكبير، والذي تؤكد محاولاته أن إمكاناته الفنية قد تصل إلى وضع تصور معين لتلحين بعض النصوص الشعرية التي تنبض بها مسرحيته.. ومن فيض هذا الحب يتضح لنا مدى استئثار كتابة الشعر المسرحي بجانب كبير من اهتمامات شاعرنا.. غير أن هناك جوانب أخرى تلح في وجدانه، وتشف عنها كلماته الرقيقة التي سكبها في عصارة أعماله الشعرية والنثرية المختلفة.
هذا الزخم والتكامل الفني يقودنا إلى موقف الشاعر من المسرح، ولعلّ من أبرز من تناول هذا الفن الرفيع الشاعر الكبير أحمد شوقي، وصلاح عبد الصبور، ومعين بسيسو، وعبد الرحمن الشرقاوي، وعلي أحمد باكثير، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وإبراهيم العريض، والدكتور خالد محي الدين البرداعي.. وغيرهم.
مما لا شك فيه أن تسخير النص الشعري لخدمة المسرح، أو العكس.. توظيف المسرح لخدمة النص الشعري.. ترقى بالعلاقة بين الطرفين في تكامل يؤدي في النهاية إلى غرس وتزاوج جماليات السابق واللاحق بما يتسامى بوجدان المتلقي.. وتلك غاية يسعد بها كل مبدع.. فهنيئاً لأستاذنا وشاعرنا الكبير حسين عبد الله سراج المساهمة في إسراج هذا التوجه الثقافي الرائع، وكتابة اسمه في سجل الرواد الذين سيذكرهم تاريخ الشعر المسرحي بكل عرفان وامتنان.
وقد فوجئت بالكم الهائل من نتاج أستاذنا الكبير، الذي تنوّعت حقوله بين المسرحية الإذاعية، والشعرية، والقصص، والمقالات.. ففي الوقت الذي كنت أحسب مجمل أعمال أستاذنا الكبير لا تتعدى مجلدين أو ثلاثة، وجدته يصل إلى عشرة مجلدات تضمنت ما أشرت إليه آنفاً من إبداعات.. وهذا مؤشر على أن التنقيب، والبحث، وتضافر الجهود، كفيلة بإظهار كنوز من الإبداعات التي لولا تلك الجهود لذهبت سدى، واختفت إلى الأبد من خارطة أدبنا المعاصر، ولحرمت الأجيال اللاحقة من الاستفادة منها والاستمتاع بذخائرها وروائعها التي تشكل إضافة حقيقية إلى المكتبة العربية.
وبعد هذه السياحة السريعة في بعض أوجه العطاء التي تميز بها شاعرنا الكبير، وتدلت ثمارها اليانعة بين أيديكم، أرجو أن تجدوا المتعة والفائدة في صحبتها، وأن تشغل جانباً من مكتبتنا العربية، وعلى أمل التواصل معكم في مجموعات أخرى من إبداعات أساتذتنا الأفاضل الذين اشتمل كتاب ((وحي الصحراء)) على جوانب من عطائهم الأدبي.. بالإضافة إلى ثلة من الأساتذة الذين سيتم إدراج أعمالهم الكاملة بمشيئة الله ضمن هذه الإصدارات التي ستنشر متلازمة بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1425 هـ الموافق 2005 م.. ومنهم الأستاذان الكبيران محمد حسين زيدان ((رحمه اللًه)) والشاعر الفذ محمد إسماعيل جوهري.
والله من وراء القصد..
عبد المقصود محمد سعيد خوجه
جدة: 1424هـ الموافق 2004م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2011  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 150
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج