| ناعِمُ الْمَلمسِ، مِثْلَ الأُفْعُوانِ | 
| وشَدِيٌّ صَوْتُهُ كَالْكَرَوانِ | 
| أبيضُ الْمعطفِ كَهْلٌ | 
| هادئُ النَّظرةِ مَسحورُ الْبيَانِ | 
| غامِضٌ شَعَّتْ على مبْسَمهِ | 
| وَمَضاتُ الافْتِنانِ | 
| قيلَ عنها: بَسمةٌ عُلْوِيَّةٌ | 
| تعكسُ مَخْبوءَ الْجَنَانِ | 
| *   *   * | 
| قالَ للأطفالِ يوماً: يا صغاري | 
| سأريكم كُلُّ ما تحْتَ وِفاضي | 
| مِنْ أَعاجيبِ الزمانِ | 
| سَأُريكمْ رائِقَ الْماءِ بلونِ الأُرْجُوانِ | 
| وحِبالاً مِنْ دُخانِ | 
| وجِبالاً تَتَبَدَّى.. تَتَخَفَّى في ثَوانِ | 
| هل رأيتم رقصةَ الأَفْعى | 
| على الْبِلَّوْرِ أَوْ فوقَ الدِّنانِ؟ | 
| ومناديلَ، وحُلوى | 
| مِثْلَ لَمْحِ الطَّرْفِ مِنْ تَحْتِ لِساني؟ | 
| وقِلاداتِ نُضارِ | 
| مِنْ جُيوبِ الْغَيْبِ تَنْحَطُّ على صُغْرى بَناني؟ | 
| وَحِساناً.. راقِصاتٍ، وغَواني؟ | 
| يتلَوَّيْنَ إذا أَوْمَأْتُ مِثْلَ الْخَيْزُرانِ | 
| عارِياتٍ كالدَّراري | 
| نَضِراتٍ ناعماتٍ مثلَ مَسْبوكِ الْجُمانِ | 
| مُرْهَفاتٍ مثْلَ أَطْرافِ السِّنانِ | 
| *   *   * | 
| يا صِغاري | 
| سأريكُمْ كُلَّ أَصْدافِ الْبِحارِ | 
| سأريكم أَنْجُماً، تُسْقِطُ مثل الْخُبْزِ ضَوْءاً | 
| رُغْمَ وَهْجِ الشمسِ في كَفِّ النَّهارِ | 
| سَأُريكُمْ شَهْرزادْ | 
| فِتْنَةَ الشَّرقِ تَلَوَّى وتُغَنِّي | 
| حَوْلَ عَرْشَيْ شَهْرَيارْ | 
| سأريكم طائِرَ الْعَنْقاءِ مِنْ تَحْتِ دِثاري | 
| يَنْهَبُ الأُفْقَ ويَهْوي في خِماري | 
| وجُنَيْناتٍ وَريفاتِ الظِّلالِ | 
| مثلما يَنْسجُ مَفْتونُ الْخيالِ | 
| عائِماتٍ في ربيعٍ مُسْكِرِ الأَنْسامِ | 
| فـي غـابِ الْجَمـالِ | 
| *   *   * | 
| يا صغاري | 
| سَأُحيلُ الماءَ خَمْرا | 
| ورمالَ الأَرضِ فَيْروزاً وَتِبْرا | 
| وحُطامَ القِشِّ حيتاناً وطَيْراً | 
| فَخُذوا ما شئْتُمُ | 
| مِنْ مُتْقَنِ الصُّنْعِ ومِنْ تِلْكَ الَّلآلي | 
| *   *   * | 
| يا صِغاري | 
| اِرْفعوا أَبْصاركم نَحْوَ السَّماءْ | 
| واتْرُكوها تُرْبَةَ الأَرْضِ الْكئيبَهْ | 
| إنَّها بعضُ فَضاءٍ وخِواءْ | 
| أَوْ ملاذٌ يَتَلَطَّى فيه خَوْفُ الْجُبَناءْ | 
| حَلِّقوا وارْتَفِعوا عَنْ نَزْوةِ الشَّرِّ الْمُريبَهْ | 
| وأَصيخوا السَّمعَ إني | 
| مُرْسِلٌ في سامِقِ الْجَوِّ حِبالي | 
| ها هُنا أعينكم، إني مُريكُمْ، من أَعاجيبِ فِعالي | 
| لا يَسَلْني أَحَدٌ عن أَيِّ شيءٍ خيفةَ الْبَطْشِ بهِ | 
| مِنْ قُدرةٍ فاقَتْ أَفانينَ الْخَيالِ | 
| اِخْلَعوا أثوابَكُمْ والْقوْا بها تَحْتَ نِعالي | 
| وتَمَشُّوا حَوْلَ أَشيائي حُفاةً وعُـراةْ | 
| وانْظُروا حَبْلي الَّذي امْتَدَّ وَراءَ الأُفْقِ | 
| في أَعْلى الْجِهاتْ | 
| سوف يأتي بَعْدَ حينٍ | 
| حامِلاً من عالَمِ الْغَيْبِ جَميلَ الأُمْنِياتْ | 
| *   *   * | 
| شاهَدَ الأَطفالُ حَبْلاً | 
| كان فَوْقَ الأَرْضِ مُلْقىً ثُمَّ غابْ | 
| -: لا تَخافوا يا صِغاري | 
| سوفَ يَنْشَقُّ الْحِجابْ | 
| سوفَ يَنْداحُ الضَّبابْ | 
| سوفَ يأْتي الْحَبْلُ مِنْ عَلْيائِهِ | 
| حامِلاً سِرَّ الَّلآلي وَالْكِعَابْ | 
| *   *   * | 
| فُغِرَتْ أَفْواهُهُمْ وانْذَهَلوا.. جَفَّ اللُّعابْ | 
| ضَحِكَ الساحِرُ مَزْهُوَّاً وقالْ: | 
| -: إنَّ حَبْلي سابحٌ فوق الذُّرى | 
| فَوْقَ السَّحابْ | 
| وسَيَأْتي بعد حينٍ | 
| عندما يُفْتَحُ في الْمَجْهولِ بابْ | 
| إنَّهُ يبحَثُ عن جِنِّيَّةٍ | 
| تَرْضَعُ أَثْداءَ السَّحابْ | 
| إنني أُبصِرُهُ الآنَ على أَعْلى الأَعالي | 
| يَتَمَلَّى فائِقَ الْحُسْنِ ومَسْفوحَ الْجَمالِ | 
| *   *   * | 
| ها هِيَ الْجِنِّيَّةُ الْحَسْناءُ في حَمّامِها مُضْطَجِعَهْ | 
| وأنا الآنَ هُناكْ | 
| انْظُروها قَدَّمَتْ بِضْعَ كُؤوسٍ مُتْرعَهْ | 
| هل تَرَوْنَ الْحَبْلَ والْجِنِّيَّةَ الْحَسْناءَ؟ | 
| - لا | 
| صَرخَ الأَطفالُ: لا | 
| -: هل تَرَوْنَ الْجِنَّ حَوْلَ الْحَبْلِ؟ | 
| -: لا | 
| -: هل تَرَوْنَ النارَ فوقَ الماءِ؟ | 
| -: لا | 
| -: هل تَرَوْنَ الْحُورَ أَسْراباً تُغَنِّي؟ | 
| إنَّهُنَّ الْعاجُ مَحْبولٌ بماءِ الْفَجْرِ | 
| -: كلا. لا نرى شَيْئاً ولا نَسْمَعُ شيْئا | 
| -: وأَنا.. لستُ الذي نادَيْتُ أَوْ مَنْ تَسْمَعونَهْ | 
| أَوْ تَرونَهْ | 
| بَلْ خَيالي، وظِلالي | 
| أنا فَوْقَ الْغَيْمِ أَسْعى | 
| بينَ أَسْرابِ الطُّيورِ | 
| بينَ وِلْدانٍ وحورِ | 
| إنَّهُ الْحَبْلَ الذي طار يُنادي | 
| سامِعٌ هاتِفَهُ المِرْنانَ من تِلْكَ القُصـورِ | 
| إنَّ هذا الحَبْلَ يَصْطادُ عَصِيَّ الْمُعْجِزاتْ | 
| مِثلما تُصْطادُ أَطْيارُ الْحُبارى بالصُّقورِ | 
| أَرْهِفوا الْحِسَّ ثَـوانْ | 
| تُبْصِروا تلكَ الْجِنـانْ | 
| وتَرَوْا ما لا تَراهُ مُقْلَتانْ | 
| ها هُوَ الطَّائِرُ عادْ | 
| بَعْدَ يَوْمٍ مِنْ رُقادْ | 
| نافِضاً عنْهُ بَقايا مِنْ دُخانٍ وَرَمادْ | 
| هل تَرونَهْ؟ | 
| عَلِقَتْ أَبْصارُهُمْ حيثُ أَشارا | 
| لم يَرَوْا شَيْئاً بَدا | 
| أَوْ جَسَدَ الشَّيْخِ تَوارى | 
| كانَ سِرْبٌ يَخْطِفُ الأُفْقَ مِنَ الطَّيْرِ الْمُهاجِرْ | 
| صرخَ الأَطفالُ: ها رَأَيْنا الطَّيْرَ تَهْوي | 
| -: ليس هذا يا صغاري | 
| بَلْ هُنا الطَّائِرُ يَثْوي | 
| وأَشارا | 
| فرأى الأَطْفالُ عُصْفورَيْنِ مِنْ كُمَّيُهِ طارا | 
| -: سوفَ يَمْشي جَسَدي الآنَ وظِلِّي | 
| ثُمَّ سارا | 
| *   *   * | 
| ومَشى الأَطفالُ خَلْفَ الشَّيْخِ أَشْباهَ سُكارى | 
| هَمَسَ الشَّيخُ: عليكم أَنْ تَظَلُّوا | 
| مِثْلما ظِلَّيَ مِنِّي | 
| إنني أَتْبَعُ صَوْتاً | 
| في السَّماواتِ يُغَنِّي | 
| هابِطاً مثلَ هَزيمِ الرَّعْدِ من أَعْلى السَّماءْ | 
| إنَّ أُذْني | 
| وَحْدَها تَسْتَرِقُ السَّمْعَ.. وإنِّي | 
| أَقْتفي خَطْوَ النِّداءْ | 
| *   *   * | 
| سَقَطَتْ شمسُ النَّهارْ | 
| كَسِياط وَقْعُها مِثْلُ الشَّرارْ | 
| شُويَتْ أَوْجُهُهُمْ | 
| في لَهْفَتَيْ جوعٍ ونارْ | 
| صَرخوا: جُعْنا.. ظَمِئْنا | 
| فَأَعِدْنا حَيْثُ كُنَّا | 
| حَيْثُ خَلَّفْنا الْكِتابا | 
| ونِعالاً وَثِيابا | 
| قَبْلَ هذا السَّيْرِ في ضَحْلِ الْبَراري | 
| أُدْمِيَتْ أَقْدامُنا يا سيدي | 
| مِنْ نارِ وَحْشِيِّ البَراري | 
| أَرِنا الحَلوَى ومَخْبوءَ الدَّراري | 
| أَرِنا الجِنِّيَّةَ الْحَسْناءَ أَوْ سَبْكَ النُّضارِ | 
| أَرِنا الْخُبْزَ فإنَّا سُغُبٌ بَعْدَ الْمَسارِ | 
| نَحْنُ أَشْلاءَ غَدَوْنا | 
| نَحْنُ في بَحْرِ أمانيكَ غَرِقْنا | 
| نَحْنُ رُغْمَ الفُسْحَةِ الْغَبْراءِ كُنّا | 
| في مَتاهاتِ إِسارِ | 
| وأَجابَ الشَّيْخُ مُلْتَذّاً بِتَعْذيبِ الصِّغارِ | 
| -: لِتَكُنْ أَقْدامُكُمْ | 
| في خِفَّةِ الريشِ وَرائي | 
| لتكُنْ أَحْلامكُمْ فَوْقَ السَّماءِ | 
| لتكُنْ أَجْسادكم باقاتِ ضَوْءٍ في الْفَضاءِ | 
| قلتُ: اِنْسَوْا كُلَّ ما في الأَرضِ | 
| مِنْ خُبْزٍ وموسيقى وماءِ | 
| حيثُ ما تَسْقُطُ أَنْفاسِيَ كِنْزُ | 
| إنَّما لا تُبْصِرونَهْ | 
| تحتَ أَقْدامِيَ خُبْزُ | 
| إِنَّما لا تَعْرفونَهْ | 
| مُعْجِزاتي ها هُنا تَصْنَعُ دُنْيا وحَياةْ | 
| فأَغِذُّوا السَّيْرَ خَلْفي | 
| بينَ عُرْيٍ وانْفِلاتْ | 
| كُلُّ ما حَدَّثْتكُمْ عَنْهُ لديكُمْ فَخُذوهُ | 
| *   *   * | 
| -: إنَّنا يا سيدي لَسْنا نَراهُ | 
| شاهَتِ الأَنْفُسُ في مَعْسولِ وَعْدٍ | 
| نَتَشَهَّى مُجْتَناهُ | 
| وسَأَلْناكَ | 
| فلم تَبْطُشْ بِنا أَيَّةُ قُدْرَهْ | 
| أَرِنا مِنْ أَيِّ شَيءٍ بَعْضَهُ | 
| نَحْن ضَحايا الْجوعِ والْعُرْيِ وَحُمَّى الاغْتِرابْ | 
| أَهوَ حُلْمٌ.. كانَ هذا السَّفَرُ الْمَحْمومُ | 
| في سودِ الشِّعابْ؟ | 
| دَمْدَمَ الشَّيْخُ: غَداً | 
| عندما تَسْتَيْقِظونْ | 
| خَفِّفوا أَعْباءَكُمْ بالنَّوْمِ حَتَّى | 
| تَجِدوا الْحَبْلَ الّذي طارَ تَأَتَّى | 
| حامِلاً ما في الأَعالي | 
| مِنْ طَعامٍ.. مِنْ شَرابٍ مِنْ لآلي | 
| مِنْ جَمالٍ مِنْ فُتونِ الْحُسْنِ | 
| مِنْ حورٍ كِعابْ | 
| *   *   * |