شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبدالعزيز الربيع أسطورة من جيل الرواد أم أديب وناقد وكاتب سيرة ..؟!
 
حدّثني الأخوان الكريمان محمّد الدبيسي وأحمد العرفج عن ضرورة الاحتفاء بالأديب الراحل عبدالعزيز الربيع، وإبراز دوره النقدي في سياق الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية، ولقد وضع الزميل الدبيسي يده على قضية هامة وهي تهميش دور الربيع كناقد أدبي أدى دورًا هامًا في الساحة الأدبية على مدى عقدين كاملين من الزمن، الثمانينيات والتسعينيات الهجرية. فالأجيال الصاعدة من أكاديميين وسواهم لا يعرفون من اسم الربيع إلا الجانب التربوي، حيث ارتبط اسمه بالحركة التعليمية في منطقة المدينة المنورة إلا أن الحس النقدي عند الربيع في حقيقة الأمر عرف عن هذا الرائد منذ أن كان طالبًا في دار البعثات بمكة المكرمة، وهذا ما أشار إليه الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي في مقدمته لديوان الشاعر الأستاذ محمّد عبدالقادر فقيه، فالرفاعي يذكر أن مجموعة من الشباب آنذاك كانوا يجلسون في حانوت الأستاذ محمّد سعيد ششة -رحمه الله- ويصف الرفاعي لقاءاتهم الأدبية بأسلوبه الأدبي الرصين (في هذا الدكان وإلى جوار حلل السمن، كان يجلس عبدالعزيز الربيع أعني الأستاذ، وهو شاب شاعر، وكان يمثل بيننا وفي مجلاتنا الخطية دور الناقد، وهو الآن يعتبر بحق مثال الناقد النزيه المعتدل، وأحمد محمّد جمال أعني الأستاذ، وهو شاب مولع بالأدب والشعر وبالأفكار الإسلامية، وقد صدر له من بعد ديوان (الطلائع)، وكنت أيضًا أحد أولئك الشباب الأنداد الذين يجتمعون بأقرانهم هناك، فهؤلاء هم أصدقائي ورفقة ذهابي وإيابي وشبابي). [انظر: أطياف من الماضي، محمّد عبدالقادر فقيه، المكتبة الصغيرة، ط1، 1395هـ-أبريل 1975م].
ولقد برز اسم الربيع بصورة أكثر جلاء ووضوحًا عندما دخل مع الأستاذ الكبير محمّد حسن عوّاد في نقاش أدبي حاد عن شاعرية ثريا قابل، التي رفعها الأستاذ العواد إلى منزلة تضاهي كبار شعراء العصر العباسي كالشريف الرضي، إن لم تكن تفوقهم في نظره، وكانت مبالغة العواد تنطلق من دور اضطلع به طوال حياته، وهو الوقوف إلى جانب المرأة والدفاع عنها.
ولعل الأستاذ الأديب عبدالفتاح أبومدين تعرض في الملف الذي أصدرته دورية "العقيق" عن الأستاذ الربيع عن ذلك النقاش أو تلك المعركة الأدبية، وخصوصًا أن أبا مدين كان ينشر للأستاذ الربيع في مجلته الأدبية (الرائد)، وكان على صلة وثيقة به، حيث إن الأستاذ أبومدين قضى جزءًا من حياته الأولى في المدينة المنورة، وتلقى العلم على يد نفس الأساتذة والمشايخ الذين تلقى عليهم الربيع ثقافته الفكرية والأدبية في دار العلوم الشرعية من أمثال الأساتذة عبدالرحمن عثمان، والد الدكتور أسامة عثمان وإخوته، ومحمّد الحافظ موسى، وأمين الطرابلسي، وأدرك كاتب هذه السطور بعضًا من هذه القامات العلمية والفكرية عندما، التحقت بالمدرسة نفسها في أواخر السبعينيات الهجرية، وأضيف إليهم اسم الأستاذ بكر آدم الذي نمى بحسه الأدبي الرفيع ملكات الكتابة والخطابة في تلاميذه، ومن بينهم الزميل الأستاذ علي محمّد حسون.
ثم برزت ملكة الربيع النقدية في مقدمته الضافية لديوان الشاعر الكبير الأستاذ محمّد حسن فقي، الموسوم (قدر ورجل)، وكان اسم السيد الفقي مسيطرًا على الساحة الأدبية في الثمانينيات الهجرية وما بعدها. وكان شاعرًا غزير الإنتاج من دون أن يقع في ابتذال وإسفاف كما يتوهم البعض.
وهذا ما أعطى الربيع مساحة أخرى للبروز من خلال شعر رائد من روّاد الشعر السعودي، ودفع آخرون، ومنهم الأستاذ المرحوم محمّد المجذوب، بدواوينهم الشعرية إليه ليكتب مقدماتها أو يقدمها للقارئ، وهذا ما دفع الأستاذ محمّد عمر توفيق أيضًا بأن يذكر في أحد لقاءاته الصحفية في بداية التسعينيات الهجرية بأن يرشح كلاً من الأستاذ الكبير عزيز ضياء، والأستاذ الربيع لعمل نقدي كبير عن أدبنا المحلي، والذي ذكر الأديب الدكتور عبدالله مناع في لقاء معه مقولة صادقة عنه بأننا فتحنا أعيننا على أسماء كبيرة في الساحة الأدبية من دون إنتاج، ولتفصيل القول حول ما ذكره الدكتور المناع يمكن القول بأن شعر محمّد عمر عرب الذي وصفه الأستاذ محمّد حسين زيدان بالرائد المتواضع لا يزال ضائعًا أو مجهولاً، ولقد بذل صديقنا الشيخ عبدالمقصود خوجه جهدًا كبيرًا للعثور على مجموعاته الشعرية لينشرها أسوة بما فعل مع بقية الرواد، ولكنه وصل إلى طريق مسدود، وتأخر صدور ديوان الفقي إلى حقبة الثمانينيات الهجرية (الستينيات الميلادية)، أما الأستاذ حسين سرحان فلن يصدر ديوانه الأول (أجنحة بلا ريش) إلا في أواخر الثمانينيات الهجرية بمبادرة ذاتية من الشيخ حمد الجاسر الذي ذكر أن السرحان كان يعد ويسوف ويماطل.
وهو في هذا الشأن يشبه إلى حد كبير صديقه الأستاذ حمزة شحاتة، الذي على الرغم من شاعريته القوية والمبكرة كان ينفي عن نفسه لقب شاعر، مؤثرًا الانزواء والعزلة، ولم يصدر ديوانه الشعري إلا بعد وفاته، ومجموعة أخرى من أشعاره جمعها الأستاذ عبدالحميد مشخص، وكتب مقدمتها الدكتور محمّد عبدالمنعم خفاجي، وصدرت بعنوان (شجون لا تنتهي)، ومعلوم أن المصدر الشعري الوحيد من المصادر الأولى للأدب السعودي الذي ضم شيئًا من شعر شحاتة كان كتاب (الشعراء الثلاثة) والذي صدر سنة 1368هـ بجهود الراوية المرحوم عبدالسلام الساسي، وخلت مصادر مثل (وحي الصحراء)، وشعراء الحجاز في العصر الحديث من أي مادة شعرية أو نثرية للمرحوم شحاتة، ولقد اجتهد البعض ففسر غياب شحاتة عن صفحات (وحي الصحراء) ولكنها تبقى اجتهادات شخصية ولا يمكن الجزم بها.
أما حسين عرب الذي جعله شحاتة في المقدمة الفلسفية والبيانية الرائعة التي كتبها لشعراء الحجاز في العصر الحديث للأستاذ الساسي أيضًا جعله من مجموعة الشعراء الذين لا يفخر الحجاز -وحده- بهم ويتيه، بل كل بلد عربي ومسلم.
فهو الآخر لم يصدر ديوانه إلا قبل وفاته، وعلى الرغم من ذيوع اسم الأستاذ عبدالله عبدالجبار كناقد من خلال كتابه (التيارات الأدبية) إلا أن الجزء الثاني الهام عن النثر السعودي بقي بعيدًا عن متناول أيدي الباحثين، ولعل في جهد (دار الفرقان) ورئيس مجلس إدارتها السيد أحمد زكي يماني، حيث التوجه الصادق لجمع إنتاج جميع ما كتبه عبدالجبار ما يمكننا من اكتشاف ذلك التراث النقدي الهام الذي قدمه أستاذنا عبدالجبار للفكر والمعرفة والأدب.
الكتاب الإبداعي الوحيد الذي ظهر للأستاذ الربيع في حياته هو (ذكريات طفل وديع)، والذي كانت طبعته الثانية عام 1402هـ أي قبل وفاة الربيع المفاجئة بأمد قصير، وإذا كان المرحوم الربيع صدرت سيرته الذاتية والتي كتبها بأسلوب وصفه بالبسيط والعفوي، صدرها بمقولة تنبئ عن الكثير مما كان يعتمل في داخله من مشاعر وأحاسيس وهو قوله (ما كرهت شيئًا في حياتي كرهي للوداعة في هذا الطفل) فلقد كان -رحمه الله- في كل مظاهره وديعًا مهذبًا حتى مع الذين اختلف معهم أو اختلفوا معه، ومن بينهم الأستاذ العواد الذي كان يكن له كثيرًا من الاحترام والتقدير، كما اختلف مع بعض أفراد أسرة الوادي المبارك كالأستاذ عبدالسلام هاشم حافظ الذي كان له موقف من تلك الأسرة التي كانت امتدادًا لمنتديات الأدب في المدينة مثل الأبارية، والأنورية، ونادي الحفل الأدبي، ونادي المحاضرات وغير ذلك مما كانت تحفل به مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم من مجالس علمية وفكرية وأدبية هي امتداد لحلقات العلم في الحرم النبوي الشريف، والتي كانت تمثل مدارس فكرية مختلفة، وتعنى بعلوم مختلفة منها ما هو شرعي، ومنها ما هو لغوي، ومنها ما هو أدبي، ومنها ما هو علمي محض.. فالشيخان أمين الطرابلسي، وعبدالرحمن عثمان كانا من أبرز المدرسين في علوم الرياضيات والجبر، وكذلك الحال في تعاطيهم مع علوم اللغة والأدب.
بعد وفاة الربيع بحوالي عقدين من الزمن قام الأستاذ محمّد صالح البليهشي بإخراج مقالات وبحوث الربيع في عدة أجزاء، وفاء لدور الربيع الأدبي والنقدي، ولكن يبدو أن الأجيال الناشئة في المدينة وخارجها قد أشاحت بوجهها لعوامل عدة عن بعض الرموز الأدبية الكبيرة في تاريخنا الثقافي والفكري والأدبي، فلم يبق إلا القلة التي تتذكر الربيع الناقد والأديب والخطيب المفوه، وإنني لأضم صوتي إلى صوت الزميل الأستاذ أحمد العرفج بأن يقوم نادي المدينة المنورة بإقامة ملتقى خاص بالربيع وإعادة طباعة إنتاجه الأدبي، كما يتطلع الدارسون إلى إعادة طبع كتاب الأستاذ الناقد عبدالرحيم أبوبكر (الشعر الحديث في الحجاز)، فلا يزال هذا الكتاب أحد المصادر الهامة عن الأدب السعودي، وهو يكشف عن مواهب متعددة لمؤلفه، يأتي في مقدمتها الحس النقدي الرفيع، وهو مثل زميله الربيع لم يشغله الجانب العلمي والتربوي عن التعاطي مع الهم الثقافي والفكري، والغريب أن الرجلين قد فارقا هذه الحياة وهما في أوج عطائهما حيوية ونشاطًا ومشاركة فاعلة وقوية، وصنيع هذين الرائدين وسواهما في بلادنا يصلح نموذجًا للأجيال الناشئة التي يفترض أن تعرض عن رموزها الفكرية والأدبية كمعرفتها ببعض الرموز الأخرى غربية كانت أم عربية.
 
طباعة
 القراءات :505  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج