شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فضيلة الشيخ عبدالله بن حميد وتنوّع المدارس الفكريّة في جامعة الإسلام ..!
تحتفل اليوم جامعة أم القرى ضمن برنامجها التكريمي لرموز العلم والفكر والأدب بفضيلة الشيخ عبدالله بن حميد، أحد علماء البلد الحرام في الحقبة السابقة، والذي أوكلت إليه مهمة الإشراف الديني في المسجد الحرام لمدة من الزمن، ويحمد لجامعة أم القرى وعلى رأسها معالي الدكتور ناصر بن عبدالله بن عثمان الصالح، استمرارها في تكريم هذه الرموز التي انطلقت في حياتها العلمية والفكرية من رحاب مكة المكرمة.
كان فضيلة الشيخ ابن حميد فقهيًا حنبليًا متمكنًا، وقد سمعت الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري يقول: "يعتبر الشيخ ابن حميد واحدًا من القلّة من علماء هذا المذهب المعتمد والذي يمكن أن نطلق عليه عالمًا مجتهدًا، وذلك لأن الاجتهاد شروطه وضوابطه التي يعرفها الأصوليون، أي أصحاب الفكر الفقهي والاستدلالي، المستند إلى نصوص الشرع، والذي يأخذ في الاعتبار ما يستجد من الحوادث والنوازل فتكون مخاطبة النّاس على أنّهم أبناء الزمن الذي يعيش فيه العالم وليس الأزمنة الغابرة".
ومع اختصاص الشيخ ابن حميد -رحمه الله- في الفقه الحنبلي وأحكامه إلا أنه كان على صلة قوامها الحب والتقدير والاحترام مع علماء المذاهب الأخرى، الذين كانت تنتشر حلقاتهم في رحاب البيت الحرام من أمثال فقهاء المدرسة المالكية، مشايخنا الكرام أصحاب الفضيلة: حسن المشّاط، والسيد علوي المالكي، ومحمّد نور سيف، وسواهم وفقهاء المدرسة الشافعية من أمثال: السيد حسن يماني وعبدالله اللحجي، وعبدالفتّاح رواة، وزكريا بيلا وسواهم، وفقهاء المدرسة الحنفية من أمثال الشيخ يحيى أمان ومحمّد مرداد وسواهم، وما هذه إلا أمثلة أسوقها للاستدلال على تنبّه رجال العلم في تلك الحقبة لأهمية الاعتراف والاحترام الذي كان عاملاً هامًا في تجنّب الوقوع في سوء الظّن في عقائد علماء الأمّة ومذاهبهم الفقهيّة، وحتّى في حال اختلافهم فإنّ هذا الاختلاف يبقى مؤطّرًا بسمات الحبّ والأدب، وقد حدثني فضيلة الشيخ عبدالملك بن عبدالله بن دهيش، وكان والده فقيهًا حنبليًا، أن والده كان يحثّه على حضور حلقات العلم الأخرى وفي مقدّمتها حلقات الشيخين حسن مشّاط ويحيى أمان، ووجدته في مروياته يعتزّ بسلسلة الشيخ العلاّمة محمّد ياسين الفاداني والذي كانت تشدّ الرحال إليه من كلّ مكان لأخذ علم الحديث النبوي الشريف عنه، وهو العلم -أي علم الإسناد- ممّا خُصّت به الأمة المحمّدية حتّى قال أحد المستشرقين معترفًا بقيمة هذا العلم: "إن أضعف رواية عند المسلمين في علم الحديث هي أقوى من الروايات التي يعتبرها أصحابها قوية في الحضارات الأخرى"، ومع هذا نجد من يتطاول على علم الحديث، وفي هذا التطاول سوء أدب قد يورد صاحبه موارد الهلاك، والغريب جدًّا أن يتصدّى لهذا العلم أناس من غير أهله، ويمكن اعتبارهم متطفّلين في كلّ شيء، ولكنّ تطفّلهم على هذا العلم هو من علامات الضّعف الذي أصاب الأمّة في كلّ شيء واعتراها منذ زمن، ويفترض في العلماء أن ينبّهوا النّاس لمقام النّبي صلّى الله عليه وسلّم ووجوب توقيره وتعظيمه وفقًا لمقتضيات الشرع؛ لأن الخروج على مقام الأدب هذا هو الذي جعل بعض طلاب العلم يقدّم لمشايخه عند ذكره لهم بعبارات التبجيل والاحترام -وهذا من حقهم-؛ وإذا ما أتى إلى اسم النبي صلّى الله عليه وسلّم استكثر عليه لفظ السيادة.. وإن لم يكن هو السيّد حقًّا فمن السيد؟!
وقد أدركت علماء، وخطباء في الحرمين الشريفين وسواهما لا يذكرون اسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا وشفعوه بلفظ السيادة، من أمثال أصحاب الفضيلة المشايخ عبدالعزيز بن باز، عبدالله بن حميد، عبدالله خيّاط، عبدالعزيز بن صالح، عبدالعزيز بن حسن، وكذلك المشايخ الكرام محمّد بن سبيل، وصالح بن حميد، وحسين آل الشيخ، وعلي الحذيفي وسواهم من خطباء المسجدين الشريفين.
نعود إلى مسيرة الشيخ ابن حميد الذي أخبرني أستاذنا الدكتور محمود حسن زيني، الأستاذ بجامعة أم القرى، وكان والده من حفظة القرآن وزميلاً للشيخ عبدالله خيّاط بأنّ أوّل رسالة دكتوراه أجيزت من جامعة أم القرى كانت له، وكانت هذه الرسالة هي التي أسّست مبدأ الاعتراف عربيًّا وإسلاميًّا بالدرجات العليا التي تمنحها جامعة أمّ القرى للدارسين فيها، وأنّ الجامعة بصنيعها في تكريم عالم كان يتميّز بالتعمّق في علم أصول الفقه وسواه، وبسعة أفقه وبعده -رحمه الله- عن التعصّب وأحادية الرأي لهو من باب ردّ الجميل لعلماء الأمّة الذين يفترض في طلاب العلم التمثّل بأخلاقياتهم الكريمة، وحسن تعاملهم مع من يخالفونهم الرأي، فهذا الاختلاف دليل على ثراء وتنوّع المذاهب الفكريّة داخل المدارس الفقهيّة، ولولا هذا التنوّع لما وجدنا أنّ المسلمين في جميع بقاع الأرض يقلّدون مذاهب مختلفة، وهذا الأمر ممّا يدخل في باب الفروع. ويتفقون على الثّوابت في شرع الله الحنيف وسنّة نبيه ومصطفاه سيّدنا محمّد عليه صلاة الله وسلامه، ورضي الله عن صحابته وآل بيته والتابعين من بعدهم.
 
طباعة
 القراءات :535  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.