شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عالم بلا حدود
عبد الله بلخير (1)
فاروق لقمان
ـ 1 ـ
اتصل بي الأستاذ الشاعر العربي عبد الله بلخير في منتصف الليل من مقرّ إقامته في إسبانيا ليضيف إلى معلوماتي جانباً آخر من حياة سيدة بريطانية كنت قد كتبت عنها في اليوم نفسه ليخبرني أنه عرف السيدة فرايا ستارك التي ألفت عدة كتب عن جنوب الجزيرة العربية والعراق، وأن آخر لقاء بينهما جرى في مقرّها الريفي بإيطاليا.
وكنت قد كتبت المقال بمناسبة صدور مذكراتها واستعرضت طبعة جديدة لكتابها الشهير ((الأبواب العربية الجنوبية)) وتعني المنطقة التي كانت يوماً ما تضم المستعمرة البريطانية عدن ومحمياتها الشرقية ـ حضرموت والمهرة ـ والغربية من لحج إلى بيحان والعوالق.
وبعد انتهاء الحديث الذي استغرق أكثر من ربع ساعة بين ماربيا وجدة تساءلت: ((أي رجل هذا الذي يقرأ مقالاً عند العصر ـ ساعة وصول ((الشرق الأوسط)) ماربيا ـ ويسارع إلى الاتصال بكاتبه في بلد آخر ليبادله الحديث عن موضوع المقال ويزوّده بما كان قد خفي عنه. إلا أن سماعي بالرجل وقراءتي لأشعاره ثم معرفتي به أجابتا على تساؤلي بسهولة وسرعة.
فقد حدّثني عنه في عدن الأستاذ الشاعر اليمني الكبير الدكتور محمد عبده غانم زميل الأستاذ بلخير في الجامعة الأميركية ببيروت في مطلع الثلاثينات وقال لي أنهما كانا يمثلان الجزيرة العربية في المسابقات الشعرية في الجامعة بينما كان عبد المنعم الرفاعي يمثل فلسطين وذلك قبل نشوء ما سمّي بعد ذلك بشرق الأردن ثم بالمملكة الأردنية. وغيرهم مثل الشام والشعوب العربية الأخرى وأكثرها لم تكن دولاً بالمعنى العلمي الصحيح لأن البلد يجب أن يكون مستقلاً ذا سيادة ليصبح دولة. وأكّد لي الدكتور غانم أن ذلك الشاب القادم من جدة حيث ترعرع منذ قدوم والده من حضرموت، سيكون من أشعر العرب في الأعوام القادمة. وأسمعني بعض الأبيات التي حفظها لزميله في بيروت.
وبعد أعوام التقيت بالأستاذ بلخير في جدة فحيّاني بحماس بالغ سيما لما عرف بعلاقتي الأسرية بالدكتور غانم. وتوطّدت بيننا عرى الصداقة بالرغم من فارق العمر والعلم الغزير لصالحه. ولما قام الدكتور غانم، الذي كان مديراً للمعارف في الجنوب العربي لعدّة سنين قبل تقاعده والتدريس في جامعتي الخرطوم وصنعاء، بزيارة للمملكة العربية السعودية لأداء العمرة طلب مني رقم هاتف الأستاذ بلخير الذي أضحى بالفعل من أشعر العرب واشتهر أكثر في العقد الأخير بملاحمه التاريخية من ((مؤتة)) و((قرطبة)) إلى ((طارق بن زياد)) فاتح الأندلس. وقد أحسنت هذه الجريدة صنعاً بنشر بعضها كاملة وفي يوم واحد خدمة للشعر الراقي ومحبّيه.
كم أحسن الأستاذ محمود رداوي بدراسته القيمة عن شعر الأستاذ بلخير في كتاب جديد من إصدارات الأديب الصديق عبد المقصود خوجه بجدة سأتحدث عنه غداً.
ـ 2 ـ (2)
في الساعات القليلة التي قضيتها في قراءة أجزاء واسعة من كتابه القيم عن الشاعر العربي السعودي عبد الله بلخير توقّفت بين الفينة والأخرى لأستعرض مبلغ الجهد الضخم الذي بذله الأستاذ محمود رداوي في إعداد دراسته عن واحد من أبرز شعراء العربية وأغزرهم نتاجاً حتى وإن لم يكن من أكثرهم نشراً لعطائه.
فقد بدأ مشواره الطويل مع الشعر وهو لا يزال تلميذاً في مدرسة الفلاح في مكة المكرّمة، التي تخرّج منها عام 1933 وهو في العشرين من العمر، ثم أكمل دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت وعاد بعدها لخدمة الحكومة بدءاً بديوان الملك عبد العزيز وانتهاءً بمنصب وزير دولة لشؤون الإذاعة والصحافة والنشر. أي الإعلام كما نسميه حالياً ـ بعد ذلك تفرّغ لأعماله الخاصة وأسفاره وأشعاره التي درسها الأستاذ رداوي وصنّفها وحلَّلها واستشهد بها في كتابه المنظم الذي اعتمد المنهج العلمي الأكاديمي بتقسيمه إلى الموضوعات التي استحوذت اهتمام الشاعر طيلة حياته ومنها وحدة الجزيرة والعروبة والإسلام والنكبات والملاحم والإسلاميات والأندلسيات.
وعلى ذكر الأندلسيات كانت ((الشرق الأوسط)) التي تصدرها الشركة السعودية للأبحاث والنشر أول صحيفة يومية تبادر إلى نشر ملحمة شعرية كاملة في عدد واحد تقديراً منها للشاعر وتثميناً لإبداعه، وتكريماً للرجل وهو على قيد الحياة. وهذا ما أعجبني في فكرة الكتاب ومضمونه وتوقيته، دراسة جادة لموضوع يستأهل الاهتمام بالبحث والتحليل مستفيداً ليس فقط من أعمال الشاعر وآراء معاصريه، بل من أقوال وتعليقات ومعلومات الشخص نفسه الذي زوّد المؤلف بما لديه وما لم ينشر من قبل. فذكرني بدراسة ما يسمّى بالتاريخ الشفهي في جامعة كولومبيا التي أطلعت عليها شخصاً أثناء دراسة الصحافة في نيويورك حيث رأيت المؤرّخين والأساتذة يجرون لقاءات مطوّلة مع صانعي التاريخ المعاصر ومشاهديه ومن اشتركوا في الحدث الخطير ويسجلون أقوالهم وكأنهم يقولون للأجيال القادمة: هذا هو التاريخ بأصوات وصور صانعيه. خذوه من أفواههم ثم استمعوا لأساتذتكم لتفهموا معانيه وتبعاته.
لما جاوز الشاعر الستين من عمره كان في غرناطة، حيث نظم ملحمته الشهيرة عنها في سياق أندلسياته.
قال:
هو عمر مضى وقد أذن العصر
فأضحى مصبح العمر ممسي
وهو في دورة المحاق
فلم تبق الليالي من بدرها غير سدس
 
طباعة

تعليق

 القراءات :561  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج