شاقه غابر الهوى فتوجدْ |
واشتهى جِدة المنى فتنهدْ |
هرمٌ قال من هنا طار صيتي |
في حياتي ومن هنا سوف يخمد |
سنّة العيش في الأناسيّ من قبل ومن بعد فطرة تتجدد |
وقضاء الحياة يعمرها الأصلح فيها ومن على العبء أجلد |
تزدري اليوم من بها كان بالأمس فتاها وباسمه تتمجد |
بيد أني وقد سبقت بها الغير ولم يأتِ حينذاك ويولد |
وطويت السنين اجتاز منها |
عقديَ الخامس الطويل المسرد |
لحريّ ألا أزاح ليستفرد غيري أو أن أذل ليسعد |
فلأكابر قوى الحياة فما خاب لديها مكابر يتودد |
ولأردد ذكراي فاسميَ قد رث وعفّت عليه أسماء من جد |
ربما ينطلي الخداع على الناس فأمر الدنيا خداع معود |
فلأجدد عهدي القديم ليرتد جديداً بما أقول مزود |
كالحذاء الرثيث يصلحه الرتق فإن زانه الطلاء تجدد! |
هكذا بيّت الخديعة بالليل وقد راقه الدليل المسدد |
فبدا ضاحكاً يعربد كالقرد وقد زايل الكرى والمرقد |
ومضى صائحاً ينبه في الدار رقوداً ما بين شاكٍ ومجهد |
شارحاً لذة المعارك والفوز وما يعقبان مجداً وسؤدد |
فأطاعوه كارهين وقّفوه خطاهم إلى الفِناء المعبّد |
وامتطى الشيخ صهوة الفرس الفذ وألقى للتابعيه المقود |
وغدا في الدجى ينظم أركان ميادينه لهم وتجلد |
قائلاً في اليمين يقبع محمود ربيبي وفي اليسار محمد |
وإلى جانبي بكر وعباس فهذا ضاوٍ وذلك مقعد |
ولدى القلب حيث أبرز يقعي |
تحت رجليّ ابنيَ البكر أحمد |
وعلى هذه البقية أن تبقى |
تجوس الأطراف تحمي المشهد |
وانتضى الشيخ سيفه الخالد الذكر وقد هز في الظلام المهند |
ورمى مهجة الفضاء فما زاد على أن أرغى عليه وأزبد |
فتهاووا وراءه يوسعون الشيخ زجراً ألا يطيل فيجهد! |
وانقضت وقعة الظلام وما كانت نجوم حتى هناك لتشهد |
ومضى الشيخ بعدها ناقل الخطو بطيئاً يزجي القريض ليحمد |
حاسباً ما يقول ملحمة النصر وقد زامل الشجاع بمشهد |
راقصاً رقصة الحِمام إذا حم وقد دب في قوافيه وارتد! |
وأوى للفراش يكربه الوهن وعطف من تابعيه مردد |
هامساً في مسامع الليل والفجر ضنين ألا يريح المجهد |
اعرفي يا حياة قدريَ من بعد مماتي قد عدت والعود أحمد |
وأعيدي ذكري المتوج بالفخر لدى صفحة العلاء المخلد! |
ولقد طال ليله البارد الروح وبرد الشيخوخة المر أنكد |
فاغتدى كاللديغ ينقل جنبيه دواليك في الفراش مسهد |
حالماً بالحياة تشرق والفجر عليه كما اراد وحدد |
فإذا الفجر ماحق منية الشيخ بأضوائه التي لا تبدد |
حين أهدى الهوى الشبابَ فأولاه فؤاداً حُر الصبابة موقد |
يتسامى إلى العلاء كما اختار قوياً عن قصده ليس يرتد |
عشق الفن لا ليكسب بالفن حياة رتيبة لا تجدد |
بل ليوليه من هواه حياة |
ذات مجد وقوة ذات سؤدد |
وهوى خلة الصراحة ما كان دعيًّا فيها وليس بمرتد |
وابتغى العيش لا ليقنع بالعيش وضيعاً في خفضه ومقيد |
بل ليسمو به إلى سبل العز طليقاً مرفّه القصد مسعّد |
مثلما يشتهي الشباب إلى المجد تعالى وللسعادة صعّد |
فزكا غرسه ورقت حواشيه وطابت به الرجولة واشتد |
وغدا ورده يُفيض على الظامئ نهلاً هيهات هيهات ينفد |
كلما هزه إلى المثل الحي بإحساسه شعور مؤكد |
أو دعاه إلى الإجابة والقول حماس ما زاغ عنه ولا ند |
فسما صوته يجلجل كالرعد يدوي، وكالضياء إذا امتد |
فانزوى الشيخ يائساً واجف القلب لدى ركنه القصي المحدد |
قائلاً: رب ما بقت ليَ في الأمر على النصر حيلة فيه تقصد |
عشت ما عشت من سني عمر القفر خيالاً فجاً ووهماً مجسد |
فلتكن لي عوناً على المصرع الساعي حثيثاً يدنو إلي وأبعد |
لن يكون النضال شأنيَ من بعد ولن استجيب للوهم فاشهد! |
يا لها رقصة! يوقعها الموت بألحانه الطوال الخرَّد |
رقصة مهدت سبيل حياتي |
للسبيل البادي النهاية، للّحد! |