شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفصل الثالث: عبث الجمال
* لا تصدِّقوا: أن هناك
إمرأة... بلا قلب
وإنما هنا إمرأة...
تعبث بكل قلب!
* دورثي طومسون *
ـ 1 ـ
*ثمة فاصلة وقفت بأشواق ((عالية)) نحو ((علاء)) ذات يوم في باريس... كانت هي مُتْعَبة به، وبانفعاله معها في القطار... وكان هو منتشياً بحضورها ليحققا ذلك الحلم الجميل الذي نسجاه في مخليتهما مع دقات قلب كل واحد منهما... حتى حدث الارتطام!
أرادت ((عالية)) أن تجمع حياتها القلقة... في حضن ((علاء)) بعد أن رسمت له في مخيلتها صورة: الفارس، القوي أو الأقوى منها!
ربما أرادت فيه الرجل الذي يُقنعها أن تنضوي تحت لوائه دون أن يعتسف فيها هذه الرغبة، أو لحظة ضعف المرأة هذه مع الرجل الذي تحبه، وتتكئ عليه ليحميها.
ومنذ إطلالة ((علاء)) بنظرتها الأولى: استخدمت في رد الفعل السريع... تلك النظرة الباردة أم المكتشفة، وهو يندفع نحوها بخطوته إليها، ويحتضنها أمام صديقه وصديقتها!
إنها لم تصِفه لحظتها بالمتهور... لكنها رأت في هذا الاندفاع العفوي: عدم اتزان، و((لفافة))، وطفولة غير مرشَّدة!
وهو أراد باندفاعه ذلك: أن يكون ((شاعراً)) / طفلاً: ((لا صوت له... وعليه أن يتكلم))، كما قال ((بكيت))!
حتى كانت ((حادثة)) القطار التي جاءت مخاض حوارهما، وقفلة الفرح... فرأته في الليلة الأخيرة، على ضوء شموع مطعم ((مكسيم)): يبدو منكسراً بكل ما كبحته هي في داخله... وفي طفولته التي حاول أن يحميها في داخل ((عالية))، أو في هدهدتها لهذه الطفولة!
وفي هذه الليلة الأولى بعد عودة ((عالية)) من رحلتها الحزينة إلى باريس، وأسبانيا... كان لا بد لها أن تتذكر ((علاء))، رغم قرارها الذي اتخذته هناك باسقاطه تماماً من وجدانها!
لكنها حين دخلت بيتها... قابلتها في جولة نظراتها الأولى: أشياؤه... عطره، أشرطة الكاسيت للأغاني الخليجية التي يحبها... رسائله إليها، أصداء صوته التي كانت تتناهى إليها عبر أسلاك الهاتف، وقد أحسَّت الآن: أن هذا الصوت يختلف كثيراً عن صوت ((علاء)) الذي سمعته بجانبها دون وسائط الهاتف!
شعرت بضيق شديد، ليس من أجله... بل من أجلها هي، بعد أن أصدرت قرارها الحازم والقاطع نحو ((علاء))... فهي لا تريد أن تمنحه مساحة أكثر مما أعطته قبل أن تلقاه... ولا بد لها أن تعود إلى حياتها وواقعها، وإلى همومها وطموحاتها.
وفجأة... تحرك في رأسها سؤال كالجنين في بطن امرأة تحمل لأول مرة:
ـ هل يستحق ((علاء)) الانتقام؟!
* أجابت: لا... هو يبقى عاشقاً لي حتى بعد كل الذي فعلته به من إهانات له، واستعلاء عليه!!
ما الدافع لكل ما فعَلَت ((عالية))؟!
لعلها ((إصطدمت)) في عمق علاء: بافتقار هذا العمق للنضج النفسي والعاطفي، برغم أنه يكبرها في السن... خاصة وهو يطرح عليها - في القطار - الطلب الذي اندلعت منه شرارة الخلاف بينهما إلى درجة ((فرارها)) من عاطفته نحوها.
أساس الخلاف / المشكلة / الشرارة: أن ((علاء)) توجَّه إليها مع اللحظات الأوى لقيام القطار من محطة ((دوفيل)) برجاء: أن تمنحه انتباهها ليطرح عليها موضوعاً هاماً.
* قالت له مبتسمة: كلي آذان صاغية.
ـ قال: أطلب منك أن... نتزوج؟!
شعرت برعشة تمس جسدها كله، وسحبت يدها من يده وهي تلتفت إليه قائلة بدهشة وفجأة:
ـ ماذا قلت... نتزوج؟!
* نعم... نتزوج على سنة الله ورسوله، فيها حاجة دي؟!
ـ بل فيها حاجات، وحاجات... وهذا قرار خطير جداً لو اتفقنا على تنفيذه.
* ألا تحبينني... ألا أحبك؟!
ـ أكيد... لكنَّ الزواج غير الحب... التزاماته، وقواعده، ومسؤؤلياته، وعهوده: تختلف كثيراً عن ((الجب))!
* وهل الحب أقلّ درجات من الزواج... خاصة إذا كان الزواج بالحب؟!
ـ لا أقصد التقليل من الحب، بالعكس... الحب عاطفة عظيمة تتفتح بها أزكى عطور النفس الإنسانية، ورغم ذلك - يا حبيبي - فالحب غير الزواج، والزواج غير الحب.
* يعني كلامك هذا: أنَّ طلبي مرفوض؟!
إخترقت نظراتها زجاج نافذة القطار المسرع، وكأنها بنظراتها تعدو من ((علاء)) بعيداً حتى يحاصرها، أو لا ((يوقِّعها)) في شيء لم تفكر به، لكنها تسعد به.
* قال مستطرداً يلمس كفها: ألم تتدفق مشاعرنا نحو بعضنا البعض بالحب، وركضنا لهذا اللقاء لنجتمع؟!
ـ إني أحبك والله - ركضت إليك لنجتمع، ولكني لم أفكر أبداً في حلم ((التوحُّد)) معاً.
* ولماذا ترفضين؟!
ـ لا أرفضك أنت... فأنت حبيبي، ولكني أرفض طلبك، فكرتك، جنونك.
* هل لي أن أعرف الأسباب؟!
ـ أحسب أنك تعرفها، وتتهرب منها أو تكابر... أو أن اندفاع الحب لم يجعلك تفكر، وتستفي ظروفك وظروفي.
لا أتوجس منك... بقدر ما أتوجس من نفسي هذه التي صارت أكثر حساسية وشفافية، إلى درجة أنها تتأثر بأبسط الأشياء، ولكن - علاء - إمسك يدي، ودعنا نسير معاً... في المنعطفات الخطرة من حياتنا: أحتاجك وتحتاجني!
المشكلة أعمق صدقني، أنت وأنا - في عمق سنين النضج والتفكير والتأمل - لا نقدر أن ننسلخ من حياتنا الماضية، ولا حتى من أصدائها التي ستلاحقنا... وهي مشوار طويل من الطموحات والارتطامات، والنجاحات والفشل.
* قال: لا بد من تقديم بعض التنازلات من أجل الحب.
ـ قالت: لكنَّ الحب أناني يا حبيبي... يستمر دائماً في مطالبتنا بالتنازلات له على حساب ((القاعدة)) الاجتماعية والأسرية التي وقفت عليها السنوات التي مضت من عمرك وعمري.
* قال: لكنَّ توحدُّنا الفكري أولاً... سيضمن لنا وفاق التفكير، ووفاق الانسجام، ونحقق من خلال هذا الوفاق ما تسمِّينها أنت بـ((التوازنات))!
ـ قالت: يؤسفني أن أقول لك عن طلبك... هو لا أكثر من حلم جميل، ولكنه مستحيل.
* قال: ولماذا هو مستحيل... لدينا القدرة الهائلة على التشييد وبناء قاعدة جديدة لحياة نحيا فيها معاً في كنف حبنا؟!
ـ قالت: استحالة ذلك تعود إلى صعوبة انسلاخي وانسلاخك من هذا الواقع الذي بناه كل واحد منا بعرقه، وبسهره، وبمعاناته... ويكفي ما خسرناه في مراحل ذلك البناء، لا أريد أن أخسر المزيد من الأحلام، ولا تتهدم قصور رسمتها في طموحاتي وسقطت بدوِّي هائل بين جنبات صدري.
إسمع ((علاء))... في حياتي ((علامات)) مما نسميه التجارب في عمر الناس، وتلك العلامات خلّفت في نفسي بعض الطعنات، وبعض النزف الذي لم يلتئم حتى الآن!
قال لها: ألم يقدر حبي على تطبيب جراحك، وإيقاف نزيف وجدانك؟!
ـ قالت: أخاف من نزف جديد... قد لا أحتمله في هذه المرة، وبعد هذا المشوار... ألم تقرأ العبارة القائلة: (كل شيء في الحياة قابل للغفران... إلا العهود المجهضة)؟!
* * *
* إسترجعت ((عالية)) ذلك المشهد الطويل، بأبعاد حواره وأصدائه، وبكل دقائقه وحركاته، والملامح التي ارتسمت على وجه ((علاء))، والتي تجمَّدت على وجهها في ذهولها من إصراره على طلبه.
إنها ترى الآن وجه ((علاء)) في ليلتها الأولى بعد عودتها إلى بيتها من رحلتها... وهو يُحدّق في أغوار عينيها العسليتين، ويمرر أصابعه على شعرها الداكن كليل، ويكبح دمعة حائرة تجول في حدقيته، ولا يريد لها أن تنزلق.
حقاً... إنه يبدو كطفل بريء، وشقيِّ بركضه، وجنون لعبه.
تتطلع إلى وجهه الذي تنضج منه طيبة الواضحين الصرحاء... الذين يفشون سر أرواحهم على ملامح وجوههم... ويهمس لها - حتى وهو غاضب متوتر من رفضها - فتأتي كلماته لها: جمراً... ولكنه هو الذي يحترق به!!
تحتضن الآن - في وحدتها ببيتها - وجهه، وطفولته، وجمره وتحتضن حتى اندفاعه وتهوره، لكنها تشعر الآن أنه ينسلخ منها، أو هي التي سلخته لتضعه في مواجهتها تمهيداً لإسقاطه تماماً من حياتها... إنه لم يعد الآن بين ضلوعها، ولا في قلبها.
قد تبدو الآن: امرأة أنانية، تعشق نفسها فقط... أو أنها لم تعشق رجلاً قط، إلاّ من خلال عشقها هي لنفسها.
تعرف ((عالية)) أن هذا الرجل العاشق لها ((علاء))، كان يتطلع إليها ويفتش فوق صدرها عن الأمان بما يحلم به من حنان تمنحه لتعبه.
لعلها ظنت فيه - من خلال طليه الزواج منها - أنه يطمح إلى الاستحواذ عليها وامتلاكها.
وهي امرأة صعبة المراس والقيادة رأيها في الرجال تميل به إلى الاتهام الدائم بالخيانة، وبالسطحية، وبالتسلط واعتبار المرأة صيداً سهلاً لهم!
بل إن رأيها في مجتمعها العربي كله: أنه يضطهد حقوق المرأة، ويقف بحقوقها عند حدود: المطبخ، وتدليك قدمي الرجل في الماء الدافئ وتُشكِّك كثيراً في قدرة الرجل على الإيمان بصداقة بينه وبين المرأة، لأنه يعتبر المرأة: الوعاء، والاستشارة.
ولكن هل قامت ((صداقة)) مطلقة بين رجل وامرأة، ولم تتطور إلى حب، ومحاولة للتوحد؟!
((عالية)): ترفض أن تكون تابعة لرجل، ولكنها ترحب بصداقة تقوم بينها وبينه!
على وجهها: وداعة وهدوء جميل وهذا السطح الذي يراه الناس يخفي وراءه في أعماقها ما لا يقدر الناس أن يروه من تلك البراكين ذات الحمم، والرفض لأشياء كثيرة، وأول تلك الأشياء، ومنتصفها، وآخرها: الرجل بصفات مكروهه لديها كالاستبداد، وفرض السيطرة، والغيرة دون أن تُغيِّر هذه النظرة من رجل لآخر، وكأنَّ الرجل قد تحوَّل في حياتها إلى عقدة!
ولكنَّ من أين نشأت عقدة ((عالية))؟!
* تهمس لنفسها في سكون هذا الليل، والنيل يمتد بانعكاسات الأضواء على سطحه أمامها، فتقول:
ـ آهٍ ليست عقدة، بمقدار ما هو الإحساس الكظيم والعظيم بالظلم.
إنني امرأة مظلومة منذ دخلت معترك الحياة برفقة الرجل بدءاً من ((أبي)) الذي تعرّض لظلم قاسٍ من مجتمعه، فاضطُّهد، وقذفوا به بعد ذلك في الظل المعتم ومروراً بزوجٍ فرح بفتاة جميلة جداً، طفلة ظن أنه يشكِّلها كالصلصال على هواه، وطباعه، ورغباته فكان فارق السن: أولى العثرات، حتى اكتشف فيها: تمردها، ورفضها للهيمنة وحتى استرخاءتها هذه بجانب أولادها، وهي تمارس عملها وهواياتها بحرية، وباستقلالية مريحة لها!
ـ 2 ـ
* وقت الرماد هو الذي صار يفصله عنها، ويفصلها عنه، ويُغيٍّب صوتها حتى يعثر عليها وعلى صوتها هي الأنثى التي غرس في تربة نفسها وصدرها: وروده التي غيَّرت حتى حواسه!
وفي هذا الوقت الذي تحسه ((عالية)) نحو ((علاء)) والليل ينتصف بها: رفعت ساقيها على إفريز شقتها المطلة على زحام البشر، وأشعلت سيجارة ربما تستمتع بها في تدخينها النادر وأمسكت بالمغلف وهي تتذكره، وابتسمت تهمس لنفسها:
ـ يبدو أنني لن أخلص منك بسهولة وقرأتْ:
* (أكتب إليكِ من ارتفاع الأرض لا أحصيه دعوت الطائرة أن تحملني من فرنسا إلى ((جدة)) / مستقري)!
صباح أمس توقعت أنك عُدت قلت لي في مطار باريس، بعد أن سألتك عن رحلة أسبانيا: أنك ستغيبين خمسة أيام لا أكثر!
إتصلت بهاتف منزلك فلم يُرْو غُلّتي.
أشعر باختناق. لا نوم يهادنني.
إشتقت إليك أكثر مما تظنين / وتفرحين إشتقت إلى: صوتك، وجهك، ابتسامتك، حنان يدك في دفء يدي.
الفراق قاتل، والخصام فيه تعذيب قبل القتل!
وأنا ما زلت أنا لا، بل أحببتك أكثر، أردتك أكثر، امتزجت أكثر بجنونك، واستعلائك، و((قنزحتك)) المقصودة معي!!
أستطيع أن أفهمك بوضوح لو أًرًدْتِ، فأنت قد فهمتني بحب، وليس بكراهية.
الآن بعد كل شيء: صرت أرى بوضوح تام حتى اللا وجود!!
لك حُصتّك حتى من أحلامي، وقلقي، وأمنياتي، وموتي!
يصعب على المرء أن يكون ((حملاً)) يا سيدتي!!
هل مطلوب مني: أن أفعل مثل الرسام المبدع المجنون ((فان جوخ)) فأقطع لك أذني / لإثبات، أو أبتسر لك شفتي / للعطش وارتوائك، أو أسمل عيني لأن عينيَّ في انفتاحهما، وفي إغماضتهما لن تريا سوى وجهك؟!!
وما زالت أحيا - بعد توديعي لك في مطار باريس - الحياة في اللا وجود!!
صار ضوء الشمس: أخضر / أزرق!
مثل لوني فرشاتيْ أسناننا في فندق ((دوفيل)): لك الأحمر، ولي الأزرق وليس هو التبادل، ولكنه التوحُّد، والامتزاج! (هل ما زلت تذكرين)؟!!
ياه - إن الرمال صارت أكثر حناناً، واحتواء الإنسان!
في مساء (أول البارحة) من البعيد جاءني صوت ((فيروز)) بأغنيتها القديمة التي تجدَّدت، وهي تُفيض بأشجانها وتشدو قائلة:
ـ ((اركبوا عربيّات الوقت / وهربوا بالنسيان))!
غفوت قليلاً يبدو أنني مرهقة جداً!!
بدأ الفجر: نوراً فكيف أجد الفجر؟!
حتى أجده يبقى الصباح مجرّد رغوة بيضاء!!
أكمل لك الحكاية عن: مساء الجمعة، فهل تحبين سماعها؟!:
لذت بصديق بوحْي، ووحدتي!
ـ قلت له: أيها البحر يا صديق وحدتي سأشكوها إليك.
فجأة إرتفعت موجة بيضاء، واندفعت من منتصف البحر، حتى اصطدمت بالحجارة والرمل، وتكسّرت هناك عند قدميّ.
كأنّ البحر - بردّ الفعل هذا - كان يشجب مجرد فكرة الشكوى منك!!!
إبتسمت، وقلت: حتى البحر معك (وليس حامد / صديقي فقط)!!
على فكرة: حامد سافر يوم الجمعة من باريس إلى مدريد، ولم يعد حتى الآن!!!
حتى البحر أحبّك من كثرة ما حدثّته عنك في ليالي خوفي، ووعودك، وانتظاري، وأحلامي!
ـ وعدت أقول له: أيها البحر لقد كانت بالغة القسوة في تعبيرها عن احتجاجها على تصرّفي!!
* سألني البحر: وكيف كان تصرّفك؟!
ـ قلت: أعترف لك، وقد اعتذرت لها عنه ورفَضَتْ الاعتذار: أنني فقدت أعصابي، وبحماقة عاشق خاصمتها في القطار، ولكني لم أقصد أن أجرحها.
* قال البحر: هذا تصرّف يخلو من الحب، وأعرف أنك تولّهت بها.
ـ قلت: وكان رد فعلها أيضاً التصرف الذي أنكر الحب وجعله ينزف!
قال البحر: ولماذا فَعَلْتَ ذلك التصرف؟!
ـ قلت: لعلها عوامل تراكمت في النفس - برغم فرحتي المحلقة بها - كأنّ القلب كان يختزن / مع شدة حبي لها / شدة غيرتي عليها!
* قال البحر: وكيف ذلك؟!
ـ قلت: رأيت (صديقي!) الذي استأمنْتُه يحوطها بذراعيه أكثر من مرة، ويقربّها إلى صدره، ويلف ذراعه على خصرها، ويتهامسا... وأعرف رأيها حينما قالت: ((أحب شرقيتي، لكني أحياناً أتمنى لو لم أولد في الشرق))!!
وأنا أحبها وأغار عليها - أيها البحر - وعانيت، وقد ولدت في الشرق!!
* قال البحر بغضب: ولم تحتج على ما حدث؟!
ـ قلت: يبدو أنك شرقي مثلي (!!) ولكن كيف أحتج؟!
ذلك (صديقي) الذي لا أخوّنه، وأعرف آراءه وقناعاته في مثل هذه اللقاءات، وأخالفه وهي (حبيبتي) التي أثق فيها أكثر من نفسي، وأرتفع وأسمو بها وقد لاحظتها أكثر من مرة تتخلص من حصاره بذراعه، وتلتفت خلفها نحوي، كأنها تحثُّني على التقدم لأسير بجانبها!
قال البحر: أنت لم تكن مثالياً بل كنت ضعيفاً!
ـ قلت: أنا سقطت في الاضطراب، كأنها التجربة الأولى في حياتي والسبب: ضياع أمنيتها وأمنيتي، واتفاقنا معاً: أن نلتقي (وحدنا)، وفوجئت (بصديقي) قبل يومين من السفر يخبرني برحيله معي. وأُسقط في يدي لأنني عاكست أنيتها، وأمنيتي برغم أن معها أيضاً صديقة رائعة بحق!!
* قال البحر: تعتقد أن لقاءكما وحدكما كان سيكون مثمراً، وأروع؟!
ـ قلت: أؤكد ذلك ولكن!!
* قال البحر: اسمع لا تُحمّل صديقك ما كان ينبغي أن لا تخطئ فيه!
ـ قلت: تعرف أنني بكل حبي لها كنت فَرِحاً بها، وطائراً لا أريد أن أكدّر عليها!
* قال البحر: وكتمت ذلك ليتراكم، وكان أولى بك أن تفاتحها بصراحة، وأنت - كما صوّرت لي وحكيت - قد لمست تقديرها وحبها لك!
ـ قلت: لذلك أخطأت في حقها، حينما ضمنّا القطار لكنني فوجئت أنها أبدلت الحب بالصَّهد، والحنان بالسَّمُوم، والعطاء بالشح، والرقة بالاستعلاء.
قال البحر: وهل ما زلت تتمسك بحبها؟!
ـ قلت: أرجوك هذا سؤال سخيف، فلم أكن أجرّب معها، بل كنت أنبض، وأخفق بكل صدقي وقد جاءت من البعيد، من قبل أربعة عشر عاماً، لتَجسد ذلك الحلم الذي كنت أريد أن أحكيه لها، فضاعت الذكريات في التوترات إنها ستبقى وحدها هي: (القيمة)!
لقد وجدت فيها ما يكمّلني، ووجدت عندها ما يرغد روحي مجرد الاطمئنان والراحة حين أمسك يدها، يمنحني الحنان الحقيقي والأمان، ووجه الحياة!
إنها توأم روحي الذي افتقدته، فلما وجدته خفت عليه أن، يضيع مني، وبدونها سأعيش بنصف روح!* قال البحر: إلى هذا الحد أيها المتيمٌ، ولا تخاف حين تعرف هي قوة مشاعرك هذه وتدفقها أن تستعلي عليك؟
ـ قلت: ليس في الحب استعلاء، إذا كانت تحب حقاً!
أما إذا حدّدت مشاعرها - كما قًرَّرًتْ! - في الصداقة، فإنها تبقى (إنسانة) لها قلب يخفق، ولا أتمنى له أن يتعذّب بخفقه كعذابي وقد أحببت أول شيء فيها: إنسانيتها، واحترمت: مبادئها، وحلّقت مع أحلامها، وحاورت أفكارها حتى شعرت - يوماً ما - أننا (هي وأنا) قد توحدّنا، وصرنا (إنساناً) واحداً في جسدين.
* قال البحر: يرحمك الله، ويسبغ عليك رحمته.
ـ قلت: كان صديقي - رفيق الرحلة - يقول لي: لا تُظهر ضعفك أمامها، وكنت أرد عليه باقتناع: ليس في صدق الحب ضعفاً يكفي أنه الصدق كله!
أه - تعبت من الكتابة، ولكني ما زلت أنزف!
في أعماق البحر رميت الشباك، وتربّعت بين الأصداف أنتظر ضياء القمر / وجهك، لتتفتح لآلئ عمري!
وفي عيني كانت الشمس القادمة بالنهار الجديد وجدتني مُلْقى على شاطيء البحر، وكان اللحن ينتظم كانت دقات قلبي في كل المدى!
* * *
* بعد عودتي إلى جدة، لم أطق البقاء فيها لا أنت، ولا حتى هاتفك، وكانت عودتك إلى بلدك تريحني!
فكّرت أن أعود ((باريس)) / وحدي، وأسكن في الفندق الذي كنتِ فيه، وحبذا لو وجدت الغرفة أيضاً، وأذهب إلى ((دوفيل))، وأقذف بجسدي، ورأسي ودموعي فوق الرمال الناعمة على الشاطئ (أحيتنا) ليلة جميلة!
حزّمت حقيبتي من جديد و((طرت)) إلى هناك.
نعم إلى فندقك، وغرفتك التي أفرغوها لي في اليوم التالي وإلى ((دوفيل))، والرمال والشاطئ، وذلك الفندق هناك جلست أفكر فيك، وغرفتي تُشرف على أضواء ((دوفيل)).
فهل رأيْتِ ماذا سكبْتِ في صدري؟!!
فكرت طويلاً، مضنياً مضنياً منحت نفسي صبابة من التفاؤل، فقلت:
ـ لعلك لم تكُفِّي عن حبي، لكنك كففت عن (اللهفة) التي كان يرغدني بها صوتك، كلما تحادثنا هاتفياً، ويملأني بالحب.
لعل عقلك قد توسط بين قلبك ولهفتك فحيّد لهفتك، وعزل قلبك عنك!
لعل غضبك إعصار يجني حتى على مشاعرك الحقيقية!
نحن لا نقدر على فرض التغيير في زمان قصير.
لكننا نعاند فنعتقد أن القفز فوق العتاب والشجون، هو الذي يفرض التغيير، وربما التخلص من المشاعر، والشفاء منها!!
يا ((عالية)): معك أنت لا أقدر أن أفرض التغيير، بل أفترض الاقتراب الأعمق من النفس، ليكون المزيد من المعرفة، والاكتشاف، والتخلص من المؤثرات الانفعالية، هو: خطوة التغيير.
لا أريدك أن تتغيري أنت.
لا ولا أن تغيّري حتى عطرك المفضل، ولا تسريحة شعرك، ولا تميُّزك في إشاعة ابتسامتك المميزة ذات الدلالات التي توحي لي بالمعنى المطلوب للموقف الذي تتعامل معه ابتسامتك.
لا تغيّري شيئاً من هذه الأساسيات فيك!
وأنت في حياتي، وللأبد: قد أتيت (غرسة) مثمرة، وشامخة وتبقين (نخلة) سامقة.
حتى غضبك. انفعالك حتى خصامك لنفسك.. لي أنا!!
لكنّ شيئاً واحداً لم أكن أتصوّره أن يكون فيك:
أن تكوني (ساديَّة) حبنا.
أن تكوني (ماسوشية) حيناً آخر؟!!
أن تُعذّبي - بقسوة - من يحبك بصدق، لأنه أخطأ بحبك!!
وأن تُعاقبي نفسك على الحب والفرح؟!!
لماذا أيتها الأثمن؟!!
لقد صار بيننا (موعد) محدد. إتفقنا عليه.
موعدنا مع الفرحة، حين انتظاري لرسالتك، وانتظارك لمفاجآتي!
موعدنا مع الأمل، حين تبدأ خطوة منك، وخطوة مني للفهم غير المتوتر، والمحب وهذا الموعد: من الصعب علينا أن نخلفه، أو أن نخونه لأنه هو نفسه الذي وحّد بين روحينا، وبين قلبينا، ومنحنا ألوان قوس قزح نلوّن بها خفقاتنا، وطفولتنا، وحتى أفكارنا!
لذلك أعتذر إلى (ساديّتك)، وإلى (ماسوشيّتك)، وإلى (استعلائك) إن جئت إليك برسائلي المطولة، وغير المطوّلة ثانية وقد تكوني غير راغبة فيها الآن، ولكنك ستتذكّرينها، لأنها لم تكن رسائل منافقة بل دفاقة بصدق المشاعر، وبأنبل الأحاسيس، وبعفوية (العِشرة)!
لكنّ لي ذلك (الموعد) المحدد الذي لن أخلفه، وقد تمّ بين روحك وروحي في زمن الاقتحام، وفي زفاف (حيتانك) لأمواجي، وأعماق بحاري.
لا بد أن أفي بموعدي لك، وفيك دائماً.
* * *
* عدت إلى ((باريس)) والتقيت أثناء تسكعي في ((الشانزليزيه)) بصديق قديم لم أره منذ سنوات فرح بي، وفرحت به، وأخذني بهمومي وبشجوني التي لاحظها.
حملني صديقي فوق (الماء)!
*قال لي والماء من حولنا وتحتنا: أنت شخص آخر ماذا بك؟!
ـ قلت: أردد أبيات شعر لشاعر حديث يقول:
- ((أموت إشتياقا
أموت احتراقا
ولكنني لا أقول:
مضى حبنا، وانتهى!
حبنا لا يموت))!!!
* صفّق (صديقي) وقال ضاحكاً: ألآ تقول لي؟!
ـ قلت: وكيف أبوح لغيرها؟!
إحترم (صديقي) حميميتي، وأخلد للصمت كأنه يشاركني التأمل.
أصرّ في المساء أن نذهب لنسهر.. كيف أسهر بدونك؟!
ولكن وجدتُ أن صهيلي كان يغور في الركض الدائم نحوك.
أنت ((السلطانة)) المتعلقة في الشوق الغامض وقد صرتِ - يا سيدتي - أنتِ (اللقاء) الذي يودّعني!
تُنادين أفراحي بك وتدعينها تتبرّج!
تكسّر الزمان كله في غيابك.
أصبح العمر بلا طفولة بلا شباب حتى بلا شيخوخة!
صرتُ أرى بوضوح تام حتى (اللا وجود)!!!
وها هو صباح الأربعاء مثل صباح الطائرة: مجرد رغوة بيضاء!
ترى ما الذي سيعطيني الزمان، إن لم تكوني أنت: شفتاه، وعيناه، ووعيه؟!
أصبحتُ حارس النجمة، والقمر في أفوله، والبحر يزهو بزبدة المُلقى على ثبجه!
والنداء يكتمل في أشواقي ويتبعثر في المسافات!
والفم يصبح كلمة واحدة: عالية.
كأنما العالم الآن في رؤيتي، ورؤاي: خطوة واحدة، تتجه نحو شجرة ظلالها تفترش نفسي، وأرضي.
لقد كتبت لك قبل (اللقاء): إلياذة ما قبل اللقاء في تسع صفحات!
والآن أحتار بماذا أعنْوِن هذه الرسالة التي ستفوق الإلياذة؟!
تُراها: رسالة الغفران؟!
تُراها: طوق الحمامة المذبوحة؟!
تُراها (قصة حب) Love story؟!
تُراها: ستستقل، وتكون كما أردنا لها: ((عالية، وعلاء))؟!
عفوك يا حبيبتي!!
إنني هذا ((الإنسان)): وريث التعب!
أمنح شعوري عفوية العواطف، ولن يلحظني في هذا الزحام سوى قلبي.
أقترب من الناس أسامح، أتعاطف، ثم: أنخذل!!
أمتلئ بشفاه الناس، وأصرّ أن الشفاه لا تَعُض، ولكنها - لا بد - أن تبتسم!
مَنْ يقدر اليوم على إهداء بسمة صادقة من القلب الآخر؟!
مَنْ يفعل ذلك وعلى شفتيه نهر من الحنان، والود؟!
في (وحدتي) هذه - بدونك - أمسح الغبار عن بريق العيون.
حضورك يتصوّب إلى خفقي، وحبي للفرح، أسطوري، قديم، موروث.
أدعوك أن تغتالي أحزاني فهل تفعلين؟!
خذيني إلى مدائن الشوق / المرتقب.
أعطيتك قلبي على وجهي، وفوق لساني.
مَنْ سيبادر منا إلى احتضان الآخر / قبل الآخر / من جديد ويكون في صدره نقاء الصباح الحقيقي الذي لا يأتي رغوة؟!!
أخذتني سِنَة من النوم، واسترجعت شطراً من بيت شعر يقول:
ـ سَنَةُ الوَصْل: سِنَةُ الهجر سَنَة!!!
 
وصحوت فإذا بي أسترجع ذلك المشهد الحبيب إليّ، ولعله كان مفاجئاً لك، ومُغبطاً لي.
تذكّرت ليلة ((دوفيل)) كنت أنام فيها ساعة أو إثنتين بالكثير، ثم أصحو فإذا صحوت، وضعت مرفقي على الوسادة، وخدي على كتفي وجلست أتأمل وجهك وأنت نائمة فيمنحني وجهك نوراً يجعلني أحسن تأمّله.وقد (ضَبَطْتًني) أنت في مرة واحدة، أو فوجئتُ بك تفتحين عينيك... فإذا أنت مستيقظة!
هذا المشهد صار زادي في سغبي، وارتوائي في عطشي!
أحار في الهروب الآن!
وأنتظرك في عام الصعود إلى (الزهرة / فينوس)!
وأنا أركض، وأنت تركضين لتختفي في كفي، وقلبي!
وأخاف أخاف أن تضيعي مني في ضجرك!!
لا أقدر أن أمثّل، ولا أكذب، ولا أكابر.
وليس في (تصريحي)، ولا في صراحتي: ضعف، ولا ذِلَّة فالحب يَجُبُُّ الضعف والذل.
لقد ضحكت حين قرأت في مجلة عربية، هذه العبارة على لسان إمرأة:
* (روايات العشّاق تقول: إن الاندفاع في الحب قد يفقد الحبيب)!
فهل هذا صحيح؟!
وهل إندفاعي في حبك، ونحوك، قد يُفقدك مني، أم يؤكد لك (نضالي) على الاحتفاظ بك: رمزاً لحرية روحي وكرامتها؟!!
وتضيع العواصف في صحراء الغياب.
وتعجز المسافات عن الرجوع!!
ولكن مستحيل أن يتوه الطريق إليك!!
ها أنذا - أخيراً .: أتصاعد إلى رياحك بحثاً عنك.
فأشرب القهر: بلاغة كلام!
وعليك السلام!
* * *
ـ 3 ـ
* قال البحر لـ ((علاء)) وهو يعاقد صخور الشاطيء، ويغرق في تردد أمواجه البيضاء:
ـ حبيبتك هي الأخرى: مضطربة، مندهشة.
حبيبتك نقية في مشاعرها، وإن بادرتك بذلك الغضب القاطع، الذي رمدّ حلمكما لكنها ما زالت تعالج هذه الهزة النفسية العنيفة التي أحدثها اقتحامك لها، وهي تخاطب نفسها الآن في بيتها، بعد كل ما حدث:
ـ كيف أغريت حيتان بحارها ومحيطاتها لكي تفسح لك الطريق إليها؟!
أصغى ((علاء)) إلى همسات البحر له، في شروده كأنّ البحر قد تجاوز الهمس، وتضامن مع صراخه ونجواه وندائه عليها.
تكاد ملامحها تتجسد الآن أمامه ويحس بأنفاسها بجانبه.
وكأنه يرغب الآن في تقديمها للبحر، يعرّفه على حبيبته التي ما زالت في نبضه لها، وإحساسه بها: مليحة، متألقة شعاعاً من الإبهار إسمه ((عالية)).
أما هي فقد تعرّفت على هذا البحر في مدينة ((علاء))، مروراً وعبوراً من كثرة ما حدثها عنه، وعن خلواته أمامه ليحدثه عنها.
كأنَّ للبحر الآن صوت التعاطف معها، قبل أن يكون معه وللموج صوت يقول له: فلسفة أعمق من فلسفات البشر البحر: يضم، ويحتوي، ولا يلفظ أبداً إلاّ ذلك الخفيف الذي يطفو سريعاً!
عالية عالية عالية!
هي عمق بحاره، ولآلئ دنياه، وجواهره حبه لها لم يأت عبثاً، إنه فوق التجربة، ويجتاز بهما المراحل.
كأنه يلتفت الآن إلى وجهها الذي يستقبل مع وجهه لحظتها: أبعاد البحر، ونسائمه وافتتانه بجلوة وجهها!
أمام وجهها إرتفع صوت عقله، واصطفت أضلعه على شكل: همسة، ونسمة، وقُبْلة.
لم تكن ((عالية)) في حياته: المفاجأة، وإن كان سيناريو التعارف قد اتخذ شكل المفاجأة لكنها كانت تمثل انتظاره الطويل لكل ما يكمل ذاته، ولكل تكامله.
قبل رحلته إلى باريس للقائها جعل هذا البحر: شاهداً ومأذون قران الحب بينه وبينها أنشد أمامه تراتيل التوأمة بين قلبه وقلبها، وأعلن - باسم حب الحب - رباطاً يتفوق على كل القوانين التي تحكم البشر، والتي قد (تجرُّ) الحب إلى رابطة تتدجَّن بعد ذلك، حتى تتحول إلى رباط مادي.
ـ قالت له يوماً في حوارات الهاتف: أنت اكتشفت في داخلي - كما تقول - أنانية المحب الذي يريد أن يمتلك ويستحوذ وأنت: ألاّ يطمع حبك في الاستحواذ على من يحبه؟!
لقد قيل - يومها - تنبيهها، ولكن ليس بالإقلاع عن الدخول فيها والامتزاج بها، بل بالإصرار على ذلك لتدفئة نيرانها ولا تحرقه!
* (وحشْتًني): تلك الكلمة التي كانت تنخع قلبه من بين ضلوعه، ثم تهدهده من خلال رسائلها إليه ألم تكن حقيقية، ومن أعماق قلبها؟!
كانت تسعده هذه الكلمة: (وحشْتَني) بمذاقها الخاص منها، وبنبرتها الأكثر حميمية حتى تثبت له أجنحة تحمله إلى أسرارها، وجمالها، وروحها.
* كان يقول لها وهو غارق في هذه الأرجوحة التي نصبتها له:
ـ آه - يا ((عالية)) هل تصدقي أنني أؤجل سعادتي، أو حتى ((شعوري)) بها إلى اليوم الذي ألقاك فيه، واللحظة التي تصافح نظراتي فيها وجهك؟!
هي التي أرغمت الزمان أن يصالحه، ويمنحه ابتسامته بدلاً من عبوسه.
ولكن لحظات السعادة لا تطول ولا تقصر، نحن الذين نطوّلها بالإحساس، وربما بالحزن أحياناً وتقصر في شعورنا في ركض الفرح منا.
الجميع من هؤلاء البشر: ما زال يقف على ابتكار أمانيه، وحول أفكاره التي يحرص على تجسيدها.
يتذكّر تلك الكلمات التي أهدتها له في رسالتها ببطاقة بدء الرحلة، والسفر في دمها هدهدته بها وارتاح داخلها، وفي معانيها وأغفا جزلاً:
* (الزمان: وجهك الرحيم.
عيناك فيهما يقيني
تعبتُ كم أريد أن أنام)!!
ها هو العالم الكبير جداً وقد كان يخاف فيه أن يلحقها أذى المُظْلمين.
* يتذكر - أيضاً - أنه قال لها:
ـ نحن نعيش هذه المرحلة العصيبة في واقع أهلنا العرب، أو أمتنا لمزيد من التمزق والشتات، وهي مرحلة المشكلة لهذا القاع العربي الذي طمرته الهوامش العربية الرائجة فوق السطح فكيف يهنأ ((الإنسان)) بالحب؟!
كثيراً ما تُعاني ((عالية))، ويحس ((علاء)) بنفس المعاناة كل منهما في بيته الأبعد داخل قطره العربي، وتتكثف تلك المعاناة في أمسيات الوحدة القاسية، والصمت المطبق على الناس، وعلى الأمكنة، وعلى الزمان فإذا الإرشادات تخاطبهما: إيحاءً ورمزاً!
لقد استرجع في شروده هذا أمام البحر تلك الحكاية التي قصّتها عليه / مكتوبة في إحدى رسائلها عن ذلك المشهد لـ (كف صبي صغير كانت تتدلى من قضبان سيارة سجن عابرة) ولا يدري لماذا هو الآن - في شجونه عن عاليته - يحاول أن يربط بين قواعد أساسية ثلاث: حب عاشقين يُطعن بالتوتر النفسي، وينزف الخلافات تماماً كواقع المجتمع العربي كله وحجبت تلك القضبان المتجوّلة في الشارع العربي جيئة وذهاباً وتلك الكف الصغيرة لطفل حجبت القضبان وجهه!!
ما هذه الروابط التي تشكّلت الآن في تصوّر ((علاء)) أو ذهنه وهو يجلس أمام البحر ليتهامس مع حبيبته بالنجوى معها من طرفه هو فقط؟!
عبرت ابتسامة عجلى فوق شفتيه حين عادته أصداء بصوت ((عالية)) يوم قالت له:
ـ غريب حقاً أن ينمو حب بهذا الاشتعال عبر الرسائل والهاتف، وقبل اللقاء المباشر وجهاً لوجه حتى أنني أخاف أحياناً!
* وأجابها يومها: من حقك أن تخافي والخوف هو في هذا الواقع الذي نحياه، ويجعل لكل واحد يخاف من نفسه، ويخاف من الآخر ورغم ذلك فقد أشعت تحت مجهرك أدق تفاصيل ((الإنسان)) في داخلي، وقد اندلعت إليك أحمل لك: إمضاء القمر، والنجوم، والليالي.
* * *
* جرّ خطواته كأنها أذياله خلفه، وركب سيارته ميمماً نحو بيته.
شعر باشتياق شديد إليها، برغم أنها كانت بجانبه أمام البحر بخياله أو تخيله.
وفي استغراقه مع شريط اليوم الأخير قبل سفره إلى باريس والالتقاء بها أخرج رسالته التي كتبها إليها، ثم سلّمها لها يوم التقائهما في تلك الليلة الأولى لهما في عمق ((الحي اللاتيني))، وقالت له: سأقرأها في الفندق أما الآن فمعي الأصل والدفء / أنت.
*في تلك المناسبة كتب لها يقول:
(سألتقيك غداً!!
غداً هو يوم الشمس التي تشرق على ساحاتي، أركض فيها خيّالاً، فارساً، نحوك أنت السلطانة التي خبّأت في طلوعها إبتدائي في ميلاد الفرح.
سألتقيك غداً!!
غداً تتفتح أكمام الزهر، وتزهر الأرض بالعشب والسنابل، وعطر المطر.
رجفة قوية عاصفة، تهز أركان صدري وضلوعي وأسأل وجودك في داخلي قبل أن ألقاك:
ـ ترى هل هذا هو الخوف؟!
لقد سبقت السؤال حشود هذه الرجفة في قلبي، حين قلتِ لي بالهاتف:
ـ هل أنت خائف من لحظة اللقاء أم تراك هانئاً، مستقراً؟!
وكيف لا أكون خائفاً؟!
لو غاب الخوف من بين ضلوعي فذلك يعني أنني لا أحبك لا أرتقب (الغد) الذي سيوحّدنا!
ـ ((يا خوف فؤادي من غدٍ))!!
الخوف ليس من اللقاء بل من أن أحيا عمق اللقاء، ثم يطوّح بي الفقد، أو الغربة، أو التعوُّد، و ((يهبدونني)) من حالق إلى الأراضين السبع!!
أشعر الآن برجفة تزلزل كياني من الأعماق!
كيف سيكون اللقاء غداً؟!
كيف ستكونين أنت؟!
مثلما تصورتك، وتخيّلتك، وحلمت بك في اليقظة؟!
أتلفّت حولي في كل هذا الفراغ الرهيب الذي أحدثه غياب صوتك كأن الكون من حولي قد حوّل إلى شارع واحد فُرض فيه حظر التجوّل!
كأنَّ عقارب الساعة تمشي على ميناء عمري متباطئة، ثقيلة، باردة.
وأهرع إلى البحر الذي طالما حدثتك عنه عن هروبي إليه كلما انتهى حوار بيننا، فأشكو إليه وحدتي من بعدك، وأشكو إليه اشتياقي الذي يتضاعف فيخلخل أركان نفسي.
وأسترجع أمام تدافع أمواج البحر البيضاء الغامضة: أصداء صوتك، وبعض كلماتك التي صارت وشماً في قلبي وعقلي.
أخاف من اللحظة الأولى من نظرتك الأولى!
أخاف من التحام كفّك بكفي
أخاف من الكلمة الأولى التي قد نقولها معاً!
هل أقول لك: أهلاً؟!
هل أقول لك مباشرة: أحبك؟!
هل أقول لك، وأنا مطرق الرأس في بهاء إشعاعك: أخيراً إلتقينا؟!
هل أقول لك، وعيناي تحدّقان في وجهك / الضوء: ((وحشتني حتى العظم))؟!
كلماتي تعجز هذه اللحظة أن تكتبك!
أشجاني أشواقي تتدفق، لا تعجز.
أحلامي ازدهرت من نبرة صوتك في أعماقي.
الماضي الحاضر المستقبل:
إمتزجوا بدفق الشرايين!
* * *
* إنني أصف مشاعر الحب!!
أعرف أن الكثير من سكان كوكبنا في ثمالة القرن العشرين، سيضحك سيقهقه سيسخر قائلاً:
ـ حب إيه؟! أنت شديد الرومانسية، تحيا غريباً في عالمك المدجّج بالواقعية، بالمادية، بالحروب، وبالسلاح، وبالمخدرات، وبالجريمة التي تحدث كل دقيقة!
ألم تسمع عن الأم التي قتلت إبنها، والزوجة التي تآمرت مع عشيقها على زوجها فقتلاه؟!
والابن الذي أدخل والده مستشفى الأمراض العقلية، والذي حجر على أبيه متهماً إياه بالجنون، ليستحوذ على المال كله؟!!
أنا هارب من واقعية عصري، ومن ماديات بشره!
هارب إليك أنت.
تذكّرت الآن: حقيقة نحن لم نتحاور مرة في هذه النقطة بالذات، ولم نتبادل الآراء عنها في رسائلنا!!
نحن لم نتحدث عن: الماديات، والواقعية، بتفاصيل من التجارب، والشرائح، والشواهد!
أليس جميلاً ورائعاً أن يقدر ((الحب)) على سرقتنا من صفات عصرنا، وبهذا الأخذ إليه؟
هناك من يتمنى أن يسرقه الحب ليخلّصه من الضغينة، والكراهية، ولا بأس أن يغرقه في الشجون والأحزان!
تحدثنا كثيراً عن الحزن والألم كأننا نُجمل التفاصيل في خلاصة مغرقة في الرمزية، والإيحاء، واللماحية.
فهل كنا نخاف من التحدث في الماديات والواقعية أم كنا نهرب من ((بشريتنا)) حتى لا تصيب مشاعرنا عدوى ((الأخذ)) الدائم: سمة هذا العصر؟!
لم أسألك - على سبيل المثال -: ألم تؤثر تجربتك مع الرجل بحصيلة الطلاق على مشاعرك نحو أي رجل إلى درجة كراهيته؟!
أعرف أن عانيت الكثير من ظلم الأنانية.
وأعرف أن في أعماقك نطفة رومانسية نقية، صافية ما زالت!
إكتشفت ذلك في صوتك الذي كان يفيض حزناً في بدء البدء وكلما تحادثنا يتَّسع الاكتشاف، ثم صار صوتك يتضوع بنبرة فرح أحسب أن له ميلاداً قادماً حين نلتقي!
* * *
* ها هنا على أشرعتي المتعبة من كثرة الترحال: يحط صوتك القادم من الوعد، يتلألأ وجهك المشرق مع الفجر فأفرد قلوعي، وأبحر بصوتك، وبوجهك إلى الغذ!
ها هنا عند شاطئ يرتقب طلوعك، مثل ارتقاب طلوع الحرية دائماً:
هنا رأيت حدسك في الريح المثقلة برعود الواقع، والماديات كأن حدسك مثل الشفة المبتلة بالطل!
أسكن معك حدسك، ونرسم معاً انعكاسات المرايا على قسمات هذا الزمن الذي تضاعف فيه ركض الناس، وهم يتقاسمون مع الحياة: الموت!
آهٍ - ما أقسى نسيج الانتظار للبشارة.
يوم ألقاكِ - غداً - تجتازين بي الخوف، وتدخليني إلى ضحكتك، وفي كل مساحات الحرية / الأمل!
صار الخوف يعذبنا بهاجس الفراق كأننا نبحر نحو اتجاه التعب كأننا نسقط في كل شيء قريب؟
لكننا - غداً - سنتقاسم يا حبيبتي الأفق، وحبة المطر، والنسمة، والخفقة، ونتخطى الخوف إلى الأمل حيث ما زال الحب ينتظرنا!!
أمد يدي إلى يدك لنطلع إلى الزمن الذي يليق بنا لنجرّب القفز فوق حاجز الخوف، وقهر النفس وننطلق نحو الغد!
سأعرفك أكثر: بثقة، وبدون إدّعاء.
سأشرب جنونك، وأتوضّأ بحنانك، وبصدق مشاعرك.
كأنني أتهادى الآن، حين يكاد ((صبري)) أن ينهزم إنني أنتظر اللحظة التي تجمعنا وتضمنا، وطول المسافة إلى بلوغها دهراً!
بقي من الزمن ساعات!!!
هل تُصدِّقين أنني أرتعش؟!!!
مغامرة لأن أبعث إليك هذه الرسالة في شكل مفاجأة قد تصلك قبلي، أو معي ونقرأها سوياً.
أنا مجنون ((عالية))!
* * *
* سقطت صورة الرسالة من بين أصابعه مواكبة لدمعة دافئة انزلقت من تحت جفنيه، وكأن كل شيء فيه قد أصيب بالبكم!
* * *
ـ 4 ـ
المشكلة أمام ((عالية)) على امتداد حياتها: أنها لا تستطيع منع نفسها من السير في الطريق حتى نهايته!
والآن هل هذه نهاية الطريق مع ((علاء))؟!
أم تُراها: بداية طريق جديد غامض؟!
أو لعله هو الطريق تواصل الركض فيه بحثاً عن: الأمان، والحب.
إذا صدّها جدار عالٍ، لا تستطيع أن تحمي رأسها من الاصطدام به فلا رأسها يلين، ولا الحائط يتكسّر!
هذا هو أسلوبها في الحياة وقد اصطدمت بالعديد من الجُدُر، وتألمت كثيراً، وبقي رأسها صلباً يقاوم ويعاود الاصطدام، والحائط لم يتهدّم بعد!
لعل الشيء الوحيد الجميل الذي كان ينتشلها من هذا الاصطدام، وضَرْب رأسها العنيد في الجدار الصلب هو (الحلم) وتقول دائماً:
ـ جميل أن يمتلك الإنسان حلماً، أو يكون له حلم بشفتين تبتسمان، وبذارعين مفتوحتان للاحتواء بحنان، والفهم بعمق.
ما زالت - وهي في مطالع الأربعينات - تحلم بأرض: طينها خصب، وهواؤها لم تلوثه ذرّات القنابل وأشعة الكيماويات لتغرس في باطن الأرض: بذرة صدق حتى تنبت البذرة ألف ثمرة عشق، وإبداع، وفرح وحتى تكون هي قد بلغت ما أرادته من إشباع، و.. فرح، فرح، فرح.
الآن هي لا ترغب أن تخسر ((علاء)) للأبد فهو رجل له ميزة العطف، والحنان والنقاء.
ليته يستمر في مراسلتها وتظل المشاعر الإنسانية الرحبة تؤمها، وتتسع، وتزداد شمولاً مع مرور الوقت!
ولكن هل يقبل هو: الرجل، العاشق، الذريح؟!
تحاول ((عالية)) أن تكتب، ولكن ليس لـ ((علاء))، قررت أن لا تكتب له، ولا ترد على رسائله، ولو استمر يكتب لها!
لماذا؟!
لو كتبت إليه فلا بد أن تخالف رسائلها تماماً عن إيقاع، ودفق الرسائل الأولى التي كتبتها له قبل لقاء باريس.
إنها تبلور تركيبة متّسقة تماماً مع تكوينها الشخصي: العقل في مواجهة الوجدان دائماً يتبارزان وتتمنى لو أن عقلها ووجدانها إتّحدا ولو لمرة واحدة... لعلها حينذاك ترتاح!
ـ هل أحبك أم لا أحبك؟!: نفس التردد والحيرة في ذاتها في عواطفها، وأحياناً في عقلها الذي تنيبه عن قلبها في عقد قران الحب!
فهل هذا عيب الزمان، أم عيبها هي؟!
أرادت - في هذا الفراغ النفسي، وتفريغ نفسها من علاء - أن تنشغل بالكتابة به تكتب، قصة، رواية، شعراً، ولكنها تخاف على ما تكتبه كإبداع تحس به يجرحها وتقدُّه من بين أضلعها: أن يتعرض للتيارات الرجعية التي أخذت تسيطر على ساحة الفكر والنشر وما ستكتبه لن يكون مجرد إبداع أدبي، بل يُشكل ترمومتر إختبار لدرجة حرارة تقلُّبنا أو تقبلنا للأفكار المتطورة!
إنها لا تستطيع كبح مشاعر الشجن (الرومانسي) التي تلفحها كشمس ظهيرة صيف فالكلمات تخرج من سريرة خصوصيتها في قلب صومعتها هذه / شقتها الأنيقة لتصبح مشاعة، تُقلب الأصابع صفحاتها في استهتار - أو تتلصص الأعين على خصوصية مشاعرها وأفكارها وتصبح وليمة شهية على طاولة عشاء غيمتهم يملكون - كقراء - حتى تقطيع كل أجرائها بالسكين، ويغرسون شوكة الطعام ((الستنلستيل)) مرة في كبدها، ومرة في قلبها، ومرة ثالثة في داخل المخ ثم يقومون - بكرم بالغ - في دعوة بعضهم البعض لينهلوا من الوليمة ويزيدون منها ما يشاءون!
قرأت مرة - للكاتبة جورج صائد - تشكو من قسوة قرائها عليها عندما تكتب لهم عن العاطفة و((عالية)) لا تريد أن تقف في هذا الصف، ولكنها تعشق هذا اللون من التعبير، أو البوح، أو التصوير بالكلمة وكثيراً ما تتساءل:
ـ ما هي المتعة في أن نقسو على أنفسنا ولماذا نفعل ذلك بأنفسنا، ما دمنا لسنا من تجّار الكلمة؟!
لا بد أن يكون الثمن الذي يدفعه الكتَّاب الشرفاء لتعرية وجه الحقيقة: فادحاً.
فهل ما زلنا في عصر ضحايا الزمن، وقرابين الكفار، إننا - حسب تعبير العصر - صرنا ممن يشترون ((الوهم))، ويدفعون الثمن من نزف عروقهم؟!
هذه الهواجس بشراستها، تهاجم ((عالية)) أحياناً وأحياناً تحسب أنها تبالغ في السعي نحو الكمال والتكامل.
* * *
* شعرت في هذه اللحظة - من خلال شرودها وخواطرها - بشوق إلى رسائل ((علاء)) خاصة تلك التي كان يحدثها فيها عن الحياة والأحياء، وعن ((ملامح)) هذا العصر المادي التي أوغلت بجفافها في عواطف الناس.
قامت إلى الدُّرْج الذي تحتفظ فيه برسائله، وحطّت نظراتها - في البدء - على هذه الرسالة:
* (لا تلومي طعنة الخنجر، و تلك اليد التي لا تعرف سوى الطعن في الظهر!
هذه اليد ليست أكثر من أداة كالخنجر تماماً لا عقل لها ولا عاطفة فيها، إنما هم الذين يحركون اليد، ويغرزون الخنجر الذين يعيشون في ظلام نفوسهم، وأحقادهم، وغيرتهم مًنْ تفوُّق الآخرين!
إنه عصر التوجع والوجع ونحن فيه: النزيف المتواصل.
وهناك ((الأهم)) مما سأهمس به في أذنك: بوحاً، وتوجعّاً، دون أن أشعر بحرج، وأنت ستفعلين ذلك، ونحن - معاً - تتوالد كبرياؤنا وتشمخ فقد بتنا هذا (الإنسان) المتّحد في إثنين.
إن ما بيننا - أيتها الأغلى - تؤصّله (القيمة) وقد بدأت على درب (الصداقة) ذات القيمة، وانجلت، ولمعت، وسطعت (حبّاً) فتعمّقت (القيمة)، حتى أنني في لحظة خلوتي مع نفسي، أتساءل:
ـ كيف أضعْتُك كل تلك السنوات، بينما نحن توأما روح، وفكر، ونفس نداءات روحينا لم تنقطع فأين كنتِ أنت، وأين كنت أنا؟!!
حتى في ظروفك اليوم، وما يعترضك من محن، أحس أنني أعايش ألمك، وأنني أتلقى معك تلك السهام التي يُسددها (المُظْلمون) إلى أحلامك، وأمانيك أحلامي وأمانيّ في نفس الوقت.
نحن إنسان واحد في النزف، وفي السهام المسددة إليه، وفي التوجّع، وفي الدمعة، وفي الحلم، وفي الأمنية، وفي الابتسامة وحتى في سوء الحظ!
أتصوّر أن لنا - معاً - عينين فقط، وشفتين، ويدين وقلباً واحداً، وعقلاً موحّداً، وخفقة متحدّة.
أنت لا تتخيّلي حجم سعادتي عندما أسمع صوتك عندما أطلبك، فيرد هاتفك ويجيبني صوتك بـ ((آلو)) مميّزة لك.
لا أقدر أن أناقش الآن (نظريتك) عن الخوف حتى أعرف: من هم الخائفون؟! ولكني أفلسف الخوف من عدة جوانب، وهناك جانب يتحّد فيه الرجال والنساء على الخوف سواء خوف بعضهم على البعض الآخر، إذا فسد الحب، أو شُوّهت عطاءاته أو خوف أحدهم على الآخر، إذا تعمّق الحب، وتجذّر،: قناعة، وأماناً، وراحة نفسية.
ولا أحسب أن الخوف يصمد محوراً إذا ما ساء الحب بين إثنين، بقدر ما يبقى ((الخوف))، من المجهول يُهدد صدق الحب بين إثنين!
ولكنّ (الخوف) الذي يستقطب (الرجال) فأحسبه يتخذ فعل القهر، والعجز، والغمط، والإحباط، والظلم وهذا هو الخوق القاتل!
جنوني يتحدى جنونك، ليتّفقا معاً على أسوار الخوف، والقفز من فوقها.
كلانا يحيا رغد الأمان الذي يمنحه كل واحد منا للآخر.
كلنا يعاني مُرَّ الحياة من الطعنات، والغمط، والظلم لكننا - معاً - نجتاز المرارة، ونتفوق على الألم، ونضاعف الفرح!
هات يدك / للأبد حبك: ميراثي الأغنى من ثرواتي الكبرى في الدنيا.
حبك: شمس تشرق في قلبي تنثر هذا الدفء، وتزرعني فرحة.
عيناك: دنياي الضوئية التي أرى بها في حلكة أحقاد (المُظْلمين).
عيناي: بحارك حين هدوء الموج فارحلي - حبيبتي - من عيني إلى عيني!!
ألاّ تعلمين - يا عالية - إنك صرت: أنانية حبي، ونرجسية خفقي، وخصوصية عمري، وابتكار فكرتي ورؤيتي.
أسئلتك أشعلت تفكيري، ولكني وجدتك فيها كمن يناضل: غاضبة، ثائرة، وقد يصل غضبك عندي!
حب الحرية، وحب المحبوب لا تعارُض بينهما، منْ قال هذا؟!
الحب: حرية تعبير واضح، ومعلن عن أصدق خفقة، وعن أشرف فكرة إبتداء من حب المحبوب، وتجذّراً وانتماء لحب الوطن.
والمحبوب: يتحوّل من مجرد شخص، إلى: قيمة، وإلى شعور أصدق وأنقى وأطهر وإلى تفكير، وفكرة ارتقائية وإلى حياة لا نطيق عنها بديلاً وإلى وطن، نشعر بالغربة كلما فارقناه، أو فارقنا!
ولكنّ هذا العصر المادي الذي صبغ مشاعر الناس، وخلخلها، وبعثرها، فرض التناسي، والنسيان، وغياب الوفاء، والحجود فلم يعد الالتفات العاطفي إلى من نحبهم - في الغالب - إلاّ بعد موتهم!
صحيح. أن الحب كائن حي، ولكن ((الموت)) صار هو الذي (يقيَّم) الحياة والأحياء يأتي ((الموت)) هو ((الإنصاف)) المتأخر في الحياة!
* * *
* همست عالية مع آخر كلمة في هذه الرسالة من علاء:
ـ ياه - ((علاء)) هل تحبني بكل هذا العمق والتجذُّر؟! إذن لماذا تصرفت يوم القطار بذلك الغضب الأحمق، ودفعتني أن أفعل - كرد فعل - أقسى مما فعلت؟!
صارت كلمات ((علاء)) ترويها في جفاف أيامها التي اختارت فيها الوحدة مع نفسها خير من: ((جليس السوء))، ومن المجتمع الذي حارب إصرارها على التواجد، والعمل، والإبداع وأراد أن تتقوقع في صومعتها هذه.
عادتها أصداء صوت ((علاء))، في غروب شمس ذلك اليوم اليتيم، وهما يتجوّلان في غابة باريس، متشبّثة يدها بيده وهو يردد على مسامعها شعراً حفظه:
-((الراحلون على السفينة يجمعون ظلالهم
فيتوه كل الناس في نظراتي!
البحر يبكي كلما عَبَرت بنا
نسمات شوق حائر الزفرات
يا نورس الشطِّ البعيد أحِبَّتي
هجروا حياة لم تكن كحياتي))!
يومها احتدت معه قليلاً، فسألته عاتبة:
ـ لماذا تقول لي شعراً عن الرحيل، والبكاء ونحن نلتقي؟!
* قال: ألام نتحدث عن الخوف؟!
ـ قالت: ولماذا نخاف الآن وممَّ نخاف؟!
* قال: أخاف من سوء فهم عواطفنا لعواطفنا قاتلٌ - يا حبيبتي - أن يسوء الفهم في عواطفنا، أكثر من سوء فهم العقل!!
* * *
* أعادت ((عالية)) رسائل ((علاء)) إلى مغلفها، وكأنها أدخلت معها أصداء صوته حبستها داخل المغلف لئلا تنبعث مجدداً بعد قليل فهي تريد الآن أن تسترخي، وتتأمل وليتها تنام!
وفي إغماضة عينيها لاح لها وجه ((علاء))، وكأنه يعاقبها على ما فعلته به في باريس، وعلى إهمالها المتعمد لرسائله إليها بعد السفر وكأن وجهه يخايلها ويرفض الانسحاب من تحت جفنيها، وأصداء صوته:
ـ لقد أردت أن أغادر قلبك بهواك فهل تريدين مغادرة قلبي بهواي؟!
الذي كان ((بدءاً)) - يا حبيبتي - من الصعب أن يكون ((انتهاءً)).
البدء بيننا: كان عقلاً، وإعجاباً بإبداع وهو بدء لن يغادرني أبداً)!
ها هي ((عالية)) تستسلم لطريق ((اللا عودة)) مع علاء!!
* * *
ـ 5 ـ
* أعلن ((علاء)) لحبيبته عن ((موته)) الأخير فكيف - إذن يعلن عن: الموت في وجه الحياة؟!
من يمنح الآخرين: الرؤية، والرؤى في زمن فساد الحلم، والأقنعة المزركشة التي تخفي حقيقة الوجوه؟!
لقد تعرّض ((علاء)) من حبيبته، بدعم وتحريض من ((صديقه الحميم)) حامد إلى: انقلاب ناجح دمّر القلب، وضخَّم العقل وردّد المقولة الشعرية كأنه يخاطب سلطانته: (وعليك أنت أحاذر)!
ولكن حتى الحذر لم يمنع هذا المذر الآن في عمق نفسه.
وبهذا الحذر أراد ((علاء)) أن يعلن على ((عالية)): التصاعد الآخر فكتب لها يقول:
(بعد الانقلاب الناجح، وبهذا التصاعد أُعلن عليك رغبتي في الصداقة فهل نتفق؟!
وهل تعتقدين في نجاح ((صداقة)) تأتي بعد الحب، أو على الأصح: بديلة للحب؟!
ما زلت أؤمن أن الصداقة قد تؤدي إلى حب، والعكس خطأ جسيم وغير منطقي!
ولكننا حللنا في هذا العصر الذي أسميه: عصر تدمير القوى العظمى بالقوى الأخرى!
كانت القوى العظمى للإنسان في عصور خلت، تتشكّل من: الحب، والضمير، والمنطق، والثقافة، أو الوعي، والعدل.
وتحولّت هذه القوى العظمى - بعد الانقلابات المتعددة - إلى: إدّعاء من قوى أخرى بديلة، هي من أدوات هذا العصر المادي، الحاقد، المصلحي، المباشر في أخذ ما يرغب!
أبوح لك إذن عن: أنثى شكّلت في عمري: أول حرب مستقبل (إن كان لعمري مستقبل)!!
هذه الأنثى: بًدًتْ سعيدة في غبار الحرب.
وقد أصبحتُ طفلها الآخر لأن الحرب تحولّت في صالحها!
لديها القدرة - ما زالت - على: اعتقال (اللحظة) الهاربة منها برغم أن خيالي صار من أملاكها، وتخيّلها صار من امتلاءاتي وفيضي!!
وما زالت تُعلن على المستقبل في الوقت الذي تطلب فيه هدنة وأقول لها مبتسماً، وكفي يغطي مساحة قلبي:
* هل الحب: حرب أم لا بد أن يكون هو: السلام؟!
* هل نفكر من أجل أن نحارب أم أننا نحارب، لأننا لم نعد نفكر؟!
نحن نطلب (الهدنة) الآن في الحب، وفي الحرب!
هذه الأنثى هي: إنت!
ويجن السؤال حين تُغطّي سحابة عابرة وجه القمر في منتصف ليل.
كأن هذه السحابة تصادر صوتك إليَّ.
كالسيف يتحوّل سؤالي عنك أبداً حتى تذرع الشمس هذا الكون، فأجدك، وأبحث عن نفسي عندك)!!
* * *
* تعب ((علاء)) من التشرد بحثاً عنها، أو استعادتها.
لقد فقد فرحه الطفولي / فرح القلب وتضخم ذلك الخوف الذي كان يتوجسه أمامها وفي حواراتهما معاً.
وتحقق خوفه حين ارتطم رأسه، وشُجَّ قلب فرحه!
يرى قلبه الآن مثل: قربة ماء جافة وسط صحراء قاحلة.
هكذا صار يستخدم اصطلاحات البنوك، والفلوس، والماديات: ((يُجبِّرها))!
لكن ((عالية)) - بكل ما حدث تبقى قدره / حبيبته التي اختصرت كل نساء العالم، وكل أشواق القلوب في قلبه، وكل دفء الرفقة في الحياة فيها وحدها!
صار من الصعب أن تقتلع جذور شجرتها من بين أضلعه، ومن تلافيف عقله.
وهو شديد القناعة أن الأيام ستؤكد لها: أن رجلاً قبله لم يحبها كما أحبها هو... ولن يكون هناك رجل بعده سيحبها، مثلما هي عنده: طريق إحساسه بالوجود.
لم يتوقع أن يتحول ((الحب المضاع)) إلى ضرب من: التحدّي.
حاول ((علاء)) أن يختبر شيئاً في ((عالية))، ظن أنه ما زال باقياً، لم يضع مع كل ما أضاعاه... لكنه اكتشف: أنه ضاع هو الآخر!
في زمن الحب الحقيقي لم تضطره ((عالية)) إلى تحدّيها، فقد كانت تمنح بحنان.
وهي تعرف الآن: أن قيمته ليست محددة في تحدي!
* * *
* لم يتعب ((علاء)) بل واصل نداءاته عليها.
رسائله لم تنقطع عنها وهي مستغرقة في الصمت، لا تردّ عليه بإصراره:
* (هل تذكرين سكوتك المفاجئ الذي كنتِ تمارسينه معي ونحن نتحدث عبر الهاتف وأقول لك: السكوت عندك يتحول إلى سؤال، فتضحكين بعد الصمت وتوافقينني؟!
الآن سكوتك عبر الهاتف، والورق بل إنه صادًرً عني: النسمة، والهواء، والشمس، والضوء، والعشب، والمطر.
ورغم كل هذا الصمت، وكل ما حدث بيننا فإني أشعر أن المسافة التي كانت بيني وبينك تطول وتقصر صارت: شبراً!!
صار زمنك هو مساحة نبضي ولست أدري: هل تأتين أنت، أم آتي أنا أم يندفع كل واحد منا نحو الآخر، ليطرد من أحضانه: الغربة، ويسكب بدلاً عنها: الحنان، والأمان، والوطن؟!
ما زال (صوتك) هو مداراتي كلما ((تخيّلته)). ينبلج فجر جديد.
صوتك: له ضحكة خاصة بي، وله نظرة، وله دمعة.
صوتك: له وجه بحجم الفرح، وله شًعْر بعمق الليل، وله فم بجاذبية البحر والموج، وأسرارهما، وله صفة ((الوطن))، حين يسوق الريح أمامه!!
هذه رسائلي تصلك في شكل (الوحدة العربية): مختلفة التاريخ، منفصلة الظروف، موحَّدة الخط والورق!!
ما زال مذاقك يختصر لي مذاق كل نساء العالم.
وما زلتُ: أنا هذا الفارس الذي عفّرته رمال الجزيرة العربية الأشرف، وأنت نخلة تطرح ثمرها في وجداني: غذاء له.
وما زلت ((أتمناك)): ممزوجة بخفقة قلبي فقد حلمت طويلاً بأنثى فارسة ناضجة ومثقفة مشاكسة وطفلة دافئة وعميقة!!
لكني لم أعتقد أن في هذه الأنثى - بكل صفاتها هذه - القاسية، العابثة بمشاعر رجل تحس تماماً أنه يعشقها!!
فهل كنت قد عرفتك حقاً؟!
لا أكذبك وقفت أمام عدة نساء ممن يُزورِّن عواطفهن، ويطْعًنَّ أنوثتهن فكأنني كنت أرقص على اللهب وكنت أريد أن أكون الحريق المقدس في أعماق من تحب الحب في شخصي!
أردتك تلك الأنثى الرقيقة، الرفيقة، المفعمة بالحنان آخذها، وتأخذني تتأبط ذراعي ونركض إلى دروب الدنيا نتسكع في الشوارع، كما فعلنا في الليلة الأولى لنا معاً في باريس / الحي اللاتيني نكركر الضحكة من القلب ننسى الوقت، ونمتلك الزمان وأدواته نستلقي على العشب، كما تصرفنا على عشب الغابة نتشاقى كطفلين، كعاشقين متّحدين نحب الحياة فينا، ويقول عنّا الصحاب: إننا نتشاقى، ((نتشًيْطن))، كما وصف شاعر لبناني مهجري فقال:
((وطن النجوم أنا هنا
حدّق أتعرف من أنا؟
ألمحت في الماضي فتى غريراً، أرْعنا
يتسلق الأشجار
لا ضجراً يُحس، ولا وَنَى
ولكم تشيْطن كي يقول الناس عنه: تشَيْطنا))
ما زالت فكرتك التي طرحتها كاقتراح قبل التقائنا: في ذاكرتي فهل تذكرين؟!
قلت لي مرة بالهاتف، في دفء الرسائل المتبادلة بيننا، وكأنك تستفّزني أو تختبرني:
ـ ما رأيك لو فعلنا مثل ((ميْ وجبران)) لا نتقابل، لا نلتقي وجهاً لوجه، بل نغذي وننمي هذا الحب بالرسائل الحميمة بيننا؟!
وجلست أفكر في طبيعة زمن ((ميْ وجبران))، وأفكر في طبيعة زماننا زمن ((عالية وعلاء))!!
ما رأيك في رواية عنوانها: ((عالية وعلاء))؟!
ولماذا واو العطف لماذا لا نمزج الإسمين ليكونا واحداً، طالما أنك رفضت هذا المزج بيننا؟!
هل تعرفين ماذا أريد الآن، الآن في هذه اللحظة؟!
((نفسَكْ في إيه))؟! كما يقولون للمحكوم عليه بالإعدام؟!
أتمنى لو أجد الآن كفك في حضن كفِّي أقبَّل كفَّك بمعنى: الاحترام والتقدير وأقبِّل بطن كفك بمعنى: العشق والوله!
وتجنُّ الأسئلة بصدري حين تغطي سحابة عابرة ضمن الأسئلة عنك: وجه القمر / وجهك كأنّ هذه السحابة قد صارت صوتك!
صرتُ أعود إلى الليل كل مساء أسأله عنك ((أهوجس)) حتى الاقتراب من حدود الجنون.
وصار الليل هو أصدائي التي تُردد نداءاتي عليك هو سفري المؤقت إليك.
وفي هذا المساء كنت أغني بصوت خافت موح، مردداً أغنية ((محمد عبد الوهاب)) القديمة جداً... والذكرى تتقهقر، تتقهقر بي، وتستلقي بين ذراعي:
ـ ((رُدّت الروح إلى المُضنى معك
أحسن الأيام: يوم أرجعك))!
* * *
* كأن ((علاء)) يرتطم في إحساسه بالغربة في حياته، وبرحيل ((عالية)) عنه.
الأيام تُحركه كأنها الأمواج: تتقاذفه!
بَعُد عنه الشط، وهو واقف في مكانه، ينتظر من يقول له: هذا هو الشط إسبح نحوه، واستقبل أشعة شمس جديدة!
الأيام تتداوله، وهو لم يعد يستطع أن يُحرك الأيام كأن َّ تطلعاته قد تعطلت، وأفكاره تقلصت بتأثير خطواته المحدودة!
تضاءلت لمحاته الذهنية حتى صارت الرؤية لديه ذات سياج:
رؤية محدودة لا تتخطى ذلك السياج، لا تتمرد عليه!!
عندما صارت تسنح له فرصة للضحك، كان يتنهد بعدها، ويقول: لقد ضحكتُ على الحياة في لحظة غفلة منها عني!
كان يحاول زخرفة ((واجهة)) حياته لكنه يتساءل: ترى... بماذا أزخرفها؟!
ـ بالبسمة الصفراء بالنفاق بالخداع بمزيد من اللا مبالاة، والسلبية؟!
والعجز ليس ادّعاء، لكي يستهلكه الإنسان مرحلياً إنه أقصى خًوًر، وضعف يقضي على الإرادة، والقدرة!
إن ((الإنسان)) قد يدّعي أشياء كثيرة، منها: ادّعاء الفشل لكنّ إعلان العجز، هو: نهاية للطموح، ولتوليد معاني الحياة!
إنه يدلج في دروب العجز: مبتعداً كثيراً ينسى متعة التفكير، ليعود إلى صرخات داخله!
يقظة الإحساس عنده: لا تُنجيه من خطوات العزلة، ولا من معاناة الغربة، وهو بعد في مكانه لا يتحرك وفي ذهنه عبارة ((شائطة)) بين تلافيف عقله هي: ((لا تحذّرني من شيء وإنما قل لي: ما الذي أستطيع أن أفعله))؟!!
الضجيج الذي يلفُّه: طفا على حفافي نفسه، ومن أعماقه، وكأنه يفلسف غربته!
يحاور الرحيل، وجدواه، وضرورته يلح عليه صارخاً: لكي نلحق بالآخرين، لا بد أن نتغرب لكي نتساوى بالآخرين، لا بد أن نعاني من التجربة، وطول الخطوة!
ـ ((الفكرة لم تكن سوى حقيقة والحقيقة هي: الغربة))!
لقد توصَّل إلى اقتناع أكيد: بأن الغربة ضوء يكشف عن الأشياء!
الغربة: مدلولها هذا الحس وأسباب تُكثِّفُ الحس بالانتماء!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1939  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 167 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.