شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفصل الثالث: العودة المفاجئة!
هل عادت ((سارة)) - فجأة - إلى وجود ((فارس))؟!
هل هي التي أعادت نفسها إليه: مشتاقة، أم مشاكسة.. أم مجرد صدفة وضعتها صديقتها ((ليلى)) أمامها؟!
كأنّ صديقتها ((ليلى)).. هي التي ذكرّتها به كانا في بدء مساء من أمسية ((جدة)): الرطوبة تتصاعد مع حلول شهر يوليه، وبرج السرطان في منتصفه.. و ((سارة)) من برج النمر الصيني.
سألتها ليلى: ألا ترغبين في الذهاب إلى سهرة صديقتنا ((وفاء))؟!
ـ قالت سارة: عندي ملل... أريد أن أسافر.
ستسافرين بعد أيام.. دعي صديقاتك يجلسن معك، فأنت كنت مسافرة وقتاً طويلاً وتدّعين الآن الملل؟!
ـ فكرة... سنذهب سوياً إلى سهرة وفاء.
ما هي أخبار ((فارس))؟!
ـ ((أيش ذكّرك فيه هالحين... أوه، سنوات مضت لم نتحدث)).
ما رأيك لو أتلفن له؟!
ـ تلفني... وأنا مالي.
جرَّبت ((ليلى)) الاتصال بهاتف ((فارس)).
سرى صوته في سمعها هادئاً كعادته.
بدايات الكلام.. تداولتها معه، وبدت متلجلجة تفتش عن موضوع تفتحه لتواصل معه الحوار، سألته عن رأي كتبه قبل أيام أحد الكُتَّاب الذين حققوا حضوراً متميزاً ذات يوم من خلال إشراقة العبارة.
عباراته التي كان يجيب بها: مختصرة، أسقط في يد ((ليلى)).
سمعها تجادل صوتاً آخر معها في الغرفة، قالت له:
صديقتي تسأل عنك!
قال: وهل أعرفها؟!
ـ قالت: ألا يذكّرك حرف (S) بإنسانة ما؟!
غاب صوته عن سمعها قليلاً.. حتى جاءها وكأنه يمتح هذا الصوت من أعماق بئر:
قال: ياه... أما زالت تتذكر.... ولماذا تحرمني من صوتها؟!
بقيت سماعة الهاتف على أذنه لحظات، كأن (S) مترددة، أو تشعره أن صوتها في هذه اللحظات يقطع مسافات السنين التي قاطعته فيها ليصل إلى سمعه.
جاءه صوتها أخيراً بنفس عبارتها القديمة التي بدأت بها وصال انقطاعها الأول.. قالت له:
ـ إنت ما مُتْ؟!
فاض الشجن من صوته وهو يرد على سؤالها: وها أنذا أعود هذه اللحظة للحياة من جديد.
وقف الصمت ثوان قليلة بين الصوتين، حتى سألها بشغف:
ـ أين كنت كل هذه القطيعة؟!
قالت بنصف ضحكة: أبداً... هنا وهناك.
ـ قال: كان من المريح أن تخبريني بقرار قطيعتك.. حتى لا يطول انتظاري لعودتك أكثر من أربعة أعوام!
قالت: تذكرتك أكثر من مرة.. فكرت أن أطلبك، لكنك غيّرت رقم تليفونك.
ـ سألها: وكيف وجدت الرقم الآن؟!
قالت بنصف الضحكة: لمّا بغيت.... المهم، إيش أخبارك، عامل إيه؟!
ـ قال: عايش كبندول الساعة يمنياً ويساراً.
قالت: على فكرة.. أنا ما فكّرت أتصل بك، صديقتي كان عندها سؤال لك.
ـ قال: وطرحت السؤال... فهل أنهي المكالمة؟!
قالت: لما أبغى أنا!
ـ قال ضاحكاً: لم تتغيري... ما زلت في استفزازاتك القديمة.
قالت: وحشتني رسائلك إليّ.. تذكر يوم كنت تكتب لي في الصباح رسالة، وبعد الظهر رسالة، وفي المساء رسالة؟!... أكتب لي من فضلك، والاّ ما هو من فضلك.. أنا آمرك أن تكتب لي، وتحبني في الرسالة مثل قبل سنوات!
ـ قال: مجنونة... هل تصدقيني وأنا أقول لك: إن عودة صوتك إلى سمعي أعادت إلى نبضي حيويته، وإلى خفقي شبابه وقفزاته، وإلى قلبي ذلك الدفء الذي طالما غلفه في تلك الأيام التي أحييتني فيها باحتوائك، وبتواصلك في ليلي ونهاري؟!
سأكتب لك الليلة.. كلميني مساء الغد، ويمكن تلاقي تفاصيل أكثر!
* * *
لم تنتظر ((سارة)) أن يحل مساء اليوم التالي.. فقد جاء تليفونها لفارس في موعد الغروب، وصوتها يدفئ مسمعه:
ـ هل كتبت؟!
قال ضاحكاً: وعليكم السلام، مساء الحب.
ـ قالت: أرجوك... كتبت، والاّ لأ؟!
قال: دعيني أمارس معك بعض استفزازاتك لي... لا لم أكتب.
ـ قالت: إذن.. مع السلامة حتى تكتب.
قال: افتحي خط فاكسك في بدء المساء... ألم تسمعي عن: الحب بالفاكس؟!
ـ قالت: ولو..... في عصر ((تفجير)) المعلومات.
قال: المعلومات والقنابل معاً... إنه عصر تفجير متنوع، وأظن أن الذين يفجرون المعلومات هم وراء شحن ودفع وتحريض الذين يفجرون القنابل.
ـ قالت: و ((صجُّونا)) بالكلام عن السلام، ومباحثات السلام مع إسرائيل... في الوقت الذي أحسب فيه أن كل إنسان عربي صار يبحث عن سلام مع نفسه.. أحياناً يضطر الواحد منا أن يكون سطحياً حتى لا يتعب!
اسمع يا راحتي النفسية.. أكتب لي من فضلك قبل ما أسافر..... في الليل.
وجد نفسه في اندفاعتها القديمة إلى ((أوامر)) سارة له، وتساءل:
ـ هل ما زال يحبها... أم أن عودتها المفاجئة بعثت حبه القديم لها من جديد؟!
ومَنْ عرفهم بعدها.. هل كانوا مجرد محطات؟!
وهي/ سارة... ماذا تشكل في نفسه حتى الآن؟!
أسئلة مدببة تسددت إلى صميم نفسه من شروده وراء صوتها بعد إنهاء المحادثة الهاتفية بينهما... وكأنه بقي يعاني من التردّد خوفاً من ((مزاجيتها)) التي لا تستقر على حال!
بقي ساعة يفكر... حتى تسللت أصابع يده إلى القلم.. وأخذ يكتب لها:
يا امرأة الزحام الذي يُضيِّع صوتي إليها:
والآن..... في عمق هذا الزحام: ماذا أنتظر؟!
هل أنتظر عصا الساحرة في حكاية ((سندريلا)).. وقد أضعت عيوني لكثرة ما فتَّشت عن ((مقاس)) حذاءك أو خطوتك.. تلك التي تواجدت في الهروب؟!
هل أنتظر عودة الإيقاعات المعبّرة... وأنا أقبع داخل أذن ((بيتهوفن)) الصمّاء؟!
أم تراني أنتظر ما صوَّره شاعر قال: ((أنتظر مطر التاريخ في توهج المسافة))؟!
أنا لا يعنيني التاريخ... لا تعنيني المسافة، بقدر ما أهتم بالمطر، وأبحث عن التوهج.
أم أنتظر ((أرسطو)) ليعطيني تأكيداً بأن أسنان المرأة أقلّ من أسنان الرجل... هو الذي نسي أن يتفحص فم زوجته الأولى، وأسنان زوجته الثانية.. وعاش عصراً قاعداً على ألوان من الأوهام والظلال..... مثلي؟!
كل الحقيقة في حياته كانت: تعاسة بالمرأة... لأنه لم يعرف عدد أسنانها!!
آه يا..... أنتِ: ماذا أصف وأكتب؟!
المساء: جمجمة آدمي.. مرسوم عليها: الأنف، والشفة، والأذنين... بدون عينين!
هكذا تصبح الأشياء: غالبة، واضحة..... ثم: تافهة!
وهكذا وقفت في منتصف هذا المساء، أنادي على ((عروس الخرافة))، عليك... بمسمع منك!
أود أن أكتب.. أن أغازل...... أغازلك أنت.. أستفزّك.. أهامسك.
أو أن أغازل ((عروس الخرافة)).. أستفزها.. أصفعها.. أقبِّلها!
أرغب - الآن - أن يصدر عني تصرف.. قد لا يُقرّه الآخرون.
لأعترف... لا بد من الاعتراف في هذا الزمن الرديء: أن الناس سيزرعون احتجاجاتهم في حدقتيْ عينيّ، ويديرون ظهورهم: مقهقهين.. آخذين بمبدأ، أو قاعدة: لا شيء يهم!
فما هو الشيء المتبقّي.... الذي صار يهم؟!
أرغب أن يصدر عني تصرف يُزيّن وجهك - أنت حبة اللؤلؤ/ الأغلى.
لأعترف: أن الحب هو... جنوني، وسيفي!
شراييني تيبّست... وما زلت منقوعاً تحت النجوم: أنتظر.
ولكن.... أنتظر ماذا؟!
أنتظرك أنت... من عهد: إرم ذات العماد، من أصداء أشعار مجنون ليلى!!
أبحث عن التوهج.. أتابع سحابة لا تمطر، تفترش ضياء القمر والنجوم.. فلا التوهج يتفاعل، ولا الغيث ينسكب.
لكني مجلود بأفكاري.. متمنطق بالعالم حول نفسه.
و... ماذا عن: خوف المرأة من الرجل، وتمردها عليه؟!
و... ماذا عن: انجذاب الرجل إلى المرأة، ثم..... قسوته عليها؟!
و... ماذا عن: ذلك التوحُّد بين المرأة والرجل الذي انحصر - فقط - في.... اللحظة؟!
* * *
هل ترينني - يا حبة اللؤلؤ - مغذٍّ في التهويم حتى التيبُّس؟!
في انتظار الانقباض النفسي - سمة هذا العصر! - تختفي العيون من وجهها.
ولماذا أكتب لك...... حتى الانقباض؟!
أكبر من الارتياح إليك وبك... أعمق من توقع ((فهمك)) لي.
في انتظار ((العيون)) عيناك: أجمل ما يشدني إلى أنثى... تتوقف ريشة الرسام، ويجف حبر الشاعر، ويبحّ صوت الشادي.
تزفُّنا أشواقنا إلى الحب والفرح.. ثم ما تلبث عقارب الساعة أن تنسحب إلى مكان مليء بالاختناق، كزجاجة طافحة بالرمل!
وليت الناس يتوقفون يوماً واحداً عن الضحك المصطنع، أو الابتسامة الصفراء... لأنه ضحك فاسد، مليء بالأصداف والصدأ!
حتى العشق: بارد... لأنه تحول عند الكثير إلى حافز، يخضع للمتناقضات في حياة إنسان هذا الزمان... ولأنه عشق ((معلب))، نفتحه في الليل إذا ما ترددت الأصداء المتناقضة في داخل النفس وخارجها، ونقفل عليه في النهار.. لنجري وراء الوراء، ذلك الذي يحدد: مستوى معيشتنا، ونسبة الترف في استخداماتنا المالية.. بينما يزداد في كل يوم تفريغ الوجدان من العواطف الصادقة، وتجفُّ العقول من فكرة الخير والمحبة للناس!!
ولست مبالغاً.. ولكني متأثر بواقع العصر القاسي.
هل هي التعاسة في دروب المدينة كلها... أم هو الحزن في دهاليز العبر))؟!
هكذا جعل مني صديقي: بطلاً لرواية ((غابريال ماركيز)): الحب في زمن الكوليرا!!
أعترف لك: صرت في خصام مع نفسي بعد قلبي.. والكثير في هذا الزمن: صار يزيّف صدق الخفقة، ويشرخ التوحد باسترخاء لهفته!!
صرتُ أردد في وحدتي وتوحُّدي مع الحزن النبيل: أسىً عظيم حين يشعر الإنسان أنه وحده.. قلبه يتيم، وأيامه باردة!
كان الأسى الأعظم - يا حبة اللؤلؤ - أن تخترقني: مسمارية ذلك الموّال:
ـ ((قد كنتُ أحلم قبل اليوم في سِنَةٍ.. فصرتُ أحلم منذ اليوم: يقظانا))!
تُرى... هل أقدر أن أحلم بغيرك...أنت الأنثى/ الخرافة؟!
وهل أحلم: أن لا تحلم بي امرأة غيرك.... لأنني لا أريد سواك؟!
أم أحلم: بأنثى شاسعة من عصر ((قيس وليلى)).. تقتحم، وتشع في صدري كالصباح الجديد.. فتُبلسم الجروح، وتذيب.... الماضي؟!
كم مرة نحلم - يا سيدتي - فيستمر الحلم: حُلماً؟!
أنا أحب...... لا أستعبد.
أنت: استعبدت قلبي.. لكنك لم تحبه!
لقد حاولت أن أصغي... فطغى الضجيج على الإنصات.
لقد حاولت أن أرى.. فازدحمت آلاف المشاهد والصور، واختلطت الملامح والخطوات.
لم تعد الكلمة التي تكتب، أو تقال، أو حتى تصرخ: هي العطاء الحقيقي لصياغة فكرة جديدة للحياة... أصبح كل عطاء الإنسان: أن يكرس أحلامه ليكبر فوق الآخرين، بعد أن كان الإنسان يكبر بالآخرين... بالتعاون، وبالروح، وبشمل الأسرة، وبروابط القربى، وبقيمة الحرية!
أصبح كل إنسان - وحده - يتحرك ما بين المسافة والظل!
حزنت كثيراً.. حينما كان صوت شاعر في سمعي يردد:
ـ ((إنني شاعر.. أتحرك ما بين المسافة والظل))!!
* * *
وبعد... يا لؤلؤة القلب:
هل أواصل البوح لك، وأنا الذي أشعر بتدفق معك وإليك... أم (أنْظم) فلا وقت للهدهدة في هذا الزمن الطباشيري؟!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1842  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 151 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.