شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فقط...جنونها!
وقفْتُ أمام المرآة أحدق إلى وجهي.. بل إلى عيني!
جلست... لأن تحديقي قد طال!
تذكرت أسطورة ((نيرجس)) وقد كان رجلاً.. أما أنا فمثل كل أنثى تسترجع أصداء الإعجاب بجمالها!
ضحكت لهذه الخاطرة!
تصور أنني أتذكر في هذه اللحظة صفة جمالية في شكلي.
أعرف أنني جميلة، وهذا غرور منحه الآخرون لي.. ولكني في الفترة الأخيرة لم أعد أتطلع كثيراً إلى مراقب.. بل أكتفي بالنظر إلى وجهك، لأنني أرى حسني ينعكس من خلال نظراتك، وتعبيرات وجهك نحوي.
تذكرتك فجأة، وأنا أمام المرآة.. طبعاً، أنا لم أعد أنساك، على الأقل في هذه الأيام، لأنني أشعر بأنك تطاردني.. تحاصرني بنداءاتك، أو بندائك المحبب إليّ: حين تقول لي: يا أنا!!!
نسيتك في الزمن الهش، أو في الوقت الفراغ.. ذلك الذي تمدد في سنوات العمر، فنفى زمننا القديم حين كنا معاً، وأعاق قدوم هذا الزمن الجديد الذي أعادنا، أو وحّدنا.. كأنك تأخرت كثيراً.
لكني في ذلك النسيان كنت أتذكرك قليلاً.. أتذكرك مثل خاطرة جميلة تعبر، مثل طيف يعيدني للحظات إلى الشفافية، ويبعدني عن حروب النفس وركضها بحثاً عن حلم رائع طالما تمنيته استمراراً في عمري!
أرجوك.. لا تستغرق في كلماتي هذه، فأنا الآن أتقطّر حزناً.. ولست أدري لماذا تتجسد أمامي- أنت- وتملأ نفسي كلما اعتادني الحزن؟!
لا يصبك الغرور، فتعتقد هذه اللحظة أنني أعترف بحبي لك!
أنا مجنونة.. ها؟! لكن أنا متأكدة أنك أكثر جنوناً!
لا أدري الآن.. فقط أريدك معي، تحدق إلى عيني.. تزرعهما حباً، وحياة، وتدعهما تتدفقان.. ليكون هذا التدفق من عيني أكبر من معنى النظرة، ويكبر بمعنى التكامل الإنساني معك.
تسألني أنت:
ـ وماذا يعني هذا التدفق.. أليس هو الاعتراف بالحب؟!
جائز.. لكني- صدقني- أكره التعليل، والأدلة والشواهد.. أكره المنطق أحياناً، أريد أن أكون عفوية، طبيعية. أكره أيضاً كلمات عديدة، مثل: الاعتراف. التبرير. بعض الأجوبة عن الأسئلة التي تهدف من ورائها: التحديد، أو الإثبات!
ـ أنت قلت لي مرة: الحب لا ينبغي أن نؤكده بإثباتات مادية، أو حوارية.. الحب إحساس يشيع في عمق الإنسان، وقد يكون بلا تفسير!
ـ يا حبي لِكْ!
ـ هل هذه الكلمة اعتراف.. أم خفقة قلب مستريح؟!
سألتني، فأجبتك بإصرار: لا تحاصرني من فضلك، ولا تلزمني بكلمة تريدها مثل الوثيقة، بل يكفيك ما سمعت مني عفوياً، وهذا الذي سمعته أو فاجأك مني..، هو بلا شك شيء من التدفق الأعمق!
أنت أيضاً مجنون!
إصرارك عليّ جنون. مطاردتك لي جنون. أحيانا أحس أنك سترغمني على أن أقول لك: أحبك، وهذا جنون أيضاً.
دفئك جنون.. حنانك معي جنون. غضبك عليّ أو من أجلي- سيان- هو جنون! لحظة... لم أنته بعد من إحصاء جنونك!
حافل أنت بالجنون، ومحتفل به.. حتى قطيعتك لي التي امتدت طويلاً، كانت من ألوان جنونك العكسي. لو أنك لم توافقني على القطيعة تلك.. لو أنك واصلت اقتحامك لي، ما كان الزمن يضيع منا، ولم نكن سنضيع فيه!
ماذا تحكي عن بدء زمن الهشاشة والتفريغ.. ذلك الذي طوح بكل واحد منا بعيداً عن رفيقه؟!
تكلم.. إنني أصغي إليك. الله يخليك إحكي.. أرجوك إحكي!
* * *
احتواني صوتك عميقاً في ذلك المساء.. كنت تحكي بحزن. عمقك يفيض عندما تحزن.. إنني أتوافق معك في هذه الطبيعة، أو الصفة. قلت لي:
ـ فوجئت تلك الليلة بصوتك يحمل قراراً قاطعاً، وأنت تطلبين أن ننفصل ونفترق. وكانت المفاجأة الأخرى أنني شاهدت في عينيك دمعة حائرة ومسجونة، لا تريدينها أن تنزلق أمامي.
ـ قلت لك: وأنا شاهدت مثل تلك الدمعة في عينيك قبل أن تأخذ وجهك معك وترحل من أمامي. تلك الليلة لم أنم برغم قناعتي أن القرار ضروري، ومريح لنا معاً.
ـ أنت أنثى جميلة وتملكين الحياة.. في حين أنني رجل صلب، وتملكني الحياة بظروفها، وبقوالبها، وبكل ما فيها من أطر وأحزمة!
ـ وماذا فعلت بعدي، أو بدوني؟!
ـ كنت معك أمارس جنوني، وأطلع به ومنه إنساناً متفائلاً، وعاملاً، ومشاكساً.. ولكني بعدك. أو بدونك: اكتشفت أن جنوني يمارسني... فيطلعني ويرتطم بي، ويطوح بي وأتناثر وانتشر أحياناً.
ـ عرفت نساء إذن؟!
ـ العالم مليء بالنساء، وما تقولين عنه أو تسأَلين.. ليس هو المعرفة بمعناها الدقيق، ولكنه التبعثر، الجري. المذاق. الاصطدام، ثم الارتطام بعد ذلك.
ـ أظن أن هذه قضية الرجل دائماً؟!
ـ لا تعامليني بالجنون حتى في الظنون.. ولكني مضيت بعدك، مثلما أنت مضيت بدوني!
ـ كيف؟.. إحك لي. لا تتوقف!
ـ اللعنة!
ـ تلعنني، أم تلعن نفسك؟ أقترح عليك أن تلعن نفسك، لأني أنا لا أستأهل هذا!
ـ كنت كمن وضع حذاءه بين أسنانه وركض.. تحت الشمس، في جنح الظلام.. كانت الطرقات متكاثفة، وعديدة، ومتفرعة إليه السائر كبطولة، وبعضها الآخر يتخذ فعل المغامرة!
ـ أوه.. رجعنا لفلسفتك!
رغم ذلك.. أضبط نفسي أحياناً وأنا أصغي إلى كلماتك بكل جوارحي. أحبك حينما تحكي. قلت أحياناً، أما الأحيان الأكثر.. فمازال رأيي فيك أن دمك ثقيل!
لا تغضب مني.. لكني أشتاق إلى إغضابك!
تصور... وقت طويل مضى وأنا أجلس أمام هذه المرآة. سرقتني من نفسي، أو لعلني نسيت نفسي وأنا أحاورك. أنت متسلط. قل لي: ماذا تريد مني بالضبط.. ها؟!
حين رأيت وجهي ينعكس على صفحة المرآة.. دخلتني كلماتك، سددت إلى أعماقي كرمح!
أنت تحدثني كثيراً عن عيني.. نظرت إلى عيني بعيني!
هل أنا ((هبلة))؟!
من فضلك.. لا ترد. أنا أشتم نفسي وحدي، وأنت لا تقدر، لا أسمح لك!
دعني أصحح العبارة.. فأنا لم أكن أنظر إلى عيني بعيني. لا.. بل رأيت عيني بعينيك أنت، بكلماتك عنها. يا حلو هاالعينين!
ـ ((عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر))
رددت في أذني هذا الشعر يوماً. يا حبي لشعر السياب.. هل تذكر؟!
ضحكت. قهقهت، وأنا استرجع عبارتك لي:
ـ وجهك مترف بالجمال، أما عيناك فإنهما تموجان بالحزن!
لماذا؟ كل الناس يقولون لي ذلك. صديقاتي أيضاً.. يمكن من الغيظ!
لا أريدك أن ترى عيني الآن.. إنهما مخضلتان بالدموع!
ـ لماذا أبكي؟!
سألتني، وقلت لك: إنني أحتار بحثاً عن سبب بكائي هذه الأيام.
ـ ألا تخفين عني معاناة خاصة؟!
ـ فعلاً.. الإنسان لا يبكي بدون سبب، ولو من الملل، أو الكآبة، أو وحدة النفس. وقد يبكي في عجزه عن تغيير حياة يرفضها، فلا يقدر أن يستبدلها بحياة أخرى يرتاح فيها، أو يتجانس فيها مع نفسه، أو مع من يحب!
ـ أنت تحبين إذن.. اعترفي؟!
ـ لا أدري.. ربما هو الندم ضد حب كان، حينما أتذكره أبكي لشعوري بالضعف أمامه!
ـ وأنت ترفضين الضعف.. تريدين أن تبقي قوية دائماً!
ـ بالعكس.. ربما أضيق أحياناً بقوتي هذه التي تصفها.. أشتاق أن أكون ضعيفة أمام رجل قوته معي في شدة حبه لي. أنفر من الرجل المتسلط القاسي، مثلما أنفر أيضاً من الرجل اللامبالي الذي لا يحاسبني ليشعرني بحبه لي، أو بغيرته علي، فكأنه يهملني، وبالتالي.. أهمله أنا!
ـ وذلك الرجل الذي تبكيك ذكراه.. كان يشعرك بضعفك، وربما مازال حتى الآن يشعرك بهذا الضعف برغم بعده عنك!
ـ أسكت أرجوك.
ـ فكيف إذن تعتقدين أنك تحبينني ((أحياناً)) على رأيك؟!
ـ أنا أحبك.. صدقني. إذا ابتعدت عني الآن: أحتاس!
ـ ودموعك التي تطاردك هذه الأيام، وشعورك بالحنين.. بماذا أفسرهما؟!
ـ لعلي لا أحن إلى شخص بذاته.. بل إلى ماض متكامل.. إلى ذكريات..إلى حياة عشتها، وكنت أجد نفسي في داخلها، وفي أحداثها، وفي طبيعة ذلك الزمن، تعرف؟ أنت تذكرني بنفسي!
أبكي.. لأني أشعر أن أشياء كثيرة ومتميزة قد فقدتها. كنت أحب الشعر، أتغنى به، أطرب، وينخلع قلبي من بيت شعر رائع، مع كلمة عميقة المعنى. كنت أتذوق الموسيقى، وأختار، وأفلسف، وأسخر.. حتى عندما كنت أبكي، يخيل إلي أنني أبكي بنَفْس.
الآن.. أنا أبكي بدون نفس. أبكي لأنني- فقط- متضايقة، وغالباً بدون سبب مباشر.. وقد لا يبكيني التعامل مع الناس الذين أعيش بينهم ومعهم، أبكي لأنني أنادي على نفسي الحقيقية، على داخلي ومحتواه الأعمق، والمترسب، والساكن!
لا أريد أن تغرق نفسي في مثل هذا الصمت، أو في مثل هذا التعود الممل على حياة أحس أنني فيها أؤدي وظيفة، والتزم بواجب، وأخاف من أشياء كثيرة.. كنت في السابق أتصرف بها، وأفعلها، دون أن أسمح لأحد أن يحاسبني عليها، لأنني كنت منطلقة.. أحيا شبابي كله.
ـ لكني.. أنا أحاسبك الآن، أغار عليك. أخاف عليك. أحميك، أسمو بك، وأنت ترتفعين بي أيضاً.
ـ لا أدري.. حتى أنت، أعتقد أنك في بعض الأحيان تريد أن تصادر أفكاري وحريتي. أعرف أن الرجل أناني في حبه للأنثى التي يعشقها، وأنا أرفض القيد. أريد أن أحبك بمزاجي، وفي الوقت الذي أريده، مثلما أريد أن ألغيك ولا أفكر فيك بمزاجي أيضاً، وفي الوقت الذي أحدده.
ـ هل تعتقدين أنَّ هذا المزاج حبٌّ؟!
ـ أظنه قمة الحب.. فعندما أرغبك، وأريدك، وأشعر بحبك ينغل في شراييني.. أكون لحظتها في حوزتك كلي، مِلْكا لك وحدك، ولن تستطيع أية فكرة، ولا أي شعور أن يسلباني منك.. بل أنا التي أريد أن أسلبك كلك من إطاراتك، ومن العالم، ومن الطقس، ومن كل المناخات، لتكون لي وحدي ووحدك.
ـ أنت مجنونة... يا أنا!
ـ وأريدك الآن أكثر جنوناً.. يا عمري!
وفي الغد.. نفس السؤال، ونفس الجواب؟!
ـ في الغد سأنسى.. أرجوك لا تذكرني بشيء!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2648  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 127 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .