شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سطر...بدفء فجر!
•مدخل:
"شريفة عبد الله": اسمها.
ـ عبرت سخونة "الخليج العربي" حتى استقرت هنا أمامي من وراء أمواج "البحر الأحمر": رسالتها الفياضة بالشجن!
ـ امرأة تلد "البوح" طفلاً جميلاً في شكل "كلمة": بطاقتها!
ـ العالم رجل وامرأة: اعتراضها، وعنوان حوارها!
ـ "إن تركيب البشر يختلف.. فبعض الناس يغلب فيه مركب البغضاء، والبعض يغلب فيه مركب المرح أو الحزن.. فتجد الأول: يفيض بالبغضاء.
فيستطيع أن يكره عشرات الناس دون أن ينفد معين كرهه، والثاني: يستطيع أن يضحك، ولا يكف عن الضحك، والثالث: يغرق في حزن إلى مالا نهاية": أرضية الحوار التي فرشت فوقها الكلمات، والبوح!
(1)
أكتب إليك - يا سيدي - في اللحظة التي يرتطم فيها إحساسي المرتعش ببرودة الوحدة، ويتوق إلى دفء ليل تضيء سطوره المبحرة فوق عتو الموج واندفاعاته!
عندما يحصل الارتطام.. تتولد الشرارة، ويذوب الإحساس، وتتحرك الأنامل نحو القلم.. لتسكب الجراح على سطور البوح والمكاشفة!
كتبت إليك - في مدخل رسالتي - تلك العبارة التي - تسميها أنت الآن: أرضية الحوار، وقد استعرتها من كلمات القاص الراحل "يوسف السباعي".. فتأمل هذه العبارة واسمعني!
أنا - يا سيدي - مزيج من الإنسان الذي يضحك ولا يكف عن الضحك، والذي يغرق في حزن إلى مالا نهاية!
إنني لا أكف عن الضحك، ولا يكف عني الحزن.. وقد أضحك من شدة الحزن، وقد يلفني حزن عميق بعد استغراقي في نوبة ضحك!
إنها حالة غريبة تسيطر على كياني.. مزيج من الإحساس باليتم والغربة!
فهل تود أن تسمعني بدون ملل؟!
(2)
لقد عشت طفولتي في يتم الإحساس.. ولا أدري كيف أشرح لك هذا الشعور؟!
وعشت سني مراهقتي ونضجي في غربة الفكر.. فهل يعني "اليتيم" بعد هذا: فقدان الأبوين؟!
لا أعتقد ذلك بالتحديد!
لكن "يتم" الإحساس، وغربة الفكر والروح.. شعور مر، كئيب، ومن الصعب أن يعيش الإنسان مسوراً بأفكار لا يمت له بصلة، ومع ذلك يحاول أن يتقبلها، ويصبح مرناً معها، ويعيش فيها. حتى لا يصدمه فكره الشخصي، ولا تجربته الخاصة بما هو أعمق غربة، وأشد يتماً! وأنت.. بذاتك الواعية، والمطلعة والمدركة لأبعاد الحياة، والعلاقات الإنسانية المتشعبة - كالأخطبوط أحياناً - لابد أن تكون لك أحلامك، وتوقعاتك، ورؤيتك، ومن ثم سلوكك الشخصي المرتبط بما سبق.. وفي المقابل: تأتي الاستجابة من الآخرين كرد فعل على مبادراتك.. بمعنى أنك تتوقع العطاء والاستجابة ولكنك - في الغالب - لا تجد الاستجابة المتوقعة، ولا ردة الفعل المنتظرة!
فماذا يحدث؟!!
ما يحدث.. هو أنك ترضى بالواقع الأخف وطأة: واقعك المشدود إلى الإحساس الأبدي باليتم وبالغربة!
وعندما يحدث هذا.. تهرب إلى نفسك خوفاً من فقد ذاتك، أو لعلك تهرب من نفسك أيضاً حتى ترتاح وتقنع بهذا الإحساس القاسي والبارد، لأنك لا تريد أن تفقد نفسك، ولا الآخرين الأقل قسوة!
لذلك.. فالحزن يلازمك، لأنك لا تجد غيره صاحباً، تجاربك الذاتية تفشل.. لا بسبب رفض الآخرين لأفكارك، وتحديهم المستمر لوضوحك ولاستقامتك بل بسبب توقعاتك نحو من توسمت فيهم العطاء المتكافئ!
قمة الفشل، والإحساس بالخجل من حجم الحلم، وحجم التحدي.. وهنا يحدث التقهقر والانزواء إلى الداخل، وتتمدد الغربة، ويتضخم الإحساس باليتم!
هل تعرف معنى أن تكون وحدك تتصدى للآخرين، وتدافع عن قضية خاسرة.. تحارب الآخرين، وأنت تعلم أنهم على حق؟!
تصور حجم المهزلة في واقع البشر بهذه الصورة؟!
أنت مخطئ، ومقهور، ومخدوع.. ومع ذلك تكابر. لماذا؟!
لأنك تحتال على الفشل بالمكابرة وهذه حيلة دفاعية - لا شعورية - للهرب من الإحساس باليتم والغربة.. فقط لتوهم نفسك بأنك صاحب قضية بينما أنت بلا قضية، ولكنك دائم الحزن.. كنت تسعد الآخرين، ولديك إحساس داخلي غريب بأنهم أحق منك بهذه السعادة.
فعلاً.. الجميع يشاركونك الرأي، ويؤكدون إحساسك بأنهم أحق منك بالسعادة.. فيتضخم الضمير لديك، وتسقط "الأنا" وترتفع المثل، ويمتد الحزن إلى ما لا نهاية.
(3)
قد تقول لي - يا سيدي - هذه النتيجة عني: إن اختياري لم يكن صائباً في كل الأحوال!
نعم.. قد يكون هذا صحيحاً ولكن.. حتى لو اخترت الصواب نفسه فإنني لن أوفق في تجربتي.. لأن "تركيبتي" لا تحتمل المعادلات الخطأ مهما تضاءلت نسبة هذا الخطأ!
لقد نفدت طاقتي.. مات الإحساس.. امتلأ حلقي بالمرارة فلم يعد لأي شيء طعم، أو مذاق، اختفت خطوط الطالع من يدي، فلم أعد أهتم لشيء يتحدث عن الغد. الغد هو الأمس، واليوم، واللحظة!
قد تصفني بالتشاؤم. اسمع أصداء صوتك تتردد في كل ما حولي.. ربما كنت متشائمة.
ولكن .. ما الذي جعلني كذلك؟!
ـ أنت تقول لي: إن التجارب لا تقتل بقدر ما تقوي العضل. وتفيد ما بعدها.
هذا صحيح.. وأحاول - لذلك - أن ألتقط أنفاسي الآن، وأعاشر عشقي.
أصبح عشقي هو الليل.. يذكرني دفء الليل بعمق الجرح، وطول السهد، وعذاب الغربة.. فكان لابد من الكتابة إليك، لتتحرر الروح وتنطلق من سجنه الكئيب.
ثم أنت تقول لي يا سيدي: "أن يجد الإنسان شارعاً يشعره أنه بيته وليس منفاه، وأن يجد اتكاءة لا يسترخي في تضاعيفها، وإنما يجادل ويحاور ويناكف ويشاكس.. إلى أن تقول:.. ومازلت في تطلعي المستمر أبحث عن إطلالة صدق ومحبة، لئلا أعود إلى الليل كل مساء، وأنا موال مجروح"!!
أما أنا فانتظرني.. إنني الموال المجروح، أعود إلى دفء الليل، لأحتمي من جليد التجربة، وجفاف العاطفة!
• معْبَر:
أنت - يا سيدتي - خرجت من نفسك الآن. التي تراكمت عليها ثلوج اليتم العاطفي.. وهذا انتصار أولي على الهزيمة من الداخل!
أنت تعبرين منتهى الجليد.. إلى دفء "الوحدة" أو العزلة التي أحاطتك كأنقاض لتجربة مؤلمة.
التجارب لا تقتل، ولكنها قد تجرح.. قد تدمي.. ونزيفك هذا يطرد دم الألم الذي فسد.. ليمنحك فرصة الطلوع على الصباح الجديد!
هناك فجر قادم.. فابتسمي له ولا تعبسي. استقبليه بوجهك القادر على الضحك، واغسلي الدمعة، وجففي الحزن.. واملئي رئتيك بأنفاس الصباح المطل من الغد!
الصباح.. له دفء الأمل، والإرادة.. بالحب، وبالإصرار! لا تنعي قلبك إلى التجربة ولكن.. عليك أن تنعي التجربة إلى قلبك لتبدئي تجربة أكثر وعياً، وإدراكاً، وثقة!!؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1214  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.