| أسوانُ يا بلدَ العقاد والسَدِّ |
| كلاهما ذُروة في الجِّدِّ، والكدِّ |
| إحداهما ذروة الأمجاد يصنعها |
| وعي الشعوب، وأخرى.. صنعة الفرد |
| كلاهما.. مضرب الأمثال، رائعة |
| في صنعة المجد، عن وعي، وعن عمد |
| في صورتين.. هما العقاد في بشر |
| والسدُّ في عمل بالحق مُعْتَدِّ |
| كلاهما.. مورد عذب وسَقْيُ جنَىً |
| أكرم بهذين من سقْيٍ ومن وِرْد |
| كلاهما.. قد جرت - في الناس - سيرتُه |
| أعجوبةً لكفاح غير ذي حدِّ |
| كلاهما.. خالد - عبر الحياة - على |
| مَرّ العصور وعمرٌ جدُّ مُمْتَد |
| كلاهما.. صار في تاريخنا علماً |
| لن يُغْمَط الحقَّ، عند السَّرْد والعدّ |
| كلاهما.. فلتة عَزَّتْ نظائرها |
| على الزمان، التقاءَ الجِدِّ بالجَدّ |
| ومنهما.. لكِ بُرْدُ اليومِ تلبسه |
| بنتُ الحضارة، والإنسانُ في المهد |
| سليلةَ المجد، يا أسوانُ، ما خلعت |
| برداً، وقد لبست برداً على البرد |
| فهل نعزيك في العقاد؟ لا.. أبداً |
| أنا نراه تخطّى الموت للخلد |
| ما مات مَنْ كان كالعقاد مدرسةً |
| للناس تُقْصد من وُلْدٍ إلى وَلْد |
| ما مات مَنْ كان كالعقاد ظاهرةً |
| للعصر تُفْصِح عن حال وعن جهد |
| ما مات مَنْ كان كالعقاد مَأذَنَة |
| للفكر، عاليةً في القرب، والبعد |
| تعنو الرؤوس له حباً، وتكرُمَةً |
| في حالة الوصل، أو في حالة الصَّد |
| يُضفي عليه رداءً من مهابته |
| حتى على الصمت في الأقفاص كالأسد |
| قد عاش - ما عاش - لا يرجو ليوم غد |
| زاداً سوى العلم، إلا مِسْكَةَ الزُّهد |
| وكل عُدّته للعلم.. موهبةٌ |
| عصماءَ أصقلها بالجهد والعِنْد |
| ما قال لا علم لي في مرَّة أبداً |
| إلا ليبلغ ما لم يدر بِالسُّهد |
| خلا المكانُ الذي قد كان صَوْمعة |
| من راهب الفكر والإيمان والجِدّ |
| لسوف تذكره الأجيال ما افتقدت |
| مكانَه بينها - في الناس - بالضِّد |
| ويحمدون له - من بعد - ما بخلوا |
| عليه، فيه، بحق الشكر والحمد |
| فهل نعزيك، يا أسوان، في رجل |
| في الغيب يُجْفِلُ آلافاً من الشُّهْد |
| وهل نعزيك، يا أسوان، في رجلٍ |
| ما مات بل هو في التاريخ كالطَّوْد |
| قَلَّ النديدُ له في كل طائفة |
| من الزمان وما في الجيل من نِدِّ |
| إذا عددنا ابن حزم في نوابغنا |
| والجاحظ الفذُّ فالعقاد من بعد |
| ضمي إليك رفات الشيخ واحتضني |
| فالروح خالدة والجسم في اللَّحْد |
| وأكرمي فيك مثواه ومرقدَه |
| واستقبلي الوُدَّ منه فيك بالوُدِّ |
| ضعي الزهور حواليه مفوَّحة |
| وطيبي الدارَ والآفاق بالنَدِّ |
| لا تذرفي الدمع في الذكرى وتنتحبي |
| السيف في الكفّ نفسُ السيف في الغِمْد |
| وفاخري بابنك البرِّ الديارَ فما |
| أقلّ أمثاله، في الوَهْد والنَّجْد |
| وطوِّفي كلّ من وافاك دارتَه |
| حقٌ عليك كما طَوّفْتِ بالسَدّ |
| حقٌ على كل قلب فيك فالتزمي |
| عهدَ الوفاء، كما أوفاك بالعهد |
| وعلِّمي الناس معنى الحب في رجل |
| أخلاقُه الشمُّ فوق الجَزْرِ والمدّ |
| لم يخش في الحق لوم اللائمين، ولا |
| ضحّى به تحت وطء الشَدِّ والوعد |
| قد عاش في قِمَّة العلياء منتصباً |
| ولم ينل سُدَّة العلياء ذو شَدِّ |
| من جاء (أسوانَ) لم يحفل بزورته |
| فلا عساه (لأسوان) بمُرْتَدِّ |
| * * * |