شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المتغيرات في إدمان تعاطي المخدرات (1)
مما قد يذهل قراء ما أكتبه اليوم، إن ما أخذ يظهر هذه الأيّام، وينمو فيبلغ حد هدير العاصفة، أو الزلازل والبراكين في مجتمعات العالم العربي بخاصة، والعالم بعامة عن تعاطي المخدرات بأنواعها (ومنها الكوكائين والهيروئين) ليس... ليس جديداً... وليس في مجتمعات اليوم فقط، وإنما في هذه المجتمعات على مستوى العالم تقريباً طوال قرون وقرون من تاريخ الإنسان على هذه الأرض.
الجديد - ربّما - هو شدة الإقبال على التعاطي، وانتشاره بين جميع طبقات المجتمع، غنيّها وفقيرِها... وجهائها وعامتها... مما أغرى الاتّجار بها والتماس سبل الثراء الفاحش في هذا الاتّجار، بدءاً من الاستيراد تهريباً فيه عنصر المخاطرة بالأرواح والمستقبل المظلم في زنزانات السجون، بل وحتى الإعدام، وانتهاء عند التوزيع يقوم به الصبية والأطفال في الأزقة ومنعطفاتها، إضافة إلى ما يسمّى (الغرزة) التي تطورت من مواقع منحطة ومشبوهة لا ترتادها إلاّ نوعيات ينطبق عليها وصف (قاع المجتمع) من البشر إلى الشقق والدارات أو حتى القصور، في أرقى الأحياء يرتادها الأثرياء والوجهاء، ويديرها متخصّص خبير، تلتف حوله وتأتمر بتوجيهاته، عصابة قد تكون شبكةً واسعة النطاق، تهيمن على السوق، من استدراج الزبائن، إلى استشعار الأخطار عن بعد وفي الخفاء، يعجز عن الإطباق عليهم الأمن ورجال المكافحة والمقاومة، إلاّ بالكثير والدقيق من الخبرة والذكاء مع المواجهة المحفوفة بخطر الموت.
ولأذكر بهذه المناسبة - وقبل العودة إلى تاريخ علاقة الإنسان بهذه المخدرات - إني عشت في الهند - وفي عاصمتها دلهي الجديدة - فترة تقرب من عامين. وكان بعض زملائي في القسم العربي من إذاعات الهند، ممّن لا تطيب لهم الحياة أو العمل إلاّ بتدخين الحشيش و(استحلاب) الأفيون... فكانت سعادتهم بالغة، إلى حد أن بعضهم خطط للبقاء في الهند طول العمر، لأنها - على حد قوله - الجنة، التي لا يجد لها مثيلاً في البلد الذي استُقدم منه، ولا في أي بلد آخر... والسبب هو أن هذا الحشيش هناك يباع (علناً) وبثمن زهيد جداً، إذ لم تكن قيمة ما يقرب وزنه من الكيلو جرام أكثر من ستين روبية هندية... والأفيون لا تزيد قيمة (الأوقية) منه على ثلاثين روبية. وهو بهذا يعتبر أغلى من الحشيش، ولكن الذين يستعملونه يكتفون بقطعة صغيرة توضع في الفم و(تستحلب) وهي تكفي من يستعملها طوال ساعات العمل.
وأذكر أني - في الأيام الأولى من عملي مع هؤلاء الزملاء - أبديت شيئاً من الاشمئزاز أو الضيق، الذي يثير بينهم عاصفة من الضحك، ولذلك فقد نبّهني رئيس القسم وهو من مسيحيي العراق، إن أفضل ما نلجأ إليه، هو مغادرة الغرفة حين تنعقد سحب دخان الحشيش الذي يدخّنه الزملاء، وهو شخصياً لا يجد بدًّا من الخروج أيضاً، والسبب أن هذه السحب من الدخان يمكن أن تستدرج إلى الرغبة في ممارسة التدخين. وكان الزملاء - سامحهم الله - يلاحقوننا بعاصفة الضحك، ولكنهم يحترمون موقفنا، فيفتحون النوافذ، ويقلّلون من التدخين (الجماعي).
ومفهوم بالطبع، أن الحشيش الذي يباع علناً وبهذا الثمن الزهيد، يمكن أن يستعمل علناً، في المكتب وفي الشارع، لأنه غير محرّم أو ممنوع...
تلك صورة لما شاهدته بنفسي في الهند قبل ما يقرب من أربعين سنة ولا أدري إن كانت لا تزال الحال على ما كان عليه حتى اليوم. ولكن من الحقائق بالنسبة للهند أنها البلد الذي عرف زراعة الحشيش وتداوله أو استعماله ومن ثم تصديره إلى العالم، منذ قرون وقرون. والحال نفسه معروف في إيران،إذ لم يكن فيها قانون يحرّم زراعة الحشيش الأفيون وقد كان يجاورنا في السكن في الهند عائلة إيرانية سمعنا منها أن تعاطي الحشيش والأفيون في إيران أمر طبيعي جداً لا يختلف عن الأكل والشرب... بحيث لا يكاد يوجد إيراني في الريف على الأخص - لا يتعاطى استحلاب الأفيون، أو تدخين الحشيش.
والحشيش هو الذي يحمل اسماً علمياً هو: (كنّابي سينديكا) وباللغة العربية (القنّب الهندي)، وقد عرفه الإنسان منذ أقدم العصور، واستعمله (للكيف) كما استعمله للعلاج. وأهم البلدان التي تزرع الحشيش وتصدره اليوم (للأغراض الطبية)، الاتحاد السوفييتي، وإيطاليا، وبولندة، وإيران، وتركيا وباكستان... وقد انتشرت زراعته وتصديره بكميات هائلة في بلدان أمريكا اللاتينية، والسوق الرائجة له تحت اسم (ماريوانا) هي الولايات المتحدة الأمريكية...
وفي التاريخ، أن الفاطميين، هم الذين روّجوا لاستعماله وانتشاره في مصر بخاصة وفي البلدان التي بسطوا عليها ظل حكمهم بعامة... ومن أعجب أحداث التاريخ أنهم حكموا المغرب العربي ومنه الجزائر وتونس وطرابلس وبرقة، ثم (صقلية)، وفي عهد المعز لدين الله تم لهم فتح مصر بقيادة (جوهر الصقلي)، ومنها استولوا على بلاد سورية وفلسطين وغيرهما من البلاد العربية، إلى حدود تركيا، ومعلوم أن الفاطميين كانوا يعتنقون المذهب الشيعي وإذا لم ننس أن منطلق المذاهب الشيعية على اختلافها كان من فارس، فمن منطق الأشياء أن تكون إيران، هي مصدر الترويج للحشيش في مصر وفي غيرها من البلدان التي أُخضعت للحكم الفاطمي الشيعي.
ومن طوائف الفاطميين الشيعة، تلك الطائفة التي عرفت في التاريخ باسم الحشاشين وكذلك باسم (الإسماعيلية)... والحديث عنها يطول، ولكن أهم ما له علاقة بهذه الكلمة أنهم كانوا يدرّبون من يسمون (الفدائيين) منهم على أعمال الاغتيال... ويوهمون هؤلاء بأن مصيرهم إلى ((جنّة)) أقاموها هم في داخل حصن جبلي، يدخلون إليها من يُهيأ للفداء، بعد أن يُشبعوه من الحشيش تدخيناً أو أكلاً... وكان ما سمّوه ((الجنة))، رياضاً غنّاء تفوق الوصف جمالاً... وفيها يجد هذا المخلوق فرصته في ممارسة كل ما تصبو إليه نفسه من الملاذ الجنسية أو الحسية. وكانت دعوتهم، إلى معتقد محفوف بالكثير من الأسرار، ولكنه من معتقدات (الشيعة الباطنية). والعجيب، أن هذا المذهب من مذاهب الشيعة الباطنية، لا يزال قائماً و(الأغاخان) الذي يوزن بالذهب والجوهر، كلّما بلغ مرحلة من العمر، هو زعيم الطائفة التي يتواجد أتباعها في إيران، وسورية، وتركيا، ومصر، والهند، وباكستان وهم لا يزالون يعتمدون على (الحشيش) في محاولة نشر معتقدهم حتى اليوم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1608  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.