شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اللغة الشاعرة -2-
ـ وكثيراً ما تعلمت من بعض العامة كلمات عريقة في العربي.. فلقد نشرت من قبل ما يمكن أن أستطرد به الآن كمقدمة لما تعلمته قبل يومين، وأعتذر عن التكرار لأن من قرأ ذلك قد نسيه وهم قلة، وقارئ اليوم أكثرية فأعيد التذكير ولا أسأل عن النكير.
إن كلمة النجاح فيما نعرفه حين نتعامل معاً تعني التفوق.. ولكن إخواننا في الجنوب ذكرونا بلغة عاد وقحطان العربية الأولى التي فصحتها العدنانية بعد حين توسعت في الاستعارة والمجاز.. واتسع لها الترف في الأسواق فالعرب في أي سوق من أسواقهم أشبعوا اللغة العربية ترفاً كما هي أشبعتهم حين توحدت بألسنتهم. ففي العادية الأولى نجح الطعام.. أي طاب ونضج ولعلّ كلمة طاب استعارة.. فالألصق، هي كلمة نضج.. فطاب لعلّها استعارة من طيبه حين يؤكل وحتى نضج توسعت الاستعارة فيها فلان ناضج العقل، ناضج الثقافة، ناضج الأسلوب.. فالحقيقة نضج بمعنى نجح وطاب.. وهكذا نجح توسعت بالاستعارة إلى معنى التفوق والامتياز وكذلك النفيس.. نحن نتعامل بها تعبيراً عن الثمين والغالي، بينما هي في اللغة العادية القديمة عرفتها حين نطق بها حضرمي، سائق سيارة قال هذا شارع نفيس.. ليته يعبد، قلت: نفيس (؟!) قال يعني الواسع.. فاتضح لي أن الحقيقة بمعنى النفيس هو السعة للاتساع ومنه النفس.. التنفس.. النفساء..
وأقبل بدوي يسأل: ثوبي تهتر يا ولد (!!) سمعته فأخذت أجري لأعرف معناها في لسان العرب.. فهو أراد بكلمة تهتر تمزق فإذا الحقيقة هي كما أراد بينما الاستعارة والمجاز قد توسعت بها إلى المهاترة وهي تشقيق الكلام حتى اللجاجة.
وبالأمس وسائق سيارتي يمني وتعرضت سيارة أخطأ سائقها كادت تصطدم بسيارتنا فقال سائقي اليمني: هذا أراد أن ((يضبحني)) قلت ماذا؟! ((يضبحك)) قال: ضيق صدري.. أزعجني فتذكرت الآية الكريمة: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً (العاديات: 1) صوت أجوافها إلى عدن ومنها صوت الثعلب إلى آخر ما يجده المراجع للسان العرب.
ومرة أخرى.. وفي حادث مماثل قال: ((إنه بتكني)) قلت: ماذا؟! وأخذ يترجمها لي كأني أعجمي ومادري أني أعرفها قرآنياً: فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ (النساء: 119) لقد ترجمها لي فقال: إنه قطعني فالبتك هو القطع في اللغة.. وكل ما أريده في هذا أن لغة الحضارم واليمنيين دلالة على الألفاظ الحقيقية التي توسعت في اللغة العدنانية بالاستعارة ولقد تنبه الزمخشري هذا الأعجمي الذي تعرب كما لم يتعرب أحد مثله فقد أجاد في كتابه ((أساس البلاغة)) حين يشرح حقيقة اللفظ ثم يثني باستعماله المجازي.. ما أحلى لغة العرب.. ما أوسعها.. انظروا إلى كلمة ((نهد)) نهد للأمر.. شد حيله.. يؤديه ومنه النهد إلى آخر ما هنالك فدعونا من تضييق الاشتقاق فقد كان الاشتقاق والتعريب هما الكنز الذي ملأ الأمهات بألفاظ اللغة الشاعرة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :743  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 354 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج