شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التقوى
ـ في هذه الآية الكريمة، عظة تعلم الإِنسان كيف يرحم نفسه حين يرحم غيره، فالراحمون يرحمهم الله.. هذه الآية الكريمة هي وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً (النساء: 9).
إن قارئ القرآن قد يمر بآية فلا يدقق في معناها.. ومن هنا حرص سيدي أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه حين قال إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه..
ولم أكن قد أعربت هذه الآية من قبل، ولكن موقفاً وقفه الدكتور أحمد أمين صاحب ((ضحى الإِسلام وفجر الإِسلام)) حينما كان ينظر في وجه اليتيم تلو اليتيم في حفل عشاء أقامته الجامعة المصرية.. جامعة القاهرة.. وجامعة الأزهر حين حج في زمن مضى في الخمسينات. كان يمر على اليتيم تلو اليتيم يمسح رأسه وعيناه تدمعان.. وهو يتلو هذه الآية.. رسخت هذه الومضة منه.. والرحمة منه.. هذه الآية في نفسي.. فأخذتها نبراساً ودليلاً أتعلم منها الكثير.. فأسأل الله أن يرحمني برحمة التقوى. من هنا لعلّي أذكر قصة وقعت في عظة طلبها ((أبو جعفر المنصور)) من صديقه ((عمرو ابن عبيد)).. فقد كان أبو جعفر المنصور يعظم من قدر عمرو بن عبيد الذي بلغ في الزهادة شأواً كبيراً.. وفي الإِعتزال أيضاً شأواً كبيراً.. ولكن المنصور كان يحترمه ولعلّه كان على شاكلته، فالمنصور كان أيضاً إماماً في العلم.. هو عبد الملك لو لم يشغلا بالسلطان لكانا من أكابر العلماء، مرة قال أبو جعفر المنصور.. ((كلكم يطلب صيد.. كلكم يمشي رويد.. غير عمرو بن عبيد)). واجتمع به مرة وكان عمرو بن عبيد قليل الزيارة للسلطان.. ولكن صداقته للمنصور جعلته يزوره الحين بعد الحين.. إذا ما طلبه المنصور.. إما أن يتبرع هو بالزيادة فلا.. قال أبو جعفر المنصور لعمرو بن عبيد.. عظني.. فقال عمرو: بما رأيت أم بما سمعت؟.. قال: بما رأيت.. قال لقد توفى الله عمر بن عبد العزيز فترك أحد عشر ولداً، ولكنهم لم يجدوا في تركته ميراثاً إلا تسعة عشر ديناراً اشتروا له قبراً وكفنوه فما بقيت إلا تسعة دنانير قسمت بين الأحد عشر ولداً فنال كل ولد ثمانية عشر قيراطاً، ((يعني ثلاثة أرباع دينار)) فإذا بي بعد أرى ولداً لعمر بن عبد العزيز وقد أسرج مائة فرسة تجاهد في سبيل الله.. ثم مات ((هشام بن عبد العزيز)) وترك أحد عشر ولداً ورث كل منهم ألف ألف دينار.. ومرت أيامهم فإذا بي أرى أحد ولد هشام على سبيل يتكفف الناس يسألهم.. كأنما ((عمرو بن عبيد)) أراد أن التقوى في عمر بن عبد العزيز قد حفظت بنيه ولم يترك لهم شيئاً.. وأن ((هشام بن عبد الملك)) وقد انتصر العباسيون على بني أمية، قد سلبوا كل شيء عندهم فافتقر أبناء هشام حتى إن أحدهم ظل يسأل الناس. ولكن التعويض جاء لبني أمية حينما يذهب ((صقر قريش)) يقطع البر والبحر فأسس الملك العريض الزينة الزخرف في حضارة الإِسلام.. حتى إن بغداد في بعض النواحي كادت أن تكون مثل قرطبة عندما تأخر العلم فيها وعندما كثرت الفتن.. جاء التعويض لعبد الرحمن الداخل ملكاً عريضاً وهكذا الأيام وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ.
إن الذي يحفظ التقوى في نفسه ويعامل الناس برحمة ليس منا من لا يرحم صغيرنا ولا يعظم كبيرنا.. فالإِسلام خلق.. الإِسلام كما قال رسول الله صلى الله عايه و سلم : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ومن مكارم الأخلاق العون للكل والضعيف والعاجز.. وكما قال صلى الله عايه و سلم : خير بيت فيه يتيم يحسن إليه وقوله صلى الله عايه و سلم : أنا وكافل اليتيم في الجنة.. هكذا..
وأشار بإصبعيه مقترنتين.. اللَّهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :870  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 215 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج