شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَة
عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي يكنى أبا محمد وقد يكنى بأبي رواحة. كان أحد النقباء ليلة العقبة. شهد بدراً وما بعدها.. كما شهد المشاهد كله.. بخ.. بخ.. المشاهد كلها..
ويعني هذا أنه من بناة أمجادنا، من أنصار إسلامنا الأولين الباذلين الأكرمين.. والمشاهد كلها شرف تقطع دونه أعناق الرجال.. وقد قطعت عنقه في مؤتة شهيداً بعد من؟
حمل الراية زيد فأصيب زيد الخير. الحب. ابن الحب. أسامة. حبيب رسول الله. مولاه. ابنه قبل النهي. وأخذها جعفر بن أبي طالب المهاجر الأول. والمناضل الأول. ابن عم رسول الله. صديقه وحبيبه. وأشبه الناس به.. كان جعفر أشبه الناس برسول الله فهو أحد اثني عشر رجلاً من بني عبد المطلب، كلهم يشبه النبي. في الذروة منهم جعفر وأبو سفيان بن الحارث وقثم ابن العباس.
أخذها ذو الجناحين، وقطعت أوصاله وهو يحتضن الراية.. فلما عجز عنها وفاضت روحه إلى بارئها، أخذها البطل الشاعر عبد الله بن رواحة.. قاتل الروم حتى قتل فاستشهد.. نال الأمنية. الحظوة عند الله.
وتلفت الناس يفتشون عمن يأخذ الراية بعد أن قتل هؤلاء.. فأخذها رجل من الأنصار. لا يريدها لنفسه. وإنما ليضعها في يدي صاحبها المرجى.. وقد وجده، وجده خالداً في تاريخنا، أحد الذين صنعوا أمجادنا ومفاخرنا، وأحد الذين نشروا إسلامنا.. ومن هو؟ هو أبو سليمان سيف الله صاحب الفتوح. قاهر الردة. قائد يومنا الثاني.. اليرموك. خالد بن الوليد. وأخذها خالد فنظم الجيش وكر. وقلب الميمنة ميسرة. والميسرة ميمنة. ليعمي على الروم. وتقهقر فأنقذ الجيش. أنقذ البقية من جيش مؤتة ((أخذ الراية زيد فاصيب، وأخذها جعفر فاصيب، وأخذها ابن رواحة فأصيب، ثم حملها سيف من سيوف الله ففتح الله عليه)) وأين الفتح؟ في الانسحاب؟ هكذا قال أهل المدينة. قابلوا جيش مؤتة على أطراف المدينة. يحثون في وجههم التراب. ويقولون: إنهم الفُرّار. وقال الرسول: إنهم المكْرار. وأنا ردء لهم.
والانسحاب لإنقاذ الجيش يعد في تاريخ الحرب في العالم اليوم من الأمجاد للقادة. فالانسحاب في ((دنكرك)) كان عملاً رائعاً.. يحسبه الإنجليز من أسباب انتصارهم في الحرب، وبعده انسحاب رومل في ((العلمين)) كان عملاً عظيماً أطال مدة الحرب على الحلفاء.
والبطل ابن رواحة. كان أحد الذين نسجوا من البطولة ألواناً.. من الإيمان. فهو في السابقين من الأنصار أحد النقباء. وكان من المبرزين في العلم. ومن النابغين في الشعر. كان شعره نضالاً عن الإسلام ودفاعاً عن رسول الله.
آخى الرسول بينه وبين من؟ بين فارسه المقداد بن الأسود.. وكان أحد الذين كتبوا الوحي. وحينما انتصر الإسلام في بدر كان ابن رواحة هو البشير بالنصر إلى عاصمة الإسلام.. مهجر محمد.. المدينة.
وبعثه النبي في سرية من ثلاثين راكباً إلى اليهودي الفاجر. أسير بن رقرام بخيبر. فذهب وعاد منتصراً حينما قتل اليهودي. وكان ابن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول: تعال نؤمن بربنا ساعة.. وقال الرسول يثني عليه ((نعم الرجل عبد الله بن رواحة)) وقال في ثناء آخر ((إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة)) وأي مجالس هذه؟ إنها مجالس الإيمان والصلاة والكلم الطيب.
ودخل ابن رواحة المسجد والنبي يخطب. فسمعوا الرسول يقول: أجلسوه. فجلس البطل مكانه خارجاً من المسجد. فلما فرغ النبي من خطبته قال: زادك الله حرصاً على طواعية الله، وطواعية رسوله.
ومرض ابن رواحة فأغمي عليه. فعاده رسول الله ودعا له بقوله: اللَّهم إن كان أجله قد حضر فيسرِّه عليه وإن لم يحضر أجله فاشفه. فشفاه الله بعد ذلك.
وتزوج رجل امرأة ((عبد الله بن رواحة)). فسألها عن صنيعه فقالت: كان إذا أراد الخروج من بيته صلَّى ركعتين وإذا دخل بيته صلَّى ركعتين. وكان أول خارج إلى الغزو.. من الذين ينفرون خفافاً لا يتثاقلون. وكان أول القافلين لا يتأخر عن بيته. وكان سيدنا زيد بن الأرقم - أحد أصدقاء عمر الخاصين - يتيماً في حجر ابن رواحة. فخرج معه إلى مؤتة فسمعه في الليل يقول:
إذا أدنيتني وحملت رحلي
مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك فأنعمي فخلاك ذم
ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المؤمنون وخلفوني
بأرض الشام مشهور الثواء
فبكى زيد. فخفقه بالدرة. وقال ما عليك يا لكع؟ ألا تحب أن يرزقني الله الشهادة. وترجع بين شعبتي الرحل. عجب! كأن الركوب فوق الشداد.. لا يصبح زيد رديفاً حين يموت عبد الله. يكون فرحة كبرى لزيد.. بدوي عربي يعرف معنى السنام والكور. واعتلاء القمة. والاستقلال ولو كان على ظهر بعير.
ونزلت الآية وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (الشعراء: 224) فقال عبد الله: قد علم الله إني منهم. كأنما يستغفر. يطلب الرحمة من ربه وهو العبد المؤمن. ليس من الغواة الفتانين المفتونين. فسمع الله دعاء عبده فأنزل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (الشعراء: 227).
وتحدث ابن رواحة فقال: مررت في مسجد الرسول وهو جالس، عنده ناس من الصحابة في ناحية. فلما رأوني قالوا: يا عبد الله بن رواحة، فجئت، فقال النبي: أجلس ههنا. فجلست بين يديه. فقال: كيف تقول الشعر؟ قلت أنظر في ذلك ثم أقول فقال: عليك بالمشركين. ولم أكن هيأت شيئاً. فنظرت ثم أنشدت:
ثبت اللَّه ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
وأتم قصيدة رائعة. فاقبل النبي بوجهه مبتسماً. وقال: وإياك فثبتك الله. وقد كان ابن رواحة عظيم القدر في الجاهلية والإسلام، يناقض قيس بن الخطيم في حروبهم.
وسمع ينشد بين يدي النبي في عمرة القضاء:
خلوا بني الكفار عن سبيله
اليوم نضربكم على تأويله
حتى يزول الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر. يا ابن رواحة. أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تقول هذا الشعر؟ فقال الرسول: خل عنه يا عمر. فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل.. وما أجمل هذا البيت من قصيدته الأولى:
لو لم تكن فيه آيات مبينة
كانت بديهته تنبيك بالخبر
رضي الله عن ابن رواحة، وجعل مثواه في فسيج الجنان.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :578  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 176 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.