شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَامِرُ بن عَبْدِ اللَّه بن عَبْدِ القَيْس
عامر بن عبد الله بن عبد القيس عنبري من تميم، روى عن عمر وصحبه واهتدى بهديه، تابعي أترجم له.. لأن الترجمة تحلو بعض الحين للذين لم يكونوا من الأولين، وإنما كانوا الخيار في التالين. يعرف المؤرخ أن هدي محمد معه، وأثر الدين ليس وقفاً على أحد ولا حكراً لأحد.. إنها ميزة الإسلام، للناس كافة فلربما وجد رجل اليوم في أقصى الأرض هو خير من كل الذين في أدنى الأرض لا ينفعهم قربهم من دار مباركة. أو في أرض مباركة كما انتفع هو ببركة الإسلام يتبع هداه. ويسير على تقواه ويعبد الله حق عبادته في مصلاه ولو كان نائباً بعيداً فالقبلة مع المسلم في كل مكان في اتجاهه أينما كان.. حينما يتولى وجهه شطر المسجد الحرام يعبد الله.. التقوى كلها في القلب.
كان عامر يأخذ عطاءه من عمر الفين، فلا يمر بسائل إلا أعطاه. ثم يأتي أهله فيلقيه إليهم فيعدونه فيجدونه لم ينقص منه شيء. وذات مرة كان يمر في رحبة فإذا ذمي يظلم، فألقى عامر رداءه ثم قال: لا أرى ذمة الله تخفر وأنا حي؟ فاستنقذه وحينما قال الناس إن عامراً لا يأكل اللحم ولا السمن ولا يصلي في المساجد ولا يتزوج النساء ولا تمس بشرته بشرة أحد. ويقول: إني مثل إبراهيم عند ذلك قال عامر: أما إذا اشتهينا أمرنا بالشاة فذبحت فأكلنا من لحمها، وأما السمن، فإني آكل ما جاء من ها هنا. يعني الجبل، وأما قولهم إني لا أصلي في المساجد فإني إذا كان يوم الجمعة صليت مع الناس ثم اختار الصلاة بعدها هنا. وأما قولهم إني لا أتزوج النساء؛ فإنما لي نفس واحدة فقد خشيت أن تغلبني، وأما قولهم إني زعمت أني مثل إبراهيم فليس هكذا قلت: إنما قلت إني لأرجو أن يجعلني الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وقد حدث أحدهم أنه كان يصحب عامراً في غزاة وفي ليلة ما، رأى عامراً يقوم ليله ويناجي ربه وإذا به يقول بعد أن فرغ من صلاته: اللَّهم سألتك ثلاثة فأعطيتني اثنتين ومنعتني واحدة. اللَّهم فأعطنيها حتى أعبدك كما أحب وكما أريد. وانفجر الصبح. ثم سأل عامر صاحبه: ألا أراك كنت تراعيني منذ الليلة لهممت بك ورفع صوته، وعندها قال صاحبه: دع هذا عنك يا عامر، والله لتحدثني بهذه الثلاث التي سألتها ربك أو لأخبرن بما تكره مما كنت فيه الليلة، قال ويلك لا تفعل! ولما رأى عامر إصرار صاحبه على معرفة هذه الثلاث اشترط عامر عليه ألا يحدث أحداً بها ما دام عامر حياً. وعندها وعده صاحبه وبدأ عامر يقص، إني سألت ربي أن يذهب عني حب النساء ولم يكن شيء أخوف علي في ديني منهن، فوالله ما أبالي امرأة رأيت أم جدارا. وسألت ربي أن لا أخاف أحداً غيره، فوالله ما أخاف أحداً غيره، وسألت ربي أن يذهب النوم حتى أعبده بالليل والنهار كما أريد فمنعني. وقد سأل عامر ربه أن يهون عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار، وسأل ربه يحول بين الشيطان وبين قلبه وهو في الصلاة فلم يقدر على ذلك.
وسئل عامر مرة: ألا تتزوج؟ قال: ما عندي من نشاط وما عندي من مال أغر أمراة مسلمة. وسئل أيضاً السبب في امتناعه عن الزواج. وكانت حجة السائل ألم يقل لك الله: ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية؟ فقال عامر، وقال أيضاً: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون؟.. وقد وشي به إلى زياد فقيل له إن ها هنا رجلاً يقال له: ما إبراهيم خير منك. فيسكت وقد ترك النساء، فكتب فيه إلى عثمان فكتب أن ائت به إلى الشام على قتب، فلما جاء الكتاب أرسل إلى عامر فقال: أنت الذي قيل لك: ما إبراهيم خير منك فسكت؟ قال أما والله ما سكوتي إلا تعجباً لوددت أني كنت غباراً على قدميه يدخل في الجنة، قال: ولم تركت النساء؟ قال: أما والله ما تركتهن إلا إني قد علمت أنه متى ما تكن لي امرأة فعسى أن يكون ولد، ومتى ما يكون ولد يشعب حب الدنيا قلبي فأحببت التخلي من ذلك. فأجلاه على قتب إلى الشام فلما قدم أنزله معاوية معه ((الخضراء)) وبعث إليه بجارية فأمرها أن تعلمه ما حاله. فكان يخرج من السحر فلا تراه إلا بعد العتمة، ويبعث إليه معاوية بطعامه فلا يعرض لشيء منه ويجيء معه بكسرة يجعلها في ماء ثم يأكل منها ويشرب من ذلك الماء ثم يقوم فلا يزال ذلك مقامه حتى يسمع النداء ثم يخرج فلا تراه إلى مثلها. فكتب معاوية إلى عثمان يذكر له حاله، فكتب أن أجعله أول داخل وآخر خارج ومر له بعشرة من الرقيق وعشرة من الظَّهر، فلما أتى معاوية الكتاب أرسل إليه فقال: إن أمير المؤمنين كتب إلي أن آمر لك بعشرة من الرقيق. فقال: إن علي شيطاناً قد غلبني فكيف أجمع عليّ عشرة! قال: وآمر لك بعشرة من الظهر فقال: إن لي لبغلة واحدة وإني لمشفق أن يسألني الله عن فضل ظهرها يوم القيامة، قال وأمرني أن أجعلك أول داخل وآخر خارج، قال: لا أرب لي في ذلك. وكان عامر عندما يخرج للغزو يقف يتوسم الرفاق فإذا رأى رفقة توافقه قال: يا هؤلاء إني أريد أن أصحبكم على أن تعطوني من أنفسكم ثلاث خلال فيقولون: ما هي؟ قال: أكون لكم خادماً لا ينازعني أحد منكم الخدمة، وأكون مؤذناً لا ينازعني أحد منكم الآذان، وأنفق عليكم بقدر طاقتي، فإذا قالوا نعم انضم إليهم فإن نازعه أحد منهم شيئاً من ذلك رحل عنهم إلى غيرهم.
وذهب رجل في جماعته يسأل عنه حينما كان بالشام فقيل له: هناك عجوز في مكان كذا تعرف عنه. فذهب إلى العجوز وسألها عنه فقالت: إنه في سفح الجبل يصلي في الليل والنهار فإن أردته فتحيْنه في وقت فطوره قال: فأتيته فسلمت عليه فسألني مسألة رجل عهده بي بالأمس ولم يسألني عن قومه من مات منهم ومن بقي ولم يسمني العشاء، فقلت له: لقد رأيت منك عجباً، فقال عامر وما هو؟ قلت غبت عنا منذ كذا فسألتني مسألة رجل عهده بي الأمس، قال عامر رأيتك صالحاً فعن أي شأنك أسألك؟ قال ولم تسألني عن قومك من مات منهم ومن بقي وقد علمت مكاني منهم. قال عامر ما أسألك عن قوم من مات منهم فقد مات ومن لم يمت فسيموت. قال: ولم تسمني العشاء، قال قد علمت أنك تأكل طعام الأمراء وفي طعامي هذا خشونة أو جشوبة.
وكان عامر في جيش غازياً، فأصابوا جارية من العدو. ووصفت له بجمالها فقال لصحابه: هبوها لي فإني رجل من الرجال. فوهبوها له، وفرحوا بذلك. لعلّها تكون له امرأة تقوم على شأنه فلما دخلت عليه قال لها: اذهبي فأنت حرة لوجه الله. فقال أصحابه له: يا عامر لو شئت أن يعتق بها كذا أو كذا لأعتقت. فقال: أنا أحاسب ربي؟
وتحدث إليه رجل، إنه سمع من آخر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام. فقال للرسول استغفر لي، فقال: يستغفر لك عامر. وسمع عامر هذا الحديث.. فبكى وبكى حتى سمع له نشيج.
تابعي ثم عالم.. رأى الخير في التقوى فصان نفسه عن بعض الحلال لئلا يقع في حرام، وحبس نفسه على الغزو والعبادة. قد كفى الناس شره ولم ينله شر يثنيه عن التقوى.. إن هؤلاء يوفقهم الله ليكونوا هداة في الأرض. مثلاً علياً في التقوى والزهد ليتعظ الناس. رضي الله عنهم أجمعين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :541  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 170 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج