شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الطَّفَيْلُ بن عَمْروٍ الدَّوْسِي
الطفيل بن عمرو الدوسي ذو النور، من رهط أبي هريرة رضي الله عنهما.
الدعوة إلى الإسلام قائمة، والمعركة مع قريش محتدمة، وقبائل العرب في حجازها ونجدها، في تهامتها ويمنها كل منها يترقب ما تسفر عنه هذه المعركة، هل ينتصر الدين الجديد، أو تنتصر قريش..؟ إنه الانتظار، وإنها المعجزة. محمد لم يغزهم ولم يصل إليهم، وقريش لم تنتصر عليه، والوضع في نظرهم لا يعدو من أن يكون خصومة بين قريش وواحد منها. فليدع الدخول في ذلك. ولكن الهدوء والترقب والانتظار في القبائل لا يعني الهدوء في أفراد من رجال نابغين نابهين في قبائل العرب. يسمعون عما هو حاصل في مكة فلا يحركون.. وتحرك رجال يريدون أن يعرفوا الخبر بأنفسهم ليعرفوا عن هذا الذي يسمعون أكثر مما سمعوا، وليعلموا عما نقل إليهم علم اليقين بمشاهدته ليحكموا حكماً يصدر عن اليقين والمشاهدة، وبطلنا اليوم الطفيل بن عمرو، قدم إلى مكة من أجل ذلك، فلنسمع إليه يحدثنا عن نفسه وكيف أسلم وكيف انتهى أمره.
قال: كنت رجلاً شاعراً سيداً في قومي فقدمت مكة فمشيت إلى رجال من قريش فقالوا: يا طفيل إنك امرؤ شاعر، وسيد مطاع في قومك، وأنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك بعض حديثه فإنما حديثه كالسحر فأحذره أن يدخل عليك وعلى قومك، ما أدخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وأبيه، فوالله ما زالوا يحدثونني وينهونني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا سادّ أذني، فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفاً ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائم في المسجد فقمت منه قريباً. وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فقلت في نفسي: والله إن هذا لمعجز والله إني امرؤ ثبت، ما يخفى علي من الأمور لا حسنها ولا قبيحها والله لأستمعن منه. فإن كان امرؤ مرشداً أخذت منه وإن كان غير ذلك اجتنبته. فقمت بالكرسفة فنزعتها من أذني فألقيتها ثم استمعت له، فلم أسمع كلاماً قط أحسن من كلام يتكلم به، فقلت في نفسي (يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن منه ولا أجمل) قال: ثم انتظرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف فاتبعته، فدخلت معه بيته فقلت له يا محمد: إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فأخبرته بالذي قالوا وقد أبى الله فأسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق فأعرض على دينك وما تأمر به وما تنهي عنه، قال فعرض عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، ثم قلت يا رسول الله: إني أرجع إلى ((دوْس))، وأنا فيهم مطاع وأنا داعيهم إلى الإسلام لعلّ الله أن يهديهم فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه فقال ((اللَّهم اجعل له آية تعينه على ما ينوي من الخير)). فخرجت حتى أشرفت على ثنية أهلي التي تهبطني على حاضرة دوس، وأبي هناك شيخ كبير وامرأتي ووالدتي، فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نوراً كالشهاب يتراآه الحاضر في ظلمة الليل، وأنا لنهبط من الثنية. فقلت: اللَّهم في غير وجهي فإنني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول في رأس سوطي فلقد رأيتني أشير على بعيري إليهم وأنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه حتى قدمت عليهم فأتاني أبي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني، قال وما ذاك يا بني؟ قلت: أسلمت وأتبعت دين محمد. قال: أي بني فإن ديني دينك فاسلم وحسن إسلامه. ثم أتتني صاحبتي فقلت إليك عني فلست منك ولست مني، فقالت: وما ذاك بأبي وأمي قلت: أسلمت وأتبعت دين محمد فلست تحلين لي ولا أحل لك قالت: فديني دينك. قلت: فاعمدي إلى هذه المياه فاغتسلي منها. وتطهَّري وتعالي. قال ففعلت ثم جاءت فاسلمت وحسن إسلامها. ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبت علي وتعاصت.
ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقلت يا رسول الله غلب على دوس الزنا والربا فادع الله عليهم. فقال: ((اللَّهم اهد دوساً)) ثم رجعت إليهم.. وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام حتى استجاب لي منهم من استجاب، وسبقتني بدر وأُحد والخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس إلى المدينة، فكنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها حتى فتح الله مكة فقلت يا رسول الله إبعثني إلى ذي الكفين صنم بني عمرو حتى أحرقه، قال: ((أجل فأخرج إليه فأحرقه)) فخرجت حتى قدمت عليه فجعلت أوقد عليه النار وهو يشتعل بالنار، واسمه ذو الكفين وأنا أقول: يا ذا الكفين لست من عبادكا، ميلادنا أكبر من ميلادكا، إني حشوت النار في فؤادكا.
ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقمت معه حتى قبض.. فلما بعث أبو بكر بعثه إلى مسيلمة الكذاب، خرجت مع المسلمين ومعي ابني عمرو بن الطفيل، حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا فقلت لأصحابي إني قد رأيت رؤيا عبّروها، قالوا: وما رأيت؟ قلت رأيت رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها، وكان ابني يطلبني طلباً حثيثاً فحيل بيني وبينه، قالوا خيراً، فقلت: أما أنا والله فقد أولتها، أما حلق رأسي فقطعه، وأما الطائر فروحي، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها فقد رجوت أن اقتل شهيداً، وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة ولا أراه يلحق بي لسفرنا هذا، فقتل الطفيل شهيداً يوم اليمامة، ونجا ابنه ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيداً رضي الله عنه..
أب كريم، وولد كريم. أكرمهما الله بالشهادة. ذاك في اليمامة في يوم حاسم. وهذا في اليرموك في يوم حاسم. وهكذا ترجم بطلنا لنفسه بروايته قصة إسلامه، وقصة أعماله واستشهاده. حياة لم تكن طويلة مليئة بالأحداث ولكنها عريضة كل العرض. أسلم هو ودعا قومه إلى الإسلام وصان قومه عن الشرك، وأقام فيهم يحوطهم عن الفساد، وحين استيقن ثباتهم على الإسلام سعى لنفسه يطلب الشهادة في وقت ضيق على المسلمين.. أيام الردة. إن الواحد في ذلك عن كثير، فكأنما هو السبق إلى عمل صالح يضعه في السابقين الأولين وهو منهم إن شاء الله. رضي الله عنه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :583  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 158 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج