شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بِلاَل بن أبي رَبَاح
بلال بن أبي رباح عبد حبشي أمه حمامة. ذكروا أنها واحدة من بنات الأكابر في جيش أبرهة صاحب الفيل. سبتها العرب الذين تقفوا آثار الجيش الغازي الهالك. أباده الله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (الفيل: 1 - 5) واشتراها خلف أحد بني جمح من قريش، والدامية بنت خلف وأبي بن خلف. وتركها في السراة تخدم في بعض ما يملك هناك. وزوّجها بعد لعبده رباح فأنجب بلالاً. ويا خير من أنجبا إنه بطل هذه السيرة. وأسلم بلال. فكبر على سيده أمية بن خلف أن يصبأ عن دينه غلام، عبد يسفه آلهة أمية.. ويسب هبل، ويوحد الله. وأخذ أمية يعذبه فقد كان من المستضعفين المؤمنين، وكان يعذب حين أسلم ليرجع عن دينه. فما أعطاهم قط كلمة بما يريدون. وكان إذا اشتد عليه العذاب يقول: أحد. أحد. فيضربونه ليقول ما يريدون. فيجيب إن لساني لا يحسنه. لا. إن قلبه لا ينطق به، إن إيمانه منعه.. إنها هداية الله دخلت قلباً. عمرته بالإيمان. فحصنته من الزيغ. ولو كان الجلد والضرب و ((السحل)) في الرمضاء. وشراه أبو بكر.. مر يوماً من أيام العذاب يطرح فيها بلال في الرمضاء. فدفع ثمن العبد وأعطى بلالاً قيمة السيد.
إن بلالاً أخذه أهله فحطوه وألقوا عليه من البطحاء، وجلد بقرة. وجعلوا يقولون: ربك اللات والعزى، ويقول: أحد. أحد. ووقف الصديق يسأل أمية: إلى متى تعذبون هذا الإنسان؟ وكأنما أرادت كلمة الكفر أن تتحدى فضل الصديق المؤمن.. فقال أمية: اشتره.. واشتراه أبو بكر بسبع أواق، وجاء أبو بكر يركض. لا فرحاً بصدقة، ولا مزهواً بمنة. وإنما هي المسرة بمؤمن يخرج عتيقاً من العذاب. بلال عتيق أبي بكر، وأبو بكر عتيق الرحمن.. لأنه أعتق نفسه من الشرك. ولأنه أعتق ثمانية يعذبون في الله. وأخبر أبو بكر النبي فسر بذلك وقال: الشركة يا أبا بكر. الشركة يا أبا بكر. وأجاب أبو بكر، شاكراً الله على توفيقه. قد أعتقته يا رسول الله. وبعدها أصبح عمر يقول: كلما ذكرت الشمائل: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا. وهزئ أبو جهل، وسخر أمية، وعاند آخرون، ولكن إلى يوم فيه عذاب شديد للظالمين. وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ، أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ؟.
يصف القرآن غرور أبي جهل وأمية حينما يكبون في النار، فيسألون عن بلال وعمار وصهيب وخباب.. يعجبون من هؤلاء الفقراء الضعفاء. لا يجدونهم معهم في النار.
أول من أظهر الإسلام سبعة.. رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو بكر وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار وسمية أم عمار. أما رسول الله فمنعه عمه. وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ. فأعطوهم ما سألوا - إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان - إلا بلالاً. فلما كان العشي جاء أبو جهل يشتم سمية ويرفسها ثم طعنها فقتلها، فهي أول شهيد في الإسلام. أما بلال فقد هانت عليه نفسه حتى ملوه، فجعلوا في عنقه حبلاً ثم أمروا صبيانهم أن يشدوه به بين أخشبي مكة. فجعل بلال يقولك أحد أحد. وجلا الله الكرب. فهاجر بلال إلى المدينة ونزل على سعد بن خيثمة، فآخى الرسول بينه وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب. أول من أذّن في الإسلام. فأمره رسول الله يوم الفتح أن يؤذن على ظهر الكعبة. فلبى بلال ولم يكن هو الذي فوقها. وإنما هو ذكر الله.
وكم هو سخيف هذا الموقف من الحارث بن هشام. وصفوان بن أمية بن خلف. قبل أن يسلم. فقال أحدهما للآخر - ولعلّه الحارث بن هشام - انظر إلى هذا الحبشي. وقال الآخر - ولعلّه صفوان - أن يكرهه الله يغيره. كلمة حق جدير بها بيت الله. ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء بلال إلى أبي بكر وقال له: يا خليفة رسول الله إني سمعت رسول الله وهو يقول: (أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله) فقال أبو بكر: ما تشاء يا بلال. فقال بلال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت. فقال أبو بكر: أنشدك الله يا جلال. بحرمتي وحقي. فقد كبرت وضعفت. وأقترب أجلي. فأقام بلال مع أبي بكر حتى توفي أبو بكر. فلما توفي جاء بلال إلى عمر فقال له كما قال لأبي بكر. فرد عليه عمر كما رد عليه أبو بكر. فأبى بلال على عمر ذلك.
ماذا يريد أبو بكر من بلال. هل يريد أن يخدمه. يحطب له. يسقي له. يعمل له. لا. لا. إنه يريد الصديق لا المولى. يريد الصادق، الأخ، المؤمن، يضن به أن يذهب، أنساً به واحتراماً له. وكم كان هذا العبد الحبشي سيداً عظيماً. كان لبلال أخ ينسب نفسه إلى العرب. خطب امرأة من العرب. فذهب إليهم بلال وقال: أنا بلال، وهذا أخي. عبدان من الحبشة. كنا ضالين فهدانا الله. وكنا رقيقين فأعتقنا الله. إن تنكحونا فالحمد لله وإن تمنعونا فالله أكبر.
وقد قالوا إنه تحدث عن هذا الموضوع مرة أخرى في صورة أخرى:
((أنا بلال وهذا أخي. وهو امرؤ سيئ الخلق والدين. فإن شئتم أن تزوجوه وإن شئتم أن تدعوا فدعوا)). فقالوا: من تكن أخاه نزوجه. فزوجوه.
وجاء بنو أبي البكير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: زوج أختنا فلاناً.. فقال لهم أين أنتم عن بلال. ثم جاءوا مرة أخرى فقالوا قولهم الأول. فقال النبي: أين أنتم عن بلال ثم جاءوا الثالثة. فقال الرسول: أين أنتم عن رجل من أهل الجنة؟ فأطاعوا وأنكحوه. وكان بلال رجلاً آدم. شديد الأدمة. نحيفاً طوالاً، أجناً. له شعر كثير. خفيف العارضين، به شمط كثير لا يغير.
وشهد بلال بدراً واحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والتحم القتال في بدر فأخذ بلال يجول بين الصفوف ويقول: أين أمية - يعني أمية بن خلف سيده الذي باعه بعد أن عذبه - أين أمية؟ لا نجوت إن نجا أمية. ووجده طريحاً وقد احتمى بعبد الرحمن بن عوف - كأنما هو أسير له. فلم يسأل بلال. ونازع عبد الرحمن بن عوف عليه حتى قتله. فكان عبد الرحمن المؤمن الأخ، يقول: يرحم الله بلالاً، قتل أسيري.. وحرمني سلبه.
وأما أبي بن خلف فقد قتله النبي يوم أُحد. فلم يقتل بيده واحداً غيره. وأما صفوان بن أمية. فقد أسلم في الجعرّانة. وحسن إسلامه. وكان من خيار الناس وكرام الصحابة وأعيان قريش.
وهكذا انتصر بلال. يجر أمية قتيلاً في معركة نظيفة. وبطولة فارس. وجد القوة فانتصف. أنصفه الله وأحسن إليه. ونزل القرآن يثني على أبي بكر. ويذم أمية. كل ذلك مفسر في سورة الليل. الأتقى أبو بكر. والأشقى أمية. ومن يقرأ سورة الليل يجدها واضحة المعالم. تبين حظ المؤمن المحسن. ومصير الكافر المسيء..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :593  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 149 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج