شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عُتْبَةُ بن غَزْوَان
مازني قيسي. حليف قريش، كان رجلاً طوالاً جميلاً، من السابقين الأولين. هاجر إلى الحبشة وشهد بدراً.. أحد الأبطال الذين شادوا العراق وفتحوا أرض فارس. فتح الأبلة ((مكان البصرة)) فأمره عمر عليها. فبصر البصرة واختطها، وبنى بها مسجداً من القصب ((أعواد الذرة)) ولم يتخذ داراً وإنما كان يسكن خيمة من أكسية.. عظم في النفوس..
كان صديقاً لسعد بن أبي وقاص. وأحد أبطاله ومشيريه لأن عمر أوصاه به: ((فإن له من الإسلام مكاناً)) خطب عتبة أول خطبته في البصرة. فقال الحمد لله. أحمده وأستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. أمَّا بعد أيها الناس. فإن الدنيا قد ولت حذّاء وآذنت أهلها بوداع، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، ألا وإنكم تاركوها لا محالة، فاتركوها بخير ما بحضرتكم. ألا وأن من العجب أن يؤتى بالحجر الضخم، فيلقى من شفير جهنم فيهوى سبعين عاماً حتى يبلغ قعرها والله لتملأن. ألا وأن من العجيب أن للجنة سبعة أبواب، عرض ما بين جانبي الباب مسيرة خمسين عاماً وأيم الله لتأتين عليها ساعة وهي كظيظة من الزحام. ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة، ما لنا طعام إلا ورق البشام، وشوك القتاد، حتى قرحت أشداقنا، ولقد التقطت بردة يومئذ فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص. ولقد رأيتنا بعد ذلك وما منا أيها الرهط السبعة إلا أمير على مصر من الأمصار، وأنه لم تكن نبوة إلا تناسخها ملك فأعوذ بالله أن يدركنا ذلك الزمان الذي يكون فيه السلطان ملكاً، وأعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وفي أنفس الناس صغيراً، وستجربون الأمراء بعدنا وتجربون فتعرفون وتنكرون.
ولم يكمل خطبته حتى جاءه كتاب من عمر يقول فيه: ((فإن أبا عبد الله الثقفي قد أقتنى خيلاً بالبصرة حين لا يقتنيها أحد.. فإذا جاءك كتابي هذا فأحسن جواره وأعنه على ما استعانك عليه. يشجعه على رباط الخيل عدة الحرب حينذاك. ليكون الرباط على أي صورة وبأي قوة في أي وقت. وأسر عتبة أحد المرازبة، وكان شديداً على المسلمين، فضرب عنقه وأخذ قباءه، ومنطقته فيها الذهب والجوهر. فبعث كل ذلك إلى عمر)).
وتلقى الناس رسول عتبة فسألوه عن الحال؟ فقال: يا معشر المسلمين عم تسألون؟ تركت الناس، يهتالون الذهب والفضة، فنشط الناس إلى الغزو. وأرسل عمر إليه الإمداد حتى كثر الرجال عنده. وكان يحسب من عمال سعد. يتلقى الأمر منه إلا ما يبدو من عمر.. يكتب إلى عتبة ابتداء. ووجد عتبة من ذلك. يريد ألا يكون تابعاً لسعد. بل يتبع الخليفة رأساً.. وأستأذن عتبة عمر ليقدم عليه فأذن له، واستخلف المغيرة بن شعبة نائباً عنه، فقدم عتبة على عمر وشكا إليه تسلط سعد، فسكت عنه عمر. فأعاد ذلك عتبة مراراً وأكثر على عمر. وتكلم عمر. فقال وما عليك أن تقر بالإمرة لرجل من قريش له شرف وصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقال عتبة: ألست من قريش؟ يعني نفسه، وقد قال رسول الله.. حليف القوم منهم، ولي صحبة مع رسول الله قديمة لا تنكر ولا تدفع.
وقال عمر: لا ينكر ذلك من فضلك. فقال عتبة: أما إذا صار الأمر إلى هذا، فوالله لا أرجع إليها أبداً.. فأبى عمر إلا أن يرده إليها. فسمع وأطاع ولكنه مات في الطريق، كأنما برت يمينه فلم يعد إليها. نفوس البشر، ولعلّ المغيرة بن شعبة صاحب أثر في ذلك رضي الله عنه.
وما أحسب إلا أنهم الآن.. يطئون خضراء الجنة، قد نزع الغل من قلوبهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً فلا تنكر على البشر الزلات، واسألوا المغفرة. ليكن الوازع من دين.
وعجيب أمر أصحاب محمد.. لكل واحد منهم ميزة، ولكل صحابي منقبة، وفي حياة كل منهم عظة عظيمهم وحقيرهم، سابقهم ومن تبعه، رضي الله عنهم أجمعين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :586  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 145 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.