شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قُدامَة بن مَظعُون
قدامة بن مظعون.. أخو عثمان بن مظعون، وقد كانا أخوي رسول الله من الرضاعة.. عرف الناس حب الرسول لهما، من حبه عثمان حينما مات عثمان، فقد أثنى عليه وبشر أنه في الجنة.
إنهما فرسا رهان، في القربى والتقوى.. مات عثمان وعاش قدامة، ومن طالت به الحياة طار عنه الخبر الكثير، وسارت بسيرته الفاضلة الرواية.. وإنها لسيرة فيها عبر وعظات.. لهذا اخترت أن يكون هو البطل..
وقدامة ((سهمي)) من رهط عمرو بن العاص بن وائل.. والعاص بن وائل ((الأبتر)) لم يؤمن بل كان حرباً على الإسلام، قد بلغ به الكبر والغني مبلغ البطر والتكذيب، أغراه التبختر في الديباج، موشَّى بخيوط الذهب أن يكذب الصادق المصدوق (صلى الله عليه وسلم) فلم يأبه قدامة بسيد قومه فآمن هو وأخوه.
كان من السابقين الأولين.. تحدثوا عنه. فقالوا: كان قدامة أحد السابقين الأولين قد هاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد كلها. وناهيك بفضل من شهد بدراً.. إنه أحد الذين وضعوا الأسس لنصر الإسلام في أول معركة يطَّرد فيها النصر. ترتفع به رايات الإسلام، له القربى مع عمر ابن الخطاب، فقد تزوج قدامة صفية بنت الخطاب أخت عمر، وتزوج عمر أخت قدامة، فولدت له حفصة أم المؤمنين، وعبد الله من خيار المؤمنين، فكل منهما خال أبناء الآخر.. إنها قربى ماسَّة.. ولكن هل تنفع القربى هذه مع حاكم مثل عمر؟.. لا.. لا..
وهذا ما يظهر بعد في حياة البطل فقد تحدثوا: إن عبد الله بن عمر قال: ترك خالي عثمان ابن مظعون ابنته في وصاية خالي قدامة. فأحببت أن أتزوجها فمضيت إلى قدامة. أخطبها إليه فكاد يستجيب لي. ولكن المغيرة ابن شعبة كان قد سبق إلى أمها فأرغبها بالمال فكان رأي ((الجارية)) مع أمها.. وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلى قدامة يسأله، فقال قدامة: يا رسول الله إنها ابنة أخي، ولم آل أن اختار لها.. فقال النبي: هي ثيَّب ولا تنكح إلا بإذنها فأنتزعها من عبد الله بن عمر وزوجها المغيرة.. لأنها اختارته تبعاً لاختيار أمها، أو لأنه هو الأصلح لها. وتحدثوا عنه فقالوا: إن عمر قد أمَّر قدامة على البحرين.. فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر من البحرين، فقال: يا أمير المؤمنين. إن قدامة شرب فسكر وإني رأيت حداً من حدود الله حقاً عليّ أن أرفعه إليك، فقال عمر: من يشهد معك..؟ قال الجارود: أبو هريرة.. فدعا عمر أبا هريرة وقال له: بم تشهد..؟ قال أبو هريرة: لم أره شرب ولكني رأيته سكران يقيء، فقال عمر: لقد كتب إلى قدامة أن يقدم من البحرين إلى المدينة، فلما وصل.. قال الجارود: أقم على هذا كتاب الله.. فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد؟ فقال شهيد.. فقال له عمر: قد أدّيت شهادتك فصمت الجارود. ثم غدا على عمر، ليقول: أقم على هذا حد الله.. فأجابه عمر: ما أراك إلا خصماً وما شهد معك إلا رجل واحد.. فقال الجارود: أنشدك الله.. فقال عمر: لتمسكن لسانك أو لأسوأنك. ولم يسكت الجارود هذه المرة.. بل قال: يا عمر ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوءني..
وتكلم أبو هريرة: يا أمير المؤمنين. إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فاسألها.. يعني امرأة قدامة.. وأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها.. فأقامت الشهادة على زوجها. وثبت الحق عند عمر، وقال لقدامة: إني حادك.. فقال قدامة: لو شربت كما تقول ما كان لكم أن تحدوني.. فقال عمر: لم؟ قال قدامة: قال الله عزّ وجلّ: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ (المائدة: 93) فقال عمر: أخطأت التأويل.. أنت إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله، ثم أقبل عمر على الناس فقال: ما ترون في جلد قدامة؟ فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام مريضاً.. فسكت على ذلك أياماً ثم أصبح وقد عزم على جلده فقال: ما ترون في جلد قدامة. فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً. فقال: عمر لأن يلقى الله تحت السياط أحبّ إلي من أن ألقاه وهو في عنقي.. ائتوني بسوط تام. فأمر به فجلد، فغاضب عمر قدامة وهجره فحج عمر وحج قدامة وهو مغاضب له، فلما قفلا من حجهما ونزل عمر بالسقيا نام، فلما استيقظ من نومه قال: عجلوا بقدامة فوالله لقد أتاني آت في منامي فقال لي: سالم قدامة فإنه أخوك عجلوا علي به، فلما أتوه أبى أن يأتي فأمر به عمر أن يجروه إليه فكلمه واستغفر له. وتصالح الأصدقاء.. ونزع الله الغل ولن يكون بينهما غل.
ولا أريد الكلام عن الفقه في قصة ابنة عثمان: تخيرت غير أن ابن خالها وهو التقي البر الخير، عبد الله بن عمر، فإنها مسألة واضحة لا تغضب عبد الله بن عمر لأنها جاءت كالصريح من أمر رسول الله؟ وجلد عمر قدامة الصهر الصديق، لأن عمر لا يخاف فقد جلد ابنه. إن عمر الحاكم لا تأخذه في الله لومة لائم، وإن كان هذا القريب التقي البر من الذين شهدوا بدراً. ولو كان عمر ضعيفاً خائراً لا يرقب الله لوجد مخرجاً في عدم الجلد..
الصحاب نصحوا ألا يجلده وهو مريض، وليس هذا بالمخرج، بل هناك مخرج، أليس قدامة شهد بدراً وأهل بدر مغفور لهم ما تقدم وما تأخر من الذنب. كلام النبوة. سمعه عمر في قصة حاطب بن أبي بلتعة.. حادثة تجسس عفا عنها الرسول لأن حاطباً من أهل بدر. أليس في هذا دليل ينفع لعمر لو أراد عمر الخروج من حد قدامة.. يتركه يعمل ما يشاء لأنه من أهل بدر لا.. إن عمر لا يرى هذا يحل المعصية أو يلغي الحد.. الرسول أكرم حاطباً فعذره وعفا عنه، أما عمر فلا. لئلا يتهم أنه يحابي صهره. وهكذا: لئلا يقول أحد الذين يدّعون أنهم المبرءون المطهرون قولاً غير كريم في أحد من البشر قد أتى بمعصية، فإني أحسب أن وقوع هذه الحوادث من الأتقياء الأبرار، إنما كان للعظة والعبرة.. لا يجرئ الناس وإنما ليصونوا ألسنتهم عن إخوانهم الذين وقعوا في معصية.
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :811  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 140 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج