شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مُصْعَبُ بن عُمَيْر
مصعب الخير. ابن عمير العبدري. من هو؟ وكيف كان؟ هو من علية قريش حسباً ونسباً.. السدانة اللواء.. العزة في بيته وفي كنف أبويه ولهما من الغنى والجاه ما يغنيه عن تحمل المشقة في أي سبيل. ولكنها الهداية، ولكنها الروح تسعى لترى الخير والنور.
وصفه بعض أهله.. فقالوا كان مصعب فتى مكة شباباً وجمالاً وسبيباً (جمال الشعر) أي كان هو سبيب الخيل.. كانت أمه (مليئة) أي غنية تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه وكان أعطر أهل مكة. يلبس الحضرمي من النعال.. أما رسول الله فكان يذكره قائلاً: ما رأيت بمكة أحسن لمة، ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير.. هذه النعمة وهذا الترف خرج منه مصعب بن عمير ليدخل الإسلام، أسلم ورسول الله في دار الأرقم المخزومي وكتم مصعب إسلامه. يخاف غضب أمه، وعلمت بإسلامه من ابن عمه عثمان بن طلحة العبدري، كان مشركاً لم يسلم فأخبر أمه.. فعذبوه.. حبسوه حتى خرج مهاجراً إلى الحبشة في الهجرة الأولى ورجع.. رجع متغير الحال قد حرج.. يعني سمن، فرحمته أمه فلم تلمه ولم تعذبه.
تحدث عمر بن عبد العزيز وكان يومها أميراً على المدينة فقال: أقبل مصعب بن عمير ذات يوم والنبي جالس في أصحابه وعليه ((يعني مصعباً)) نمرة وصلها بإهاب قد ردته ثم وصله إليها.. فلما رآه أصحاب النبي نكسوا رؤوسهم رحمة له، وليس عندهم ما يغيرون عنه. فسلم مصعب فرد عليه النبي وأحسن الثناء عليه وقال الرسول: الحمد لله مقلب الدنيا بأهلها. لقد رأيت هذا (يعني مصعباً) وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه نعيماً منه ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير في حب الله ورسوله.
هاجر الهجرتين إلى الحبشة وهاجر إلى المدينة. فهو أول من وصل إليها من أصحاب رسول الله، وقد بعثه رسول الله سفيراً إلى الأنصار، وقارئاً مقرئاً لهم فجمع بهم أول جمعة في الإسلام. ولما شعر أن الإسلام وطيد الأركان في أرض الهجرة، ذهب إلى مكة وتحدث إلى النبي يشير عليه بالهجرة ويخبره بإلحاح الأنصار.. يستعجلون حضور النبي.
عتبت عليه أمه: كيف تأتي مكة فلا أراك قبل الناس فقال: ما كنت مقدّماً على رسول الله أحداً.
كان لواء الرسول في بدر معه فانتصر، وكان لواء الإسلام في أحد معه، فقتل وهو يحتضنه يدفع عنه المشركين.
أتدرون كيف قتل؟ قتل وهو يقول وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ (آل عمران : 144) أجراها الله على لسانه قبل أن تنزل آية في الكتاب الكريم. وكان ثباته به كثبات أبي بكر بها تثبيتاً للمسلمين في يومين حالكين؛ الأول يوم قالها الشيطان في أحد يصرخ في المسلمين يفتّ في عضدهم، أن محمداً قد قتل، فصرخ مصعب وما محمد إلاّ رسول. والثاني.. يوم قال الناس لم يمت محمد.. دهشة من خبر وفاته ومن هول الصدمة فصرخ فيهم أبو بكر، وما محمد إلا رسول..
وثبت الله المسلمين.. وقتل مصعب في أحد وهو يحتضن لواء الإسلام. وأرادوا دفنه.. كان عليه ثوب إن غطى رأسه كشفت رجلاه وإن غطى رجله كشفت رأسه، فقال رسول الله: غطوا رأسه بثوبه وضعوا على رجله الأذخر.. هذا الذي كان يلبس أحسن الثياب لا يجد ثوباً يكفن فيه.. وهذا ما جعل عبد الرحمن بن عوف يبكي وقد مد بين يديه سماط فيه رغيد العيش، فلما سئل قال: أخشى أنها عجلت لنا، وحكى قصة مصعب لا يجد ثوباً يكفن فيه.
في مطلع عامنا الهجري أضع سيرة هذا البطل لأنه أول من هاجر ومن خير من قاتل حتى استشهد، إنها سيرة كلها نور، لعلّ فيها من الدافع ما يحفز الذين على الأثر.
وقد كمل النور حينماً صلَّى عليه رسول الله وأخذ يتلو هذا النور من القرآن مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (الأحزاب: 23).
تحسب أنها نزلت فيه، وتحسب أنها نزلت في سعد بن معاذ، ولعلّ الحق أنها ثناء الله عليهما وعلى أمثالهما..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :696  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 141 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.