شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مؤتمر الفقه الإسلامي
مؤتمر الفقه الإسلامي ليس بدعاً أن يعقد في الرياض، تحتضنه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهو ليس أول مبادرة من الدولة السعودية المسلمة والعربية.. تصنع نفسها من أول يوم من أيامها.. الناجحة بنشر الدعوة السلفية - نجاحاً في تشكيل قاعدة على أساس من هذه العقيدة، تقودها إمامة فرضت على نفسها أن تنصر الإسلام وتعود به إلى عقيدة السلف. لأن هذه الإمامة عرفت أنه لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما هو الفقه؟
سيأتي تعريفه لغة بعد، وستأتي الخواطر عنه كذلك.. تشرحه وتوضحه وتضعه أمام الفهم الصحيح فكراً صحيحاً.
إن الإيمان في تعريفه: هو قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.
القول باللسان: هو الإسلام في الشهادتين وما بعدها من أركان، واعتقاد الجنان هو رسوخ الإيمان والتصديق به وله - أما العمل بالأركان فلا يعني إلا الفقه، فالفقه إذن هو الفقرة الثالثة من تعريف الإيمان ينظم أعماله، يبين أحواله، يسعد مآله، ويرقى بالمسلم إلى عمل نظيف، سواء كان عبادة أو تعاملاً أو عادة، فالإسلام عملاً وديناً لا بد أن يكون مفهوماً بالفقه.
ومن الدقة بمكان أن نظام التشريع الإسلامي لم تكن له التسمية بالنظام أو القانون وما إلى ذلك.. وإنما كانت التسمية الدقيقة هي الفقه، فالنظام والقانون تحديد قد يكون جامداً على نصوص وضعت.. أما الفقه فمستمر في كل حال وكل حادثة.. في كل لحظة نجد الفقيه يصدر الحكم مستمداً من المصدر، وما هو المصدر للفقه: هو الكتاب والسنة فالتعريف الدقيق هكذا.. الكتاب والسنة المصدر للفقه.. تعريف حاصر للمصدر. أما التعريف الآخر: الكتاب والسنة مصدر للفقه.. فإنه يدخل عليه مصادر أخرى، وحتى الاجتهاد كمصدر أو القياس فليس هو الرأي دون دليل مستمد من الكتاب والسنة، فالسرمدية لهذا الدين تعني المرونة في إصدار الأحكام المستمدة من المصدر.
والمذهب في التعريف الصحيح ليس عقيدة المسلم، وإنما هو فتوى الإمام يؤدي بها المسلم أعماله ثم إن الوضع في ذلك هكذا.
العامي لا مذهب له - فالمذهب مذهب المفتي إن وجد المسلم يسير نحو الميسرات.. أفتاه بما يعسر لئلا يقع في هذا الميسر.. فينحل أمره وإن وجد المسلم في عسر جاءه المفتي بيسر يخرجه من عسر.
ونأتي بعد بالتتمة التالية عن خواطر التعريف وخواطر الإلزام بالفقه.
فالفقه لغة: هو العلم بالشيء والفهم له، أما في الاصطلاح: فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، أو هو ((معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والندب والكراهة والإباحة)) على حد تعبير ابن خلدون في مقدمته الشهيرة.
وليس تعبير ابن خلدون إلا تعريفاً لمعنى التشريع من الفقه.. أما التعريف لغة ففي هذه الآية: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي (طه: 25 - 28).
وفي هذه الآية: فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (النساء: 78).
كما هو التعريف في هذا الحديث في دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنه: اللَّهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، وكما هو في الحديث الآخر: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
والتشريع الإسلامي لا يهتم بالجانب الديني من حياة الإنسان فحسب، وإنما هو يوائم بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسد، ويواجه الحياة على هذه الأرض لكل ما فيها من صور النشاط الإنساني، فإلى جانب تنقية العقيدة والارتفاع بها عن كل الشبهات، يحرص التشريع على تنظيم المعاملات والعلاقات الإنسانية للمجتمع الإسلامي تنظيماً دقيقاً. ولهذا جرى العرف على تقسيم مباحث الفقه إلى عبادات ومعاملات، والحقيقة أن كلمة المعاملات هنا تتسع لتشمل كل المباحث القانونية المعروفة في العصر الحديث بما في ذلك القانون العام والخاص والقانون المدني وقانون العقوبات، بالإضافة إلى المباحث السياسية والاجتماعية.
ولقد استطاعت مبادئ الفقه الإسلامي وأحكامه أن تحكم النشاط البشري للمجتمع المسلم خلال قرون عديدة، وأن ترى قواعد السلوك الرفيع لبني الإنسان ليضمنوا لأنفسهم حسن المحيا والممات.. وحينما توقف المد الإسلامي وأصيب المسلمون بالعقم والجمود وبدأت الحضارة الغربية تقتحم على المسلمين أبوابهم، لم تستطع تلك الحضارة بكل ثقلها أن تنال من جانب العقيدة، ومن ثم ركزت هجومها على الجانب التطبيقي لحياة المسلمين، فمضى أدعياؤها يزعمون أن نظام الحياة الإسلامية هو المتسبب في جمود المسلمين وتخلفهم عن ركب المدنية الحديثة.
((ولما كان الفقه هو الذي يمثل هذه الناحية في حياة المسلمين، كان هو خط الدفاع الأول للإسلام ضد هذه الهجمات المتواصلة من قبل المدنية الغربية)) كما يقول الدكتور علي حسن عبد القادر في كتابه ((نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي)).
ومن هنا كان لا بد لمؤتمر الفقه الإسلامي هذا أن يناقش قضية تطبيق الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وأن يرد الشبهات التي تثار حول تطبيق تلك الشريعة الغراء في عصرنا الحديث، وأن يكشف الأبعاد الحقيقية للغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام.
وفي وقت لا يوجد فيه دولة إسلامية على وجه الأرض تطبق شريعة الإسلام وحدود الله غير المملكة العربية السعودية، يجد المؤتمر نفسه أمام تحد كبير ينبغي أن يتصدى له، ولهذا كان موضوع القضاء في الإسلام وأثر تطبيق الحدود الشرعية في تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع من الموضوعات التي فرضت نفسها بإلحاح على هذا المؤتمر الكبير.
وفي عصر تتصارع فيه القوى العالمية وتتعدد فيه المذاهب الاقتصادية بما لها من انعكاسات على الأوضاع السياسية والاجتماعية، يتلفت المسلم حوله فلا يجد غير النظام الربوي يحاصره من كل اتجاه متمثلاً في البنوك وشركات التأمين وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الحديثة. ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا إن الإنسان المسلم في أي مجتمع من المجتمعات - حتى الإسلامية منها - كثيراً ما يجد نفسه مضطراً للتعامل مع بعض هذه الأنظمة من قريب أو بعيد. ومن هنا تبرز أهمية معالجة قضايا الاقتصاد المعاصرة في ضوء التشريع الإسلامي ومدى وفاء الشريعة الإسلامية باحتياجات البشر الاقتصادية، ومن هنا أيضاً كان موضوع ((تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي وأثره في المجتمع)) و ((المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق)) من موضوعات البحث في هذا المؤتمر.
وإلى جانب تلك الموضوعات الحيوية التي طرحت للبحث والدراسة، اهتم المؤتمر بموضوع الاجتهاد في الشريعة الإسلامية باعتباره باباً ينفذ منه المسلمون لمواجهة مشكلات العصر الحديث. وكذلك حرص المؤتمر على إبراز دور التربية الإسلامية والإعلام في نشر القيم الإسلامية بين أفراد المجتمع. ولهذا طرح تلك الموضوعات ليتناولها المؤتمرون في أبحاثهم.
وبعد:
فإن المجتمعات الإسلامية تواجه تحديات خطيرة تفرضها الحياة الحديثة التي تحياها تلك المجتمعات. ومن حسن الحظ أن الحضارة الغربية التي استطاعت أن تتفوق على حضارة المسلمين في مجال العلوم والتكنولوجيا لم تستطع أن تقدم لمجتمعاتها من التشريعات ما يرقى إلى مستوى الفقه الإسلامي الذي يمثل صميم الشريعة الإسلامية. وواجب فقهاء المسلمين الآن أن يواجهوا التطورات الحضارية التي تعيشها الشعوب الإسلامية المختلفة، وأن يقدموا لهذه الشعوب صيغة متكاملة للحياة بأبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية تكون مستوحاة من شريعتهم السمحة الغراء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :630  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج