شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحَلْقَةُ الخَامِسَةُ والأَرْبَعُونَ
سأل الشيخ فتاه هل لديه ما يسأل عنه قبل البدء في شرح الدرس؟ قال الفتى: ربما أكثرت من الأسئلة في الدرس السابق حتى لم يعد لديَّ ما أسأل عنه في هذا الدرس حتى الآن.. فعلى بركة الله أيها الشيخ نبدأ درس اليوم.. عجب الشيخ من عدم وجود أسئلة عند فتاه، فقال أخشى أن تكون قد انشغلت عن مراجعة الدرس السابق في البيت فلم يعن لك سؤال أو يخطر على بالك ما تسأل عنه؟ قال الفتى: عفواً أستاذي الشيخ فقد راجعت الدروس السابقة كلها ولم أجد ما أسأل عنه ربما لأن شرح أستاذي الشيخ وصبره كفاني كثيراً من طرح الأسئلة. إلا أنه لديَّ بعض التصورات في الدرس السابق أردت أن احتفظ بها لنفسي وما دمت أستاذي الشيخ مهتمًّا بي هذا الاهتمام فلا بأس من اطلاعك على ما يلوب في نفسي من خواطر علي أجد عندك ما يشفي غليلي من جواب..
قال الفتى: أثناء مراجعتي للدرس السابق اعترضتني بعض الخواطر. فلم أقتنع ببعض المسوغات ربما لأن إدراكي قاصر على استيعابها. قال الشيخ: أفصح يا بني مثل ماذا؟ قال الفتى: مثلاً في درس ـ حذف الخبر وجوباً ـ إذا كان المبتدأ قسماً صريحاً نحو قولنا: يمينُ الله أقول الحق. لماذا نتصور خفاء الخبر وجوباً مع أن المثال كامل واضح؟ ثم ولماذا لم تكن الجملة الفعلية ـ أقول الحق في محل رفع خبر المبتدأ أليس الكلام واضحاً وتامًّا؟ ثم لماذا نتصور اختفاء الخبر وجوباً وهو: يمين الله قسمي ـ أو حلفي ـ أقول الحق. أنا أرى أن في هذا التخريج كثيراً من المشقة والاحتيال.
ولا أرى مبرراً لهذا الحذف. رد الشيخ على تلميذه الفتى: أي بني.. كل واحد منا تعترضه خواطر.. وتتحرك في نفسه أشياء كثيرة.. ومن حقك أن تبدي رأيك فيما تراه.. فإبداء الرأي لا يغير من الحقيقة شيئاً.. ثم لا تنس أن هذه القواعد قُعِّدَتْ منذ مئات السنين. وقال فيها النحاة رأيهم ولكن هذا لا يمنع أحداً أن يتنفس برئة سليمة إذا بدت له خاطرة أو رأي في أمر من أمور هذه القواعد.. فقط أن يكون الرأي مشعاً ثاقباً واضحاً.
ثم أردف الفتى.. ونفس الخاطرة طرأت لي في المثال.. شربي اللبن ساخناً.. لماذا لا تصلح هذه الحال أن تحل محل الخبر.. أليس الكلام مفيداً فائدة تامة؟.. ولماذا إذاً نتلمس المحذوف ونقدره بـ ((لذيذٌ)).. أو((مفيدٌ)) .. وإذا قدرناه لماذا لا يكون تقديره جوازاً بدلاً من وجوباً؟.. ماذا لو ذكرناه في المثال وقلنا: شربي اللبن ساخناً لذيذٌ؟ أطرق الشيخ مليًّا ثم رفع رأسه وقال للفتى: ما شاء الله عليك هذا تجلٍ وشفافية مفرطة جداً.. أغبطك عليها.. بل وأؤيدك أيضاً في هذا المثال.. هش الفتى كثيراً لثناء شيخه عليه.. وقال: أرجو ألا يعتبر أستاذي الشيخ هذا الرأي جرأة على القواعد المشار إليها بل هي خواطر أردت أن أعرضها على أستاذي الشيخ لأرى فيها معالم الطريق.
قال الشيخ: لا بأس عليك يا بني.. فقد مررت بمثل هذه المواقف منذ كنت في سنك أتلقى علوم النحو على أستاذي الشيخ منذ أكثر من أربعين عاماً.. وكان يشملني بعطفه ويقوم بتوجيهي توجيهاً سليماً..
وأخيراً سأل الفتى أستاذه الشيخ قائلاً: أستاذي الكريم، عندي سؤال حيرني جدًّا وهو ليس في النحو ولكنه في اللغة.. فهل تأذن لي بطرحه؟.. قال الشيخ: هات سؤالك يا بني.. قال الفتى: يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (الجن: 15) وفي آية أخرى من سورة أخرى، يقول سبحانه وتعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة: 42) فما هو الفرق بين كلمة ـ القاسطون ـ والمقسطين ـ في الآيتين؟
ارتاح الشيخ كثيراً لسؤال الفتى الذي يدل على إمعان دقيق في معرفة الآيات المتشابهة في الألفاظ معرفة جيدة. فقال : أما الآية الأولى فقوله تعالى وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (الجن: 15) فلفظة (القاسطون) هنا مشتقة من (قُسط) بضم القاف ومنه القسوط.. وهو الجور والنفور عن الحق، والعدل عن المثل والقيم. وأما في الآية الثَّانِيَةُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة: 42) فلفظة (مقسطين) مشتقة من قَسط بفتح حرف القاف.. وهو العدل وتحري الأمانة في الأمر..
شكر الفتى أستاذه الشيخ على هذا الشرح المفصل ثم بدأ الشيخ يستعد للدرس فقال: درسنا اليوم هو: مواضع سد الفاعل أو نائبه مسد الخبر ـ فقد ورد كثيراً في اللسان العربي الفصيح سد الفاعل أو نائبه مسد الخبر نحو: هل قادم خالدٌ؟ حيث نلحظ أن الاسم المشتق وهو: قادم، مفرد وكذلك الاسم الذي بعده مفرد.. فيمكن إعرابه على وجهين مبتدأً سد مسد الفاعل.. أو فاعلاً للاسم المشتق. أما إذا جاء الاسم الذي يلي المشتق مخالفاً له نحو: هل ناجحٌ الطالبان؟ أو هل مطيع الأولاد؟ فليس لنا من الإعراب إلا وجه واحد وهو فاعل سد مسد الخبر. لأن من شروط الخبر كما تعلم يا بني.. مطابقة المبتدأ وهنا انعدمت المطابقة لأن الأول مفرد والثاني مثنى أو جمع.
أما قولنا: ما غائبون الطلاب.. فليس لنا فيه إلا وجه واحد في الإعراب هو ـ اعتبار المشتق خبراً مقدماً ـ وما بعده مبتدأ مؤخر ـ رفع الفتى إصبعه مستأذناً بطرح سؤال.. قال الشيخ: هات سؤالك يا بني.. قال الفتى: حبذا لو ذكر لي الشيخ إعراباً مفصلاً.. قال الشيخ تقول مثلاً: أمتفوق خالدٌ.. الهمزة للاستفهام.. متفوق اسم مشتق مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره.. أو خبر مقدم مرفوع، خالد: فاعل سد مسد الخبر مرفوع.. أو مبتدأ مرفوع.. سأل الشيخ الفتى هل يحتفظ بشيء من الأسئلة؟ رد الفتى: شكراً للأستاذ الفاضل. ثم أخذ كل منهما طريقه إلى منزله على أمل اللقاء غداً إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :551  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 48 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.