شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحَلْقَةُ الرَّابِعَةُ والأَرْبَعُونَ
طرح الفتى سؤاله المؤجل فقال: سمعت أستاذي الشيخ من يقول: العرب أين يسكنون! والعصافير أين تبيت؟ فهل هذا الاستعمال صحيح أيها الشيخ؟ مع أنهم لم يقدموا أسماء الاستفهام في العبارة؟ قال الشيخ: استعمال قبيح مستهجن وربما أجازه بعض المتمردين على أصول اللغة والبيان. ولكنه في علمي المتواضع لم يسمع عن العرب الأقحاح.. ثم رفع الفتى إصبعه لطرح سؤال آخر فقال: قلنا في الدرس السابق إذا جاء الخبر اسماً يشعر بالقسم يحذف المبتدأ وجوباً.. نحو قولنا: في ذمتي لأفعلن الواجب.. أي قسم في ذمتي.. فماذا لو قلنا إنَّ المحذوف هو الخبر وليس المبتدأ أيها الشيخ؟ فتكون التركيبة للعبارة على النحو الآتي: في ذمتي قسم لأفعلن الواجب.. أصيب الشيخ بخيبة أمل كبيرة من سؤال فتاه. فمضى يحدق فيه ويهز رأسه.. ثم قال.. أين المحذوف يا بني في عبارتك هذه؟ إن مثالك هذا من باب وجوب تقديم الخبر على المبتدأ إذ الخبر هنا جار ومجرور.. ولفظة قسم مبتدأ نكرة.. فكيف تورطت في مثل هذا السؤال؟
ولا أحسب أنه يغيب عليك مثل هذا الأمر يا بني.. تأسف الفتى بعد أن وقف على الحقيقة ثم قال: فعلاً اختلط علي الأمر فمعذرة أستاذي الشيخ على هذا الخلط الذي وقع مني..
ثم عاد ورفع إصبعه مشيراً إلى سؤال ثالث.. قال له الشيخ إطرح سؤالك. قال الفتى: يقول الحق سبحانه وتعالى وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (الذاريات: 48) أين المخصوص بالمدح في الآية الكريمة؟ رد الشيخ فوراً: محذوف تقديره (نحن) ولكن الفتى واصل.. طرح أسئلته فقال: وهناك سؤال رابع حبذا لو أذن لي الشيخ بطرحه. قال له الشيخ: لا بأس عليك. قال الفتى: كيف جاز وقوع المبتدأ نكرة محضة غير مخصص بوصف أو إضافة في قوله تعالى وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (المرسلات: 15) ؟ سر الشيخ جدًّا بسؤال الفتى فقال: هكذا عهدت منك الأسئلة يا بني.. فأنت كما أتصور دائم التفكير نابض الحس.. أجيز هنا الابتداء بالنكرة مع عريها وتجردها من المسوغات المطلوبة.. لأنها تفيد معنى الدعاء ـ ويل: بمعنى عذاب وهلاك.. فهو شيء معروف أو في حكم المتعارف عليه. وكذلك قولهم: سلام عليكم. فـ ((سلام)) مبتدأ نكرة يفيد عموم السلام.. وعليكم جار ومجرور خبر له.. سأل الشيخ فتاه. هل بقي في جعبته أسئلة؟ قال الفتى: شكراً لأستاذي الشيخ على صبره وكرمه بل وعلى سعة صدره وتجاوبه.
ثم بدأ الشيخ في شرح الدرس الجديد فقال: سندرس اليوم مسوغ حذف الخبر.. وجوباً.. ففي الدرس السابق أجزنا حذف المبتدأ. إذا أشفع بدليل من الأدلة التي سبق ذكرها.. وإذا أمعنا النظر في الكلام العربي نجد أيضاً أن كثيراً من الأخبار جاء محذوفاً حذف وجوب التزم فيه العرب إخفاء الخبر ويمكن لنا حصر ذلك في الآتي:
1 ـ إذا وقع المبتدأ بعد ـ لولا ـ وحمل الخبر معنى عامًّا نحو قولنا ـ لولا العدل لهلك الناس. أي لولا العدل موجود لهلك الناس.
2 ـ إذا وقع المبتدأ قسماً صريحاً كأن تقول مثلاً: يمين الله لأؤدين الأمانة.. فالخبر هنا تقديره يمين الله قسمي.. أو حلفي.
3 ـ إذا عطف على المبتدأ بواو تفيد المصاحبة نحو قولنا: كل إنسان وعمله.. كل طالب واجتهاده. أي كل إنسان وعمله مقترنان أو مقترن.
4 ـ إذا وقع الخبر حالاً لا تصلح أن تكون خبراً وجاء المبتدأ مصدراً مضافاً إلى معموله أو اسم تفضيل مضافاً إلى مصدر صريح أو مؤول نحو قولنا: أكلي الفاكهة ناضجة.. شربي اللبن ساخناً.. أو أكثر ما تهاب الدول قوية، فأنت تلحظ هنا في المثال الأول.. أكلي الفاكهة ناضجة أن المبتدأ وهو أكل أضيف إلى معموله وهو ياء المتكلم.. ثم جاء الخبر حالاً وهو لفظة ناضجة.. إلا أن هذه الحال غير صالحة لأداء وظيفة الخبر إعراباً فكان لا بد من حذف الخبر وجوباً لاستيفاء الكلام وعدم افتقاره إلى معنى زائد أو معلق وكذلك في المثال الثاني شربي اللبن ساخناً. أما في المثال الثالث فنجد أن المبتدأ اسم تفضيل وهو أكثر، أضيف إلى معموله وهو ما تهاب، مصدر مؤول. قوية: حال. لا تصلح أن تؤدي وظيفة الخبر.
رفع الفتى إصبعه مستأذناً بطرح سؤال عنَّ له، سمح له الشيخ بطرح سؤاله. قال الفتى: عفواً إذا أردنا أن نقدر الخبر في هذين المثالين فكيف يكون أيها الشيخ؟ قال الشيخ: في الأول شربي اللبن ساخناً ـ لذيذ، وفي الثاني أكلي الفاكهة طازجة ـ مفيد، وفي الثالث أكثر ما تهاب الدول قوية ـ عظيم.. ثم راح الشيخ يسأل فتاه هل عنده ما يسأل عنه قال الفتى: شكراً لأستاذي الشيخ على هذا الإيضاح.. وأخذ كل منهما طريقه إلى بيته على أمل اللقاء المتجدد غداً إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :586  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 47 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.