شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحَلْقَةُ الثَانِيَةُ والعِشْرُونَ
حضر الشيخ مبكراً كعادته.. وما هي إلا دقائق إذ هل الفتى مسرعاً فحيا أستاذه الشيخ بالسلام ورد الشيخ على تحية الفتى ـ جلس الفتى قبالة شيخه العزيز.. وفي عينيه ملامح سؤال طرأ له.. أومأ الشيخ برأسه والإبتسامة تعلو محياه بالإذن للفتى بطرح سؤاله.. قال الفتى: أستاذي الشيخ.. جرى نقاش بيني وبين أحد الزملاء في مثال قال فيه صاحبي إن (لا) فيه نافية للجنس وإن نصب لفظة ـ انتعاش ـ على أنها اسم لا.. والمثال هو: وانتعش ولا انتعاشَ الزهر بمباكرة الندى.. يقول صاحبي ـ إن لفظة ((انتعاش)) اسم لا النافية للجنس. وقلت أنا إن لا هنا ليست نافية للجنس ونصب ـ انتعاش ـ على أنه منصوب بنزع الخافض فكأن المثال يقول: وانتعش ولا كانتعاش الزهر بمباكرة الندى. وهذا هو المعنى الذي استنبطته من المثال فما هو رأي شيخي العزيز؟.. هل أصبت أم أخطأت؟
راح الشيخ يحث على لحيته البيضاء الكثة ويتأمل التركيبة العضوية للعبارة. والفتى في غاية الشوق والوجل لسماع رأي أستاذه الشيخ.
وما هي إلا برهة وجيزة حتى قال الشيخ: الحق معك يا بني.. فنصب ـ انتعاش ـ هنا إنما بنزع الخافض لأن المعنى يستقيم به..وكم أنا مسرور بشفافية حسك وإدراكك للمعنى المقصود من العبارة. أما صاحبك فقد أخطأ وتجاوزه الصواب إذ أن لا هنا لا تنفي جنس الانتعاش.. وإلا لما استقام المعنى. أحس الفتى بفرحة غامرة تسري في خلجاته.. وحمد الله وأثنى عليه على أنه على صواب.. في جدال زميله.
وكم تمنى أن يكون زميله حاضراً لسماع إجابة شيخه..
ثم أخذ الشيخ يصلح من وضع عمامته استعداداً للدرس.. فقال: ثاني العشر من منصوبات الأسماء.. المنادى النكرة غير المقصودة.. والمضاف نحو قولنا: يا طالعاً جبلاً.. أو يا طالعَ الجبل ـ فلفظة طالع منصوبة في الأولى لأنها نكرة غير مقصودة.. وفي الثانية نكرة غير مقصودة مضافة.. وكذلك قولك يا صاحبي العزيزَ.. فلفظة صاحب مضافة إلى ياء المتكلم في محل نصب والعزيز صفة منصوبة تابعة لموصوفها.
رفع الفتى سبابته مشيراً إلى سؤال عاجل.. قال الشيخ: تفضل بطرح سؤالك يا بني.. قال الفتى: حبذا لو ذكر لي شيخي العزيز أدوات النداء.
قال الشيخ: هو لك.. من أدوات النداء المشهورة: يا ـ هيا ـ أي ـ الهمزة ـ أيا وقد ينادي الاسم بدون أداة تسبقه وتذكر قبله وخاصة لفظ رب ـ إذ تقول ـ رب اشرح لي صدري.
فـ ((رب)) هنا منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ياء المتكلم المحذوفة لالتقاء الساكنين.. وحرف النداء المقدر هو ـ يا ـ أخذ الفتى يسجل هذه المعلومة في كراسته.. ثم رفع إصبعه مستأذناً بسؤال عاجل.. لاحظ الشيخ إصبع الفتى مرفوعة فأذن له بطرح سؤاله. قال الفتى: أريد أن اعرف من أستاذي الشيخ لماذا تجاهل أو أغفل المنادى العلم.. والنكرة المقصودة من منصوبات الأسماء؟ ارتاح الشيخ كثيراً لهذا السؤال وقال ما شاء الله عليك أيها الفتى النجيب سؤال ينم عن انتباهك وحسن متابعتك للدرس.. أما عن عدم ذكري لأن المنادى العلم والمعرفة والنكرة المقصودة إنما تجيء مرفوعة في محل نصب منادى ـ وأنا لا أميل إلى هذا التخريج.. واعتبرها مرفوعة.. أو مبنية على ما ترفع به.. ولا حاجة لنا لتخريجها وتحويلها إلى النصب في محل نصب كما يقول النحويون. فهم يقولون مثلاً: يا محمد.. ياء حرف نداء. محمد اسم علم مبني على الضم في محل نصب منادى.. ألا يكفي أن يكون اسم علم مرفوعاً؟ وكذلك قولهم يا رجلان.. مرفوع بالألف والنون في محل نصب منادى.. لذلك أيها الفتى كرهت أن أزجهما ضمن منصوبات الأسماء. رفع الفتى إصبعه مستأذناً بسؤال عاجل.. أذن له الشيخ بطرح سؤاله فقال: أعرف من كلام الشيخ أنه لا يميل إلى هذا الإعراب، قال الشيخ: ربما وعندي تحفظ فيه فالعلم والمعرفة والنكرة المقصودة كلها مرفوعة في حالة ندائها فلا مبرر لتحويلها إلى النصب أو في محل نصب كما يرى جمهرة النحويين فيقولون إنها بمثابة المفعول به إذ أنك تناديها.. مع أن التخريج صحيح.
وثالث العشر من المنصوبات في الأسماء هو ـ البدل ـ طلب الشيخ من فتاه ذكر تعريف موجز للبدل ـ أملاً منه بضرورة إشراك الفتى في الدرس.. وإيجاد الصلة بينه وبين فتاه المتألق الذي بدأ يعي دروس النحو وعياً جيداً ينم عن استعداد فطري عنده.
أحس الفتى بمفاجأة الطلب وابتلع ريقه ثم قال: أحاول أستاذي الشيخ.. فالبدل على ما يبدو لي اسم يأتي مبدلاً عن اسم قبله.. مطابقاً له في الإعراب.
قال الشيخ: كفى كفى يا بني.. هو ذاك.. وتعريفك جيد مفيد. وعليك أن تعي أن البدل من المنصوبات والمرفوعات والمجرورات. لأنه يطابق مبدله كما ذكرت تقول مثلاً: رأيت الكاتبَ عبدَ الله.. فـ ((عبد الله)) بدل من الكاتب.. كما أن هناك بدل الخطأ أو الغلط أو الاستدراك. كأن تقول: أكرمت محمداً بل عليًّا، فأنت أخطأت في القول. إذ أنك أكرمت علياً لا محمداً.. ومنه بدل بعض من كل كقولك قمت الليلَ كلَّه ـ أو بعضَه.. أو نصفَه.. أو ثلثَه أو ربعَه.. وفي هذه الحال يجب أن يشتمل البدل على ضمير يعود على المبدل منه كما في الأمثلة السابقة. نظر الشيخ إلى ساعته فوجد الوقت متأخراً فقال لفتاه: يبدو أننا نكتفي بهذا القدر من منصوبات الأسماء وإذا كان لديك أي سؤال يمكنك طرحه الآن.. قال الفتى: شكراً لأستاذي الشيخ على ما أفضل عليَّ به من شرح مفصل. وودع كل منهما الآخر على أمل اللقاء المتجدد إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :566  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج