شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ أحمد فراج ))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ أحمد فراج الذي قال:
- اسمحوا لي أن أستخدم الأسلوب التلفازي قليلاً نحن في حاجة إلى تحديد المفاهيم وضبط المصطلحات، وتحديد الفترة التي نريد أن نتحدث عنها، لأننا لو تكلمنا عن الغزو وبمفهوم المواجهة الشاملة فسنبدأ ببداية الإِسلام. فالمواجهة بين الإِسلام وأعداء الإِسلام بدأت منذ بدأ الإِسلام، ونحن نعرف أن الإِسلام انطلق من هذه الأرض الطيبة وعم نوره وارتفعت راياته وفتح الدنيا كلها، واستطاع أن يحقق حضارة يزهو بها التاريخ.. وهذه الحضارة الحديث فيها يطول، وكان للإِسلام الفضل الأول على تمدين أوروبا. هذا أمر لا شك فيه وإن جحده مفكروهم وعلماؤهم عندما كانت هناك العقدة.. عقدة الضعف أو عقدة الشعور بالنقص إزاء المد الإِسلامي الجارف. لكن شاءت الأقدار أن ينحسر المد الإِسلامي وأن يبدأ فترة جزر طويلة.. في هذه الفترة وجد من علماء الغرب ومنصفيه من بدأ يعترف للإِسلام بفضله على تمدين أوروبا، كما قال بعضهم: هؤلاء هم العرب الذين مدنوا أوروبا، وأظن سيديو هو الذي قال بعد قرون: "إنه مهما حاولنا أن نجحد فضل العرب والمسلمين على الحضارة الغربية فلن نستطيع أن ننتزع بصمات هذه الأمة من فوق قبة السماء" إشارةً إلى أن أسماء كثير من النجوم والمذنبات لا تزال تحمل أسماء عربية إلى الآن.. لكننا لا نتحدث عن الغزو مساوياً للمواجهة، وإلا عدنا إلى بداية التاريخ الإِسلامي في مهده أو في بدايته الأولى. ولكننا سنتحدث عن الفترة التي انحسر فيها المد الإِسلامي وبدأت السيطرة الغربية للعالم الأوروبي على الدول الإِسلامية، كانت هذه السيطرة عسكرية واقتصادية، ودخلت جيوش أوروبا إلى أنحاء العالم الإِسلامي.. ربما حملت لواء الصليب أحياناً، وربما تسترت وراء الاقتصاد أحياناً أخرى، وربما كانت مزيجاً من هذا وذاك. في تلك الفترة كان المسلمون فيها في الظل وأوروبا في منطقة القوة والانطلاق.
- شهدت الأمة الإِسلامية في العصر الحديث بداية انطلاقة أو صحوة. وبدأت حركة استقلال في هذه الأمة، وأنا بذلك أعبر قروناً طويلة وأصل إلى العصر الذي نحيا فيه. مع فترة الاستقلال التي شهدتها الدول الإِسلامية، سواء في أفريقيا أو الشرق الأوسط، أو في آسيا.. كان هناك اتجاه للتفتت وللقطرية شجعت عليه الدول الأوروبية، في الوقت الذي نلمس هناك اتجاها إلى الاندماجية، وإن لم يصل إلى الوحدة في الدول الأوروبية ذاتها..
- وملمح ثانٍ: أن مفهوم هذا التفتت أو القطرية كان من شأنه أن يستديم للغرب سيطرته على الدول الإِسلامية، في تطور آخر بدأ مفهوم القوة يفسح المجال لمفهوم جديد، هو: مفهوم النفوذ وليس القوة بمفهومها الحجمي، وإنما النفوذ بمفهومه الكيفي.
- وملمح ثالث في مرحلة ثالثة: نرى أن الشرق والغرب، وقد تقدم السلاح النووي فيهما إلى درجة تكاد توقف استخدام هذا السلاح من الطرفين، أحل بطريقة إجبارية الصراع الإِيديولوجي محل صراع القوة أو صراع الجيوش، هذه الأيديولوجية سمحت لكل من الشرق والغرب - وأنا مع الأستاذ الشيباني في أنها حضارة واحدة بجناحين شرقي وغربي - سمحت لكل من النموذج الشرقي أو الغربي أن يحاول غرس أيديولوجيته والدعوة لها والتحريض عليها في كل البلاد المتخلفة، أو دول العالم الثالث التي يقع العالم الإِسلامي في جملته داخل نطاقه. ما الذي فعله الغرب أو الشرق في هذه المرحلة من الصراع الإِيديولوجي أو صراع الأفكار؟ كان يريد أن يعطل توجه الدول الإِسلامية حديثة الاستقلال، أن يعطل توجهها إلى التفتيش عن ذاتها وأصولها وتراثها. وفعلاً بدأت تتوقف في بداية الاستقلال مرحلة التفتيش عن التراث، وتبدأ مرحلة من البحث عن أسلوب نقل الشرق أو الغرب، أو على الأقل توليفة الشرق والغرب في واقع العالم الإِسلامي اليوم. في نفس الوقت بدأ الغرب أيضاً والشرق معاً في محاولة إبعاد المسلمين عن ذاتيتهم وتراثهم وأصولهم، ومع ذلك أيضاً شيء ثالث هو: إيقاظ الغرب والشرق إلى خطورة هذه الصحوة الإِسلامية.
- لن أدخل في عمليات سيناريوهات التنمية الاقتصادية، وكيف تحاول المؤسسات العالمية الاقتصادية أن تربط في أذهاننا نحن حركة تقدمنا بمقدار الرخاء الذي يتحقق في الغرب، وحركة انكماشنا بمقدار الانكماش الذي يحدث في الغرب.. هذه قضية طويلة، لكننا في كل هذه المراحل نلاحظ أن هناك عملية تغريب مستمرة للعالم الإِسلامي، تستهدف تغريب الإِسلام ونزع الهوية الذاتية الخاصة به، وإخضاع الأمة الإِسلامية إلى عملية احتواء وإلى الأيديولوجيات المتصدعة في الشرق والغرب، بقصد أن يخضع الإِسلام لتفسيرات غربية أو ماركسية، ونتحول نحن إلى سدنة للتفسير وإلى تلامذة في مدارس الشرق والغرب، نفسر الإِيديولوجيات، ونفقد الذاتية، ونفقد الأصالة، ونعيش عالة على الفكر الغربي.. يستخدم إذا كان الهدف هو التغريب وأداته هو الغزو. ووسيلة الغزو هي مؤسسة الاستشراق بكل ما طرحته من سموم، وبكل ما لديها من قذائف سامة وجهت إلى قلب الفكرية الإِسلامية لغزوها بفكرية غربية، بهدف الإِقصاء.. والتبعية الكاملة. لأنه إذا كان العالم الإِسلامي وهو يستقل ويسترد السيادة التشريعية والسيادة الاقتصادية والسيادة السياسية لم يجد المنهج الإِسلامي، لأنه لن يسترد الفكرية والذاتية. والأصالة الإِسلامية ليحدد منهج التقدم ومنهج التنمية، فأصبح يبحث عن الاشتراكية والرأسمالية.
- وكان من المسلمين من رفض الغرب بكل ما فيه.. وقبل الشرق كبديل، فاستبدل استعماراً باستعمار. وكان من المسلمين من أعطى ظهره للشرق والغرب معاً ولم ينص في الإِسلام كهوية ومنهج وفكر، لأنه كان هناك غياب عن الوعي بالذات والوعي بالأصالة. ثم كانت هناك المرحلة الخطيرة وهي إشغال الأمة الإِسلامية بالجزئيات عن الكليات، فأصبح الاختيار الإِسلامي محصور في قضايا تافهة، وأنا آسف لأني أقول هذه الكلمة.. قد تكون قاسية علينا لدرجة أننا نستفرغ طاقاتنا وجهودنا بالحديث عن.. هل يوجد غزو فكري أو لا يوجد غزو فكري؟ بينما نحن في قمة أو بؤرة الاستهداف من الشرق والغرب معاً، وأمثلة بسيطة:
- الاتحاد السوفيتي كان فيه (20270) مسجد، منذ قيام الثورة البلشفية أصبحت (514) في القارة الأفريقية الآن يوجد (21000) مبشر سنوياً للعمل في نشر الفكر المسيحي في أفريقيا.. دولة إسلامية واحدة هي أندونيسيا، يوجه إليها (14000) مبشر، وهذه إحصائية عن عام 81 توضح أن هناك (16000) كنيسة تنفق (300.000.000) دولار، فهذه عملية من الاجتياح، فليس هناك ما يمكن أن نطلق عليه صراعاً. فإنجلترا لن تستطيع اليوم أن تحتل بلداً بقواتها المسلحة ولا أميركا، بل هناك عملية اعتماد يخلق في البلاد الإِسلامية، وذلك باستبدال النفوذ النوعي بالنفوذ الحجمي الكمي.. وهو القوة، فأصبح هناك شيء غير القوة.. وهو النفوذ والاعتماد على الغرب، ولا بد لإِرساء وتدعيم وتكريس هذه السيطرة واستدامة التبعية من عملية الاجتياح الفكري، التي ظهرت يوماً في المدارس ومعاهد التبشير والإِرساليات المعروفة. وإذا تسترت.. فقد عادت من وراء المسرح والسينما والقصة والصحيفة والفيلم التلفازي وفيديو الجنس.. وفيديو العنف، وكل وسائل الإِعلام والثقافة التي نتناولها ونتداولها، ونتعامل بها بوعي أو بغير وعي، بإرادة أو بغير إرادة.
- بقي لنا كلام عن المفكرين الذين لقنوا الثقافة الغربية من أي بلد أوروبي أو غير أوروبي، نجد أن سدنة هذا الفكر هم الذين يبرزون وتسلط عليهم الأضواء، وهم الذين تسند إليهم الزعامة الفكرية. بينما لو وجد مفكر إسلامي أصيل.. ينتمي انتماءاً مطلقاً، وله ولائية مطلقة للإِسلام.. والإِسلام فحسب، فهذا في نظرهم متخلف أو رجعي أو متحجر، أو لم يضف شيئاً إلى الإِسلام.. هذا نوع من الغزو.. اللغة العربية التي أشار إليها أستاذنا معالي الشيخ عبد الله بلخير شيء خطير، أحد هؤلاء السدنة أز عملاء الغزو الاستعماري الفكري في كلمة صغيرة يقول فيها: "لقد ماتت اللغة العربية.. ماتت هذه اللغة بعد كذا.." في سطرين استخدم كلمة ماتت ثلاث، أربع مرات. ما هذا الحقد الذي ينفثه من خلال سطوره وكلماته؟ بينما نحن لن نستطيع أن نفكر عربياً أو إسلامياً بلغتنا العربية.
- مظاهر الغزو الفكري يا سيدي لا حصر لها.. تحدث عن التصنيع ما شئت فأنت عالة في الاقتصاد، تحدث عن الفكر فنحن لا نتحدث عن التفاعل الثقافي، العالم كله الآن يتحدث عن التفاعل الثقافي، ولكنه يقظ تماماً ويؤكد على ضرورة الحفاظ على الهوية الذاتية للثقافات التي تنتمي إليها شعوب متباينة، وأنا أتحدث عن الإِسلام لأنني هنا أنقل مفهوماً عالمياً عن الثقافة.. هناك خوف من التفاعل الثقافي لأنه ليس نظرية، فنحن مجتاحون بالثقافة، مجتاحون بالإِعلام، مجتاحون بالأدب، وهناك المخطط السليم النهجي. وبعد أن كانت أوروبا تتحدث عن استحالة تحول المسلم عن دينه وضرورة التركيز على إبعاده عن الإِسلام، أصبحت تتحدث صراحة عن التبشير.. كما تحدثوا في مؤتمر بالرمو.
- ثم بدأنا نسمع في القرن العشرين كلمات عن تنصير العالم الإِسلامي وبرنامج لتنصير أندونيسيا، وزيارة البابا في الفاتيكان لأندونيسيا منذ عدة سنوات، وزيارته لأفريقيا في السنوات الأخيرة دور في هذه التنصير. وهكذا أخذ بعض أعضاء الكنيسة الكبار يتكلم عن التفاعل وعن نشر المسيحية في مواجهة الأديان الأخرى، وبدأوا يقولون: إن الإِسلام أخذ ينحسر وأخذنا نكتسب أرضاً جديدة، وما كان لهم أن يصلوا إلى ذلك. لكني أعود فأقول: كان الإِسلام قوي في ذاته، هذا ما أخاف لويس التاسع حينما أسر في المنصورة، ورأى أن الحروب الصليبية التي جهزتها أوروبا باءت كلها بالفشل، فآمن أنه لا سبيل إلا ضرب هذا الإِسلام. وهذا هو الذي جعل جلادستون يقف وهو رئيس وزراء بريطانيا يقول: "لن يهدأ لنا بال طالما بقي هذا القرآن في أيدي بنيه". وهذا الذي جعل اللنبي يضرب قبر صلاح الدين بقدمه في القرن العشرين ويقول: "الآن انتهت الحروب الصليبية". فالتبشير والغزو الفكري والاستشراق، وكل هذه الصور ما هي إلا البديل عن الحروب الصليبية في صورتها الجديدة والغزو الفكري يتغلغل في داخلنا، لكنه بحمد الله - ولا نريد أن نخدر أنفسنا - يواجه بوعي. لكن يجب أن نعرف أن عناية المستشرقين بالحلاج وبالقرامطة وبالباطنية، وبنشر هذا التراث الذي ينفق عليه عشرات السنين - أربعين سنة - وبشعراء معينين، وتجنب علماء آخرين بأعيانهم.. وشعراء آخرين بأعيانهم، لأنهم متمسكون بإسلامهم.. فذلك نوع من الغزو الفكري. وانظروا إلى هذه العمليات الاشتراكية، والاشتراكية العلمية والمفهوم الماركسي والمفهوم العلمي، ولنتحدث عن الاشتراكية بالمفهوم العلمي، فهم يرون أنها منهج في تحليل العلاقات الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية، أما الإِسلام فهو رجعية، مع أن الرجعية لا تنطبق إلا على المنهج الماركسي والاشتراكية بمفهومها العلمي، لأنها إذا كانت عبارة عن منهج في تحليل علاقات معينة وضعه ماركس منذ 100 سنة أو أكثر أو أقل، فهذا المنهج فقد الظروف الموضوعية الخاصة به، بينما الإِسلام جاء بكلياته ووضع المبادئ الكلية، كما يقال عند الفقهاء: إجمال ما يتغير وتفصيل ما لا يتغير. هذه المناهج ما زلنا نشهد حتى أسابيع قليلة، فالصين تعيد النظر في أسلوب الاشتراكية، الاتحاد السوفيتي يتكلم بين الفينة والأخرى عن الفساد.. والفساد هو المشجب الذي تعلق عليه كل سوءات التطبيق. أقول: إننا بخير، ولكن يجب أن نحذر.. ويجب أن نتنبه لحملات التبشير والتنصير، فهناك في بلادنا توزع علينا وتصل إلى صناديق بريدنا نشرات تدعو إلى المسيحية، وجوابات تصلك باسمك. ولقد سبق لي أن تحدثت في الاثنينية السابقة وقلت: إني سمعت إذاعة تبشيرية تذيع باللغة العربية ويقول المذيع بها: "لقد استمعتم إلى حلقة من برنامج نور على نور" وهي وسيلة يحاولون بها استدراج ضعاف النزعة الدينية، فيصبُّون في آذانهم ما يفسد عقائدهم. يجب ألا نتحدث اليوم عن المواجهة وإلا تحدثنا عن بداية الإِسلام، وعن التطور وعن المعارك وعن التحديات التي واجهت الإِسلام، وهي هي ذاتها التي دعت القوى المناوئة للإِسلام من الشرق والغرب - وهما محصلة الحضارة الغربية كلها - إلى مواجهة هذه الأمة بكل الأساليب العسكرية أولاً.. والاحتلال العسكري المباشر في بداية الأمر، ثم السيطرة الاقتصادية، ثم الإِرساليات والتبشير وتجويع المسلمين حتى يعطوا الشكولاتات والحلوى، ويمارسوا معهم كل ألوان تلقينهم حب المسيح وكره الدين الإِسلامي ومن جاء به.
- هذه بعض الصور، ولكن الغزو الثقافي الآن هو الذي يطلق القذائف المسمومة إلى قلب الفكرية الإِسلامية لإِحلال الفكرية الغربية بكل معطياتها للحياة، في الاقتصاد وفي السياسة وفي الاجتماع.. وفي كل الأمور.. لقد أطلت فمعذرة؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :544  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 167 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج