شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة معالي الشيخ عبد الله بلخير ))
ثم تحدث معالي الأستاذ عبد الله بلخير فقال:
- أنا لا أيد أن أتكلم فالليلة ليلتك، ولكن هناك بعض المعلومات التي أختزنها في ذاكرتي أود أن أُطلع الحاضرين عليها.
- في عام 1937 وصل شاب نحيل من اليمن حاجاً إلى بيت الله الحرام، وكان ينوي أن يخرج إلى الدنيا كما كان يقول.. فبعد أن أدى فريضة الحج ذهب إلى قائمقام جدة الشيخ إبراهيم بن معمر يطلب منه أن يرشده إلى الوسيلة التي تمكنه من الوصول إلى مصر، وصادف أن وزيراً عراقياً كان موجوداً في مجلس القائمقام، ولم يكن في تلك الأيام سفراء لا لمصر ولا للعراق، فاعتذر له القائمقام بعدم التمكن من السفر إلا بعد إحضار الهوية اليمنية، فقال له ليس في بلادنا هويات ولا جوازات سفر. فقال له طيب دعنا يوماً أو يومين ثم عد إلينا، وهنا التقطه الوزير العراقي وقال له: يا أخي أنت من اليمن؟ فقال له: نعم. فقال الوزير العراقي هذه المرة الأولى التي أرى فيها يمنياً، وقد أعجبه منطقه، ثم اصطحبه إلى القنصلية العراقية. وقال له: سأعمل ما أستطيع أن أعمله لك، فإذا تعذر عليك السفر إلى مصر فتعال إلى العراق، تطلب العلم في الموصل.
- قال الشاب فاستحييت أن أقول له أنا لا أريد إلا مصر، والرجل متفضل بأن يرسلني وأنا لا أملك وسيلة، فاعتذرت منه بعد مدة، ولكيلا نطيل عليكم فقد ذهب إلى مصر وتعرف إلى بعض الناس، وكان أهم شيء عنده أن يلتحق بالأزهر وأن يلتحق بندوة محمد علي الطاهر صاحب جريدة الشورى التي كانت تملأ الدنيا تلك الأيام حرباً على الاستعمار، وأدباً وسياسة.. وإلى آخره. ذهب إلى محمد علي الطاهر وتعرف عليه، ووجد مجلسه مملوءاً بالأمير شكيب أرسلان وبزعماء المغرب، فوجد السرب الذي تمنى أن يهاجر من اليمن لأجل أن ينتظم فيه وأخصهم طبعاً الأمير شكيب أرسلان.. الأمير شكيب أرسلان يقول في تلك الأيام لمحمد علي الطاهر: تعبت يدي من الكتابة، ألا يوجد من يساعدني على الكتابة؟ فقال له: هذا اليمني الذي أمامك، فسأله: هل يستطيع أن يكتب بدون غلط؟ فقال له: امتحنه.
- قال الشاب فامتحنني، فأملىَّ علي رسالة نشرتها جريدة الشورى، فوجد أني أكتب كتابة جيدة، فطلب مني ملازمته في فندق الكونتنتال، وأن يملي عليّ أكثر الفصول التي نشرت في العالم العربي والإِسلامي في أكثر المجلات والجرائد المصرية في تلك الأيام كانت بخط الأستاذ النعمان، وشجع الأمير شكيب أرسلان على ذلك أنه وجد له عالماً وأديباً يحفظ الزبد لابن أرسلان، فكانت الصحبة العظيمة مع الأمير شكيب أرسلان والتتلمذ عليه.
- الأمير شكيب يريد أن يرجع إلى مهجره في جنيف، وكانت عنده مشكلة عويصة تشغل فكره طول الأيام، وهي ابنه غالب، ولديه بنتان أيضاً.. هؤلاء تربوا في سويسرا ولا يحسنون اللغة العربية، ومن العار الكبير على أمير البيان وكاتب الشرق الأمير شكيب أرسلان أن يكون أبناؤه لا يتكلمون اللغة العربية، فعرض الفكرة على الأستاذ.. هل تأتي معي وتعلم أولادي؟ وأنا أستطيع أن أساعدك هناك وتتعلم أيضاً اللغة الفرنسية وتصبح أنت مقيماً في سويسرا، فرحب بهذه الفكرة ترحيباً عظيماً، ووقفت المشكلة الكبرى كما لديه أنه لا يحمل هوية يمنية، فحينئذٍ تعذر عليه ذلك.
- بقي في مصر 3، 4 سنوات، وانضم إلى بعثة الأزهر، وجاءنا لأول مرة حاجاً بعد ذلك وقد لبس الجبة والعمامة الأزهرية، والتقيت به أنا في حوش الكروي في الحفلات التي كنا نقيمها في تلك الأيام ويقيمها كبراؤنا: الأستاذ الزيدان ومحمد سعيد عبد المقصود والملأ الأول، وكنا معهم.. ألقى خطاباً عظيماً بملابسه المصرية وعمامته، لكنا كنا نعلم أنه يمني طبعاً من فصاحته ولغته.. وإلى آخره، واستشهد في إحدى خطبه بأربعة أبيات لي. وبعد انتهاء الخطباء من إلقاء خطبهم، زاحمت من كان يزاحم للسلام، وحين سلمت عليه سألني: من أنت؟ فقلت له: أنا فلان، فقال: أنت صاحب القصيدة التي تلوت بعض أبياتها؟ قلت له: نعم.. فقال: كنت أظن أنك بِعصا طويلة، وأنك بعمامة كعمامتي، وأنك بلحية كثة طويلة. ومن هنا بدأت الصداقة بيني وبينه، التي استمرت إلى الآن خمسين عاماً، أليس كذلك..؟ فقلبت الأمور بعد ذلك، وجاءنا في مهمات سياسية وكثيرة، وكان لي الحظ أن ألتقي معه.
- وعند هذه النقطة ذكَّر دولة الرئيس محمد أحمد النعمان معالي الشيخ عبد الله بلخير بقوله: لا تَنْسَ الشعر الحميني.
فقال الشيخ بلخير: نعم نعم أذكر ذلك، لقد كان في منى، قلت له يا أخي.. أنا أحب أن أتحصل على نص من الشعر الحميني اليمني.. فهل من سبيل أن تجمع لي منه شيئاً؟ فقال: سأعدك بذلك. ومر على تلك الحادثة ثلاثون عاماً، ثم دخل السجن إلى أن خرج مع الزبيري صديقه وحبيبه وزميله في الجهاد، وإليه يشير الشاعر الكبير الزبيري في قصيدة كبيرة لا أحفظ منها إلا البيتين الآتيين:
خرجنا من السِجْن شُم الأُنُوف
كما تخرج الأُسْـد من غـابها
نَـسير على شَفَراتِ السُيـوف
ونَـأْتِي المَـنيَّة مـن بَـابِهـا
 
- ويقصد هذا الرجل الذي خرج معه. أغرب شيء في الأستاذ أنه على دماثة خلقه وعلى حيائه اليمني المعروف الآن وتواضعه، صديق للإِمام يحيى، وصديق للإِمام أحمد، وصديق للإِمام البدر، وصديق للأرياني، وصديق للسلال، وصديق للرئيس الحالي علي عبد الله صالح. وله صداقة مع عبد الناصر، ولقد بعث لعبد الناصر برقية يقول فيها: كنا نطالبك بحرية القول، أما الآن فلا نطالبك إلا بحرية البول، لأنني أقرع الباب على السجان ليسمح لي بالذهاب إلى دورة المياه فيرد عليّ انتظر لم يأت الوقت بعد، وأنا شيخ كبير. وكانت المعارك الشديدة التي تشتعل بينهما، كان سببها البحث عن الطرق التي يمكن أن تنجح بها ثورة اليمن.. فلكل شيخ طريقة، عبد الناصر له طريقة والأستاذ هنا له طريقة أخرى.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :800  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء السابع - الكشاف الصحفي لحفلات التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج