شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 30 ـ
سلمى: ها نحن جئنا على الموعد يا أبتاه.
مزنة: وقد أنهيت كل واجباتي المدرسية وحضرت لاستمع إليك يا جدي.
يوسف: يا مرحبا... يا مرحبا... أنا حاضر... حاضر...
سلمى: أرجوك المعذرة فقد تأخرنا عن الموعد المحدد بسبب زوار الطوارئ الذين يأتون من غير ميعاد مسبق.
مزنة: لقد أتاح الزوار الطارئون الفرصة لي لاستكمال واجبات المدرسة اليومية.
سلمى: تفضل يا أبتاه فكلنا آذان صاغية.
يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه بإحسان إلى يوم الدين. لقد فرغنا في حديثنا أمس من أهم ما جاء به التشريع المكي وهو التوحيد.. والليلة ننتقل إلى بند مهم أيضاً وهو: اليوم الآخر.
نصت الآيات المكية على وجود يوم آخر يجازي فيه كل إنسان بما قدم من عمل إن كان خيراً فجزاؤه خير وإن كان شراً فجزاؤه شر.. ونهت الآيات عن الشر ورغبت في الخير وأكدت ذلك مراراً في السور التي نزلت في مكة وبينت في جلاء أن العدل سيأخذ مجراه بعد أن توزن أعمال الإنسان. فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (الزلزلة: آية 7 - 8).
سلمى: اللهم اجعل حسناتنا أكثر من سيئاتنا.
مزنة: يا رب... يا رب.
يوسف: وقد وصف القرآن الكريم دار الجزاء وما فيها من خير وشر أوصافاً ترغب وترهب... على أنه لم يجعل اليأس يتسرب إلى النفس الإنسانية بما اقترفته من الخطايا بل فتح أمامها باب الرجوع إلى فعل الخير وأخبر أن الحسنة إذا تلت السيئة محتها.
سلمى: وهل الحسنات على إطلاقها تمحوا السيئات؟
يوسف: المفهوم من سياق الآيات القرآنية - والله أعلم أن الحسنات المؤثرة في محو السيئات إنما هي الحسنات العملية.
سلمى: اللهم أجرنا من فعل السوء وجنبنا شرور أنفسنا.
مزنة: آمين يا رب العالمين.
يوسف: وأوضحت الآيات القرآنية المكية الخصال التي تقرب العبد إلى الله والتي تبعده منه. ومعظمها يرجع إلى الأخلاق وحسن معاملة الناس مع بعضهم البعض.
يقول الله عز وجل وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (الشورى: 40).
وقال: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف: 199).
وقال: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت: 34). والسور المكية زاخرة بالفضائل الخلقية والشمائل الإنسانية وسرد ذلك يقتضينا أياماً وليالي.
سلمى: نعم يا أبتاه.. إنه السفر الخالد.. جمع فاوعى. تنزيل من حكيم حميد.
يوسف: وفي التشريع الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة عبادات عملية تربط المرء بالله وتوجهه نحو الخير وفي مقدمتها الصلاة وكذلك الزكاة فأننا حيثما تجد أمر الصلاة تجد بجانبه أمر الزكاة...
سلمى: ما أعظم الإسلام كنظام، فيه كل ما نتطلع إليه الإنسانية من عدالة اجتماعية شاملة تفقأ عيون دعاة المبادئ الهدامة وتلقم أفواههم حجارة من نار.
يوسف: صدقت يا بنتي في الإسلام كل ما تثق إليه النفس الإنسانية من عوامل التقدم والتحرر والانطلاق هو نظام كامل مستوف لكل ما تتطلبه شئون الحياتين الأولى والآخرة جمع في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
تنزيل من حكيم حميد.
سلمى: فمن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وضع الإسلام مبدأ رفيعاً دقيق التنظيم، غايته الحيلولة دون تضخم ثروات الأفراد مع توفير حاجات العيش الكريم لكل فرد.
مزنة: ما هو هذا النظام يا أماه؟
سلمى: هل تسمح لي يا أبتاه بالجواب؟
يوسف: تكلمي يا بنتي فأنني فخور بمعلوماتك الدينية الواسعة...
سلمى: الفضل لله ثم لك يا أبتاه..
يوسف: لله وحده.. أجيبي على سؤال مزنة...
سلمى: هذا النظام هو نظام ((الزكاة)) ومقدارها (2.5) بالمئة تؤخذ عن الأموال النقدية وعروض التجارة، بينما تؤخذ عن المزروع والثمار بنسبة العشر في الأراضي التي تروي بماء السماء والينابيع، وبنسبة العشر في الأراضي التي تسقى بالآلات الحديثة ونحوها.
مزنة: ولكن يا أماه كيف حال هذا النظام دون تضخم ثروات الأفراد؟
سلمى: إني أترك لجدك الإجابة عليه... تفضل...
يوسف: تتجدد ضريبة الزكاة كلما حال الحول على مالك النصاب والنصاب هو عشرون مثقالاً من الذهب أي ما يعادل سبعة جنيهات استرليني أي حوالي (88) ريال سعودي ومعنى هذا أن اكتناز المال أو خزنه في صناديقه أصبح شيئاً على المكتنزين...
سلمى: أين يكمن وجه الخطر يا أبتاه؟
يوسف: إن استيفاء (2،5) بالمئة في كل سنة من هذا المال المكنوز معناه تحول المال كله من صندوق المكتنز إلى بيت مال المسلمين أي إلى خزينة الدولة.. وهذا يعني أنه ليس من مصلحة أحد أن يكتنز المال خشية نفاده بسبب ضريبة الزكاة، بل من مصلحته أن يضعه في التداول وفي تمويل المشروعات لكي يستبقي لنفسه موارد تنميته.
سلمى: يا سلام... ما أعظم ما في ذلك من نفع اقتصادي عميق يفيد منه جميع أفراد الأمة كما ينسف بالتدريج صروح الثروات المتضخمة في حال تجميدها حتى يوصلها إلى ما يشبه العدم.
مزنة: وكيف يوفر ذلك العيش الكريم لكل فرد؟
يوسف: الزكاة يا مزنة لا تفرض على طبقة واحدة من الشعب، بل على جميع الطبقات ابتداء من الفرد الذي يملك سبعة جنيهات فما فوق.. وعلى هذا الأساس تدركين عظم الحصيلة التي تعود إلى خزينة الدولة من ضريبة الزكاة وبالتالي تدركين مبلغ سعة الرخاء الذي يمكن أن يحيا في ظله مجتمع الزكاة والعيش الكريم الذي سيتوفر لكل فرد.
مزنة: ما أعظم الإسلام ديناً ودنيا.. نعم.. الآن عرفت كيف أدافع عن هذا الدين أمام أعدائه وأمام أخواتي اللواتي غرتهن الأفكار البراقة الهدامة.
يوسف: بورك فيك..
سلمى: بورك فيك.. أبتاه ألا تكمل حديثك عن التشريع المكي؟
يوسف: مما يلفت النظر إلى الآيات المكية إن قارئها يحس فيها بأمر مدهش.
مزنة: ما هو يا جدي.
يوسف: كان الرسول صلى الله عليه وسلم مضطهداً بمكة وكان في حاجة إلى من يدفع عنه أذى أعدائه الذين وقفوا في سبيل دعوته في ذلك الحين كانت الآيات المكية تبلغ له من الله تعالى على غاية من الشدة مما يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان على يقين من الله تام بأن العاقبة بالرغم من أنه كان يهان مرة من قومه الذين تمالؤا عليه ومرة يرد أقبح رد من العرب الذين يفدون في موسم الحج إلى مكة وفي غيره من المواسم.
مزنة: أتلُ علينا يا جدي بعض هذه الآيات.
يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم.
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (الروم: 60).
وقوله تعالى فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (الشعراء: 6) وقوله تعالى وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة: 21) وقوله تعالى إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (غافر: 50) وقوله تعالى وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (سبأ: 51) وغير ذلك من الآيات الشديدة الوقع التي ظهر نبؤها بعد حين.
(خبطة موسيقية قوية)..
مزنة: زودنا من معين علمك الذي لا ينضب يا جدي وجهزنا بالسلاح الديني القوي حتى ندفع به موجات الكفر والألحاد التي تجتاح عالمنا اليوم.
يوسف: ما شاء الله... ما شاء الله... أنني سعيد جداً بهذه النتيجة ولا شك أن لوالدتك النصيب الأكبر منها.
سلمى: أنت النبع والأصل ومنك تفرعت هذه الجداول الخيرة...
يوسف: الحمد لله... الحمد لله...
سلمى: والآن نستودعك الله شاكرين يا أبتاه..
مزنة: وأي شكر يا أماه.. لقد أضاء الله لي السبيل على يديه.. ربنا يخليك يا جدي ربنا يخليك.
يوسف: ويبارك لي فيك.. وفي والدتك.. مع السلامة.. مع السلامة...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :631  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 30 من 69
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج