شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 9 ـ
مزنة: أماه!! لقد انتهيت من تحضير دروسي وواجباتها، وعجلت إليك للاستماع إلى بقية قصة فرار المنذر الغساني.. هيا يا أماه.. هيا إن أعصابي مشدودة وكلِّي خوف عليه من بطش الروم..
سلمى: هوني عليك يا ابنتي.. واضبطي أعصابك فتاريخنا مليء بمثل هذه المواقف العصبية..
مزنة: سأحاول يا أماه! سأحاول.. فأرجوك التحدث عما وقع للمنذر..
(موسيقى انتقالية)..
حنظلة: هل يأمر مولاي بالرحيل؟
المنذر: نعم، إننا على أتم استعداد..
حنظلة: هيا على بركة الله..
(تصدح موسيقى القافلة)..
المنذر: في أي طريق نسير يا حنظلة؟..
حنظلة: سنسير يا مولاي في طريق غير معبدة.. وسنلتزم الحذر في كل شيء خشية أن يشعر بنا أحد..
المنذر: وأين سنلتقي مع الآخرين؟..
حنظلة: في مكان عينته لهم نرجو أن نصل قبل طلوع الفجر..
المنذر: أنت تبالغ في الحيطة والحذر..
حنظلة: إننا كما تعلم يا مولاي نكاد نكون في فم الأسد.. ولولا انشغال القوم عنا لكان سفرنا مستحيلاً..
المنذر: عمرو! من تظن أنه سيخلف قيصر؟
عمرو: كان قيصر يرجو أن يخلفه طيباريوس ولكن هذا يكرهه الروم بسبب كرههم لقيصر نفسه.
المنذر: وعلى هذا فسينتصر البطريرك وينصب مرشحه هرقل..
عمرو: هذا ما تدل الطلائع عليه، ولكن هنالك أيضاً مفاجآت.
المنذر: ولكن هرقل ما يزال حديث السن.
المنذر: نعم وهذا ما حمل البطريرك على تعهده وإعداده بنفسه ليجعل منه آلة يحركها كيفما يشاء..
المنذر: ومعنى ذلك أن البطريرك هو الذي سيحكم..
عمرو: إنها الحقيقة.. وخصوم البطريرك يعرفون أهدافه وأطماعه..
المنذر: يميناً يا عمرو، لم أنقطع ساعة عن التفكير فيما سيكون عليه الوضع بيننا وبين العهد الجديد..
عمرو: إنهم لن يأمنوا جانبنا بعد أن وصلتهم أنباء ما تتمخض به الجزيرة العربية..
المنذر: ولم يحذروننا؟ ومم يخافون!؟
عمرو: لقد باتوا يعرفون أننا نتطلع إلى قبلة جديدة غير القسطنطينية..
المنذر: ليتني أعيش فأرى أمتي تنحر من عبث كسرى وعنجهية قيصر..
عمرو: لا أعتقد أن هذا سيكون بعيداً عنا.. فالإمبراطوريتان أدركتهما الشيخوخة، وهما يعيشان في دور أكثر ما يكون شبها بالاحتضار..
(يأتي حنظلة ومعه أحد الحرس ويتابع عمرو حديثه قائلاً)::
أظن رسول حنظلة يحمل إلينا أنباء جديدة..
حنظلة: لقد عاد سالم أخيراً وملء جعبته أخبار..
المنذر: مرحبا بالطليعة ما وراءك يا سالم؟..
سالم: الطريق مأمونة يا مولاي فالبلاد كلها مشغولة بما يجري في العاصمة..
المنذر: وماذا عن البطريرك والقيصر الجديد؟..
سالم: لقد أصبح كل شيء في قبضة البطريرك.. وفي غضون الأيام القادمة سيتوجون هرقل في كنيسة أياصوفيا..
المنذر: وطيباريوس؟..
سالم: يقال إنه قد فر إلى روما..
المنذر: لا بد من الإسراع يا حنظلة قبل أن يستفيق القوم من دهشتهم..
حنظلة: لن نتأخر ما دمنا نأمن طريقنا.. دع هذا إلى مولاي..
المنذر: هل بعدنا حقاً عن دروب المخاوف والمفاجآت؟..
حنظلة: لقد تجاوزنا أكثرها خطورة.. وعما قريب نكون في منأى عنها..
المنذر: بورك فيك يا حنظلة.. لن أنسى إخلاصك ما حييت..
حنظلة: المجد لسيد غسان..
(يدور الحديث بين أفراد الفصيل الثاني)..
جابر: يا لها من طريق موحشة وعرة مليئة بالجنادل والصخور وأقطع من ذلك الغابات المشتبكة لا أنسى فيها سوى عواء الذئاب.. أتخشين الذئاب.. يا سلافة؟..
سلافة: إن سلافة بنت الصحراء لا تخشى الذئاب.. وكيف تخشاهم وهي في صحبة هذا النفر من الأبطال..
سعد: تقدمنا يا ((خنفس)) في هذا الظلام الدامس فإن لك باصرة زرقاء اليمامة..
سلافة: وله أذن تحس مسير النمل على هذه الصخور..
خنفس: لتحرسني الآلهة من عيون الحاسدين.
(يدور الحديث بين أفراد الفصيل الثالث ونسمع قائده يقول):
قائد الفصيل: قفوا أيها الرفاق.. إني أسمع حركات غريبة. أنزل يا رباح وضع أذنك على أحد الصخور لعلّك تستبين شيئاً..
رباح: إني أسمع وقع حوافر خيل ليست بعيدة عنا..
قائد الفصيل: عد يا رباح إلى مكانك.. أيها الرفاق إننا الآن نستشرف طريقاً رئيسية فعلينا أن نتوقف ريثما تمر قافلة الأعداء فالتزموا السكوت التام.
خنفس: أرى شبحين قادمين من بعد..
جابر: هل ميزتهما يا خنفس؟
خنفس: سأتميز ذلك بواسطة أذني.. إن لحوافر خيل الروم وقعاً خاصاً.
جابر: ها.. ها هل عرفت؟..
خنفس: نعم.. إنها من خيل الروم يا جابر.. ولعلّها من حراس هذه الغابات.
جابر: لنختبىء بين هذه الغابات الكثيفة ريثما يمران.. فإن شعرنا أنهما أحسا بوجودنا فلا مناص لدينا إذن من قتلهما..
(نسمع حركات المختبئين ووقع حوافر خيل القادمين اللذين مرا من دون أن يلاحظا المختبئين بعد ذهابهم يقول خنفس)..
خنفس: هيا أيها الرفاق.. أخرجوا من أوكاركم فالطريق أمان..
(نسمع وقع حوافر خيلهم)..
المنذر: ها هو اليوم السابع يمضي ونحن لم نصل دارة الأمان..
حنظلة: لم تبق إلا سويعات على وصولنا إلى مواطن الأمان..
المنذر: أرى السماء ملبدة بالسحاب المطير فهلا أوينا في أحد الكهوف حتى ينقطع المطر..
حنظلة: أمرك يا مولاي..
(يسمع صوت سعال امرأة هي هند فيقول المنذر)..
المنذر: ما بك يا هند؟ لعلّك بخير..
هند: إنني بخير ما دمت بخير يا مولاي.. إنه عارض برد بسيط..
المنذر: دثروها وأدفئوها وأعطها من دوائك يا حنظلة..
حنظلة: أمرك يا مولاي..
هند: شكراً لمولاي على هذه الرعاية..
(نسمع هزيم الرعد وانهمار الغيث)..
المنذر: لا أدري ماذا يصنع بقية رفاقنا في الفصلين الآخرين..
حنظلة: إن معهم أدلاء.. ويلوح لي أن المطر ليس عاماً وإنها سحابة.. صيف عما قليل تقشع..
المنذر: ولكن الجو بارد.. وما أظن هنداً وحدها ستكون المصابة به.
هند: سلمت يا مولاي.. كلنا فداء لك..
حنظلة: لقد انقطع فهل يأذن مولاي بالسفر..
(تصدح موسيقى القافلة)..
المنذر: عجباً بماذا يفكر رجالنا في دمشق بعد هذه الأحداث يا عمرو؟
عمرو: إنهم ينتظرون عودة الملك بفارغ الصبر..
المنذر: إني أخشى أطماع قواد قيصر وغدرهم..
عمرو: نحن أقوى منهم في ديارنا وحولنا أبناء عمومتنا في الحجاز والعراق فلا خوف على غسان من الروم.
المنذر: أترانا نجتمع على مقاومة هذه القوى الباغية فنخرجهم من أرض آبائنا..
عمرو: إن العرب يعيشون اليوم في يقظة ولا يجهل الفرس والرومان هذا..
المنذر: لقد آن لنا أن نخلع سيطرتهم عن رقابنا.. ليت أبناء عمومتنا في الحيرة يقدرون الظروف التي نعيشها وإياهم..
عمرو: إنهم ليسوا أقل منا حرصاً على التخلص من نير الفرس..
المنذر: ليتني أعيش يا عمرو فأرى إشراق شمس العالم الجديد..
عمرو: أنت بخير والحمد لله وقريباً ستظلنا غسان براياتها.
(يأتي حنظلة ووجهه ينطلق بالبشر)..
حنظلة: لقد مررنا بشرق أدلب ونحن الآن نسير بحذاء معرة النعمان وقريباً سنطل على سهول دمشق.
المنذر: مرحباً برياح الوطن إنها تحمل إلينا نسمات كلها العطر وأريج الزهر.
عمرو: ستستقبلك دمشق بوجهها الضاحك يا مولاي..
المنذر: أنا في شوق إلى ولدي وأبناء عمومتي..
عمرو: ستكون غسان في استقبالك وعلى رأسها الحارث..
المنذر: مرحباً برياح الوطن مرحباً بالأرض المباركة..
أصوات: يحيا ملك غسان.. يحيا ملك غسان..
المنذر: المجد للعرب المجد للعرب.. ((يأتي سالم مسرعاً))..
سالم: أرى أن نسلك طريقاً آخر فقد شاهدنا سرية من الرومان تطوف بالقرب من هذه الأرض..
عمرو: بماذا تقدر عدد أفراد السرية؟..
سالم: إنهم حول الخمسين من الفرسان..
عمرو: سنقاتلهم إذا تحرشوا بنا..
حنظلة: أفضل أن نتحاشهم فلا نتورط معهم في معركة تعوقنا عن السير..
المنذر: ما يقوله حنظلة هو الصواب.. اتصلوا بالآخرين من رفاقنا ليلتحموا بنا..
حنظلة: اذهب يا سالم وبلغ رفاقنا أننا سنلتقي معهم في ضواحي حمص بالقرب من النهر..
سالم: سمعاً وطاعة..
المنذر: كونوا على حذر فقد نصطدم مع السرية أو مع غيرها من جنود قيصر..
عمرو: لن يمس أحد ملك غسان وفي صدورنا نفس..
(يداومون السير على حذر، يطلع عليهم أحد الفلاحين)..
المنذر: تعرّف على هذا الفلاح يا عمرو واستمع إلى أخباره دون أن يعرف من نحن..
الفلاح: عموا صباحاً يا قوم..
عمرو: عم صباحاً هل أنت من أهل هذه الديار..
الفلاح: نعم وأنا في طريقي إلى حمص..
عمرو: وماذا عن أخبار البلد؟..
الفلاح: يعيش الروم على أعصابهم وقومنا لهم بالمرصاد..
عمرو: ولماذا يقلق الروم؟..
الفلاح: إنهم يخشون بعضهم.. فالجيش متفرق الكلمة بعضهم يتظاهر للعهد الجديد وآخرون يضمرون الشر ولكن يخافون على مصيرهم فلا يتظاهرون.
عمرو: وقومنا؟..
الفلاح: يترقبون كل حركة تصدر عن الفريقين ويعملون لإقرار الأمن في البلاد..
عمرو: هل تعرف شيئاً عن أخبار دمشق؟..
الفلاح: كل من فيها ينتظر عودة سيد غسان بفارغ الصبر..
عمرو: والحارث ولد الملك؟..
الفلاح: إنه يرعى غسان رعاية أبيه لها..
المنذر: وأبناء عمومتنا؟..
الفلاح: (وعلى وجهه علامة الدهشة) كلهم يلتفون حول الحارث كالبنيان المرصوص.
المنذر: بورك لقومي في هذه الروح العالية..
الفلاح: (وتزداد الدهشة على وجهه).. ومن أنتم يا سيدي؟..
عمرو: ستعرف ذلك عما قريب..
الفلاح: إني أرى على وجوهكم علائم الاهتمام يأمر غسان وشعب هذه البلاد..
المنذر: لا تقلق فنحن من أهلك يا فتى..
الفلاح: يبدو وأنك سيد القوم، هلا أخبرتني بما يملأ قلبي فرحاً.. عن ملك غسان..
عمرو: إنه بخير وستراه قريباً..
حنظلة: هل ترغب في رؤية الملك..
الفلاح: ليت لي هذا ولك كل ما أملك؟..
(يلتفت عمرو نحو المنذر فيبتسم الملك)..
عمرو: أبشر يا فتى فهذا هو ملك غسان ((ويشير إلى المنذر))..
الفلاح: مولاي.. (يجمد وعيناه شاخصتان إلى المنذر ودموعه تنهمر..).
مولاي.. مولاي.. (ثم يهجم على يد المنذر ويقبلها بجرأة)..
المنذر: مهلاً يا فتى فلقد آثرت شجوني بإخلاصك البريء..
الفلاح: أرواحنا وأموالنا فداء للملك.. إني لا أكاد أصدق ما أرى..
المنذر: أهلاً بك يا أخ العرب. لن تفارقنا بعد اليوم وستكون في موكبنا حتى نصل إلى حمص وهنالك سنجد طلائع جيشنا فنطمئن وتطمئن..
الفلاح: لن نخاف الروم بعد اليوم لن يصلنا أذاهم..
المنذر: خذه إليك يا حنظلة وأكرمه فهو من رعايانا المخلصين..
حنظلة: تعال يا أخ العرب فأنت في ضيافة سيد غسان..
المنذر: أرني تعباً يا عمرو وأشعر أن بي حمى متى نصل إلى دمشق؟..
عمرو: نحن بالقرب من حمص وسنعسكر على ضفاف العاصي الليلة ثم نسير في الصباح..
المنذر: قل لحنظلة أن يبحث لي عن دواء ينقذني من هذه الحمى التي تشتد وطأتها علي..
عمرو: ستشفى بإذن الله وسآتيك بالدواء.. (يخرج عمرو ثم يدخل حنظلة ومعه الدواء)..
حنظلة: لا تخشى شراً يا مولاي فهذا كله من آثار التعب.. وسنجلي هذا الكدر قريباً إن شاء الله..
(يقدم العلاج للمنذر فيأخذه)..
المنذر: أتعلم يا حنظلة إنني لم أطمئن من غدر الروم إلا بعد أن اجتزنا الدروب، هل لديك أخبار جديدة..
المنذر: عجباً ماذا ستكون سياسة هرقل؟..
حنظلة: من مصلحة هرقل أن يكون على وفاق مع غسان..
المنذر: إني أشعر بحاجة ملحة للنوم فدعوني أسترح..
حنظلة: إنه من تأثير الدواء فلا تخشى يا مولاي..
(خبطة موسيقية قوية)..
سلمى: والآن أنا أيضاً بحاجة إلى الراحة..
مزنة: تصبحين على خير يا أماه..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :687  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 69
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.