شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 2 ـ
مزنة: لقد انتهيت يا أماه من تحضير دروسي وأتممت واجباتي وكلّي آذان صاغية للاستماع إلى بقية قصة الأمس.
سلمى: إلي أين وصلنا يا مزنة؟
مزنة: وصلنا إلى عنترة.. عنترة يا أمَّاه فارس بني عبس..
- موسيقى انتقال -
(ضجيج وهرج ومرج وأصوات ترتفع تنادي: نريد عنتره.. نريد فارس بني عبس.. نريد البطل نريد بطل الأبطال..)..
- موسيقى دخول التمثيلية -
النابغة: هذا هو عنترة فارس بني عبس وشاعرها فاستمعوا له وأنصتوا:
(تعلو الأصوات وهي تقول):
الأصوات: أنشدنا يا بطل الحب والحرب..
عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
أصوات: مرحى.. مرحى.. هذا هو الشعر.. لا أحلى وأندى.. ولا أجمل..
أحدهم: خيال ما مرّت بالبال حلاوة كحلاوته..
إحدى الحاضرات: عبلة.. عبلة.. إياك أعني وأسمعي يا جارة..
هذا الكلام لك يا عبلة..
(تقول ذلك وهي تنته)..
عبلة: أسكتي يا هذه فليس الوقت وقت مزاح..
(يستمر عنترة في إلقائه)
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم
لما رأيت القوم اقبل جمعهم
يتذامرون كررت غير مذمم
يدعون عنترة والرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم
ولقد شفى نفسي واذهب سقمها
قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
* * *
أحد الأصوات: أنطقه الحب فكان المجلي في هذا اليوم..
أصوات: المجد للبطل.. المجد للشاعر.. المجد لعنترة..
النابغة: لقد خصتك غسان بهديتها في هذا الموسم ولعمري أنت جدير بهدايا ملوك غسان..
ما رأي المحكمين فيما سمعوا؟..
أحد المحكمين: إنها جديرة أن تعلق على الكعبة..
أصوات: مرحى لغسان.. مرحى للمحكمين (أهازيج)..
النابغة: يا قوم لقد استمعتم لروائع من الشعر هي لا شك صدى العواطف المتدفقة، والأحاسيس الصادقة، والشعور العميق الذي يصل جيلنا الحاضر بالأجيال المقبلة بوشائج من الفخر والعزة والكرامة.. إن هذه الروائع ثروة كبيرة من الأدب والفن ستبقى نبراساً يضيء مسيرة الأزمنة القادمة..
أحد الأصوات: بخ.. بخ.. أصبح النابغة لعمري خطيب الموسم أليس كذلك يا أعشي؟..
الأعشى: صدقت يا أخا العرب..
(ثم ينادي)
يا نابغة.. يا نابغة،
النابغة: من المنادي؟.. الأعشى.. الشاعر الجوابة.. أتريد أن تسمعنا من دروسك..
ثم ينادي.. يا غلام.. خذ بيده إلى قمة الربوة..
الأعشى: أيها القوم، إننا نجد في هذه الروائع حرارة الشمس التي تلفح وجوهنا ومشاعل تنير مسارح بيدنا.. وفي أنغامها نفحات تهز كياننا، وصوب يزرع الأمل في نفوسنا.. إنها قصة حياتنا بيدنا.. في شعرنا.. في حبنا.. إنها قصة تتلاحق فيها نوازع الخير وتتسائد في عبورها مجرى التاريخ.. إن موسمنا هذا لعمري مشهد من الرواية الإنسانية الكبرى.. وقافلة من موكب التاريخ.
أصوات: مرحى للخطيب.. مرحى.. مرحى يا أعشي..
(تسمع ضجة في صفوف الجماهير)
النابغة: من هذا الذي يكدر صفو هذا اليوم ويسيء إلى سمعة هذا الموسم وروعته؟..
(يبرزعدي بن زيد من بين الجماهير ويقول)..
عدي بن زيد: أنا هو.. قل لأبي سفيان يرد على امرأتي ووليدتها..
أبو سفيان: إنهما في حمايتي يا عدي بن زيد..
عدي بن زيد: أقسمت لأقتلنّها وأئد وليدتها..
النابغة: خذوا يا قوم منه سلاحه فقد خالف عادة هذا الموسم..
ورقة ابن نوفل: أو يحزنك أيها الرجل أن تضع امرأتك طفلة..
عدي بن زيد: ماذا تقول يا بن نوفل..
ورقة: أنسي هذا الحقد الذي يفترس قلبك يا عدي.. وأذكر أنك أب لمخلوق ضعيف يحتاج إلى عطفك وحنانك.
عدي: ولكنني مصرّ - وليس في قدرتي أن أكفل حياة الطفلة..
ورقة: أهو البؤس الذي قتل الرحمة في قلبك؟..
عدي: أو تدري ما هو البؤس أيها الرجل الوقور..
ورقة: ما علاقة الطفلة ببؤسك وفقرك وسوء حالك؟
عدي: البؤس يا سيدي قلب مات فيه الإحساس وقبر جائع يفتح فمه للفريسة الضائعة..
ورقة: هات يدك أيها الرجل!
عدي: ماذا تريد أن تقول..
ورقة: دع عنك هذه الأفكار التي تغطي عقلك بضباب يمنع وصول النور إلى نفسك..
عدي: وماذا لو فعلت؟
ورقة: ستغدو إنساناً يخفق قلبه، بالرحمة ويتسع صدره لآلام الحياة ويحتضن الطفولة بالحنان والحب..
عدي: وما هو سبيلي لأكون الأب الشفيق والزوج الصالح؟
ورقة: أسع إلى عمل يصلح شأنك..
عدي: وأين العمل؟
ورقة: قل لها إني أرسلتك إليها، وستجد عندها ما يعوّض عنك ما لقيت في أيامك الخالية ولعلّها تبعثك في قافلة لها إلى الشام..
عدي: شكراً لك وسأذكرك ما حييت..
ورقة: كن عطوفاً بأهلك يا عدي، كن إنساناً رحيماً..
عدي: بورك عليك فقد أنقذت نفسين كانتا على وشك الهلاك..
ورقة: أذهب الآن وعد إذا كنت في حاجة إلى المساعدة..
عدي: جزاك الله عنا خيراً..
((يعلو النابغة المنبر خاطباً في الجماهير المحتشدة))..
النابغة: أيها القوم لقد استمعتم أمس واليوم إلى شعرائكم يصوغون من أكبادهم نغمات حلوة تكرّم الحب والخير والحق والجمال..
أصوات: مرحى.. مرحى.. (أهازيج)..
النابغة: إن هذه الجزيرة كانت في الماضي تمور بأصداء المعارك وهاهي اليوم تستقبل في واحاتها الضاحكة أناشيد جديدة تحدثنا عن عالم جديد تفوح منه أعراف المستقبل الباسم..
صوت أحدهم: ولكن عدي كدر صفاء الموسم..
صوت الثاني: لقد خالف عدي أنظمة الموسم وأفسد علينا يومنا هذا..
النابغة: لقد انتهى حادث عدي إلى تحقيق معاني الإنسانية في تكريم الطفولة وستعودون إلى دياركم بروعة الموسم وجلاله.. وستتحدثون عن المستقبل الضاحك الذي تنتظرون..
أحدهم: وماذا تخبيء لنا الأيام إننا في لهف للسماع عن أيام جميلة تقبل علينا..
النابغة: إني لأشعر بأن حدثاً عظيماً سيملأ هذه الصحراء بالحياة والندى فتهيئوا له وعودوا إلى قومكم وأحمدوا إليهم هذا الأمل..
أمية: وما هو هذا الحدث العظيم؟ والأمل المرتجى؟
النابغة: لقد ملأ القلق نفسك يا أمية ابن أبي الصلت ولكنك لست صاحب هذا الحدث..
أبو سفيان: ومن يحدثنا عن هذا الحدث الجلل؟
لنابغة: أذهبوا إلى سطيح - فهو أدرى مني بالمعرفة..
حسان: وماذا سيقول لنا سطيح؟..
النابغة: إنه سيحدثكم عن دور هذه الصحراء في العالم الجديد..
أصوات: هيا بنا إلى سطيح.. هيا بنا إلى سطيح.. (أهازيج)..
هيا يا رجال..
مزنة: ما أروع هذه القصة ولكن..
(خبطة موسيقية قوية)..
سلمى: ولكن ماذا يا مزنة؟
مزنة: إنك تصلين بي إلى أجمل موقف وتقطعينه..
سلمى: انتهى وقت القصص وجاء وقت النوم وغداً إن شاء الله سنعود للتحدث عن أمجاد الجزيرة..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1582  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 2 من 69
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.