(نرى ((هارون)) ورفقاءه مجتمعين في بيت أحدهم يتحدثون):

الأول:

كل شيء مضى: قل لنا

سر هذا الغنى؟

هارون:

إنه سر عميق جذره

لست مفشيه

الثاني:

أَسِرٌّ بيننا؟

هارون:

لا: ولكن...

الثالث:

دعك من (لكن ولا)

الرابع:

هات ما عندك فصّله لنا

هارون:

بنت عمي وجدتها..

(ويتلهفون لمعرفتها فيقول أولهم):

الأول:

أين يا هارون؟

هارون:

في ((مصر))

الثاني:

هنا....

الثالث:

ما اسمها؟ كيف أتت؟

الرابع:

ما شغلها؟

(ويبتسم ((هارون)) قائلاً):

هارون:

ليلة القدر اسمُها

الأول:

يا بختها

هارون:

لست أدري كيف جاءت ههنا

الثاني:

ليس هذا شأننا بل شأنُها

هارون:

اسمها يشدو به كلَّ فمِ

ذكرُها فاتحةُ المستلهمِ

هتفت مصر وأهلوها به

وجرى النيل بعذب النغمِ

وحدت صحراؤه ألحانها

فانتشت منها سفوحُ الهرمِ

(وتستولي الدهشة على المجتمعين ثم يقول أولهم معاتباً):

الأول:

((هارون))....

(ويقاطعه ثانيهم متهكماً):

الثاني:

((مجنون ليلى))

(ويسبح ((هارون)) في ذكرياته):

هارون:

يا له شرفاً

أن أنتمي في هواها للمجانينِ

الثالث:

أأنت تهزل؟

هارون:

بل جاد وربِّ ((ضحى))

الرابع:

ومن ((ضحى))؟

هارون:

ملء سمع الدهر والعينِ

الأول:

((ضحى))؟

هارون:

أجل بلبل لبنان أرسله

بشرى تردد في أرض الفراعينِ

(ويغضب ثانيهم وقد ظن أنه يسخر منهم فيقول متهكماً):

الثاني:

((ضحى)) مغنية الوادي وبلبلُهُ

قريبُها أنت؟

هارون:

إي والله....

(وينتصب ثانيهم غاضباً يريد أن يضرب هارون فيقول):

الثاني:

((سيبوني))

((أدشدش)) العظم منه

(ويمسك به أولهم مهوَّناً الأمر قائلاً):

الأول:

من يصدقه

أين الثريا سنى من شكله الطينِ

(ويقابل ((هارون)) الموقف بتؤدة وصبر فيقول لثانيهم):

هارون:

هوِّن عليك أخي وانظر معي لترى

(ويريهم صورة له مع ((ضحى)) وهما في لبنان ويقول):

آيات صدق على قولي وتبييني

(ويقتنعون ويصدق قوله فيقول أولهم):

الأول:

صدقت عفوك

الثاني:

سامحني على حمق

فالعفو....

(ويقاطعه ((هارون)) قائلاً):

هارون:

ذلك من طبعي ومن ديني

الثالث:

حيوا ((ضحى))

الجميع:

فلتعش وليحيَ موطنُها

هارون:

لبنان يا وطن الغرَّ الميامينِ

الرابع:

إذاً فسعدك قد وافت بشائره

الأول:

ومن عديلك في دنيا الموازينِ

الثاني:

عزٌّ...

الثالث:

وجاهٌ...

الرابع:

ومال لا نفادَ له

الأول:

فانعم بحبك واسعد بالملايينِ

(تمر بوجه ((هارون)) سحابة حزن لا تلبث أن تنهمر في قوله والألم يعتصره):

هارون:

((ضحى))... لغيري

(وينقلب مديحهم إياه إلى سخرية فيقول ثانيهم):

الثاني:

إذاً ما قلته حلمٌ

الثالث:

غداً ستلبس ثوب الفقر والهونِ

الرابع:

غداً سترجع ((ريما))

الأول:

يا له مثلاً

ما قيل إلا على أمثال ((هارون))

(ويبدأون سيلاً من الأمثلة يفتتحه الثاني بقوله متهكماً):

الثاني:

ومن حبيبُ ((ضحى)) المحظوظ؟

هارون:

ذاك فتى

ما زال طالبَ تعليمٍ وتمرينِ

(وتتحكم النكتة في ثالثهم فيقول):

الثالث:

وأنت طولاً وعرضاً...

الرابع:

منطقاً وحجى

ما زلت تجهل طبع الحور والعِينِ

(ويحرج ((هارون)) تهكمهم اللاذع، فيريد أن يداري الموقف، وإذا به يتعثر فيقول):

هارون:

كيف التخلص من هذا الدخيل؟

(ينتحي الأربعة وحدهم في ركن من الغرفة يتشاورون، وعندما يستقرون على رأي يقول أولهم لهارون):

الأول:

نرى

(ثم يسرّ في أذن ((هارون)) شيئاً نرى أهميته على وجهه، وعندما ينتهي المسرّ يقول ((هارون))):

هارون:

رأي خطير ونصحٌ غيرُ مأمونِ

أخشى المباحث...

الثالث:

لا تخشَ فليس لدى

قوم المباحث علمٌ باسم ((هارون))

(يفكر ((هارون)) في هذا الأمر ملياً، ثم يستقر رأيه على أن يزج بهم فيه ولاسيما وهو غريب وهم أعرف بمداخل بلدهم ومخارجها فيقول):

هارون:

تعالوا.... نشترك قولاً وفعلاً

فأنتم عارفون بكل حتّه

وأنتم بالبيوت أشدُّ علماً

وبالحارات أجمع والأزقّه

(يتشاور الرفقاء فيما بينهم سراً، وعندما ينتهون ينتحي أولهم بهارون يسرّ إليه بما اتفقوا عليه فيجيب هارون):

هارون:

أؤيد ما ارتأته الأغلبيه

الجميع:

ونحن بدورنا جند القضيّه