شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(المشهد التاسع)
 

(يصل ((خطّار)) إلى حي الشيخ ((عامر))، وخاطفاه مشهران السلاح في زهو وكبرياء. ويتجمع أهل الحي وتشيع فرحة الانتقام في وجوههم، و ((خطّار)) مطرق الرأس ينتظر مصيره المظلم. أما ((خالد)) فقد أخذته الشفقة والرحمة عندما نظر إلى ((خطّار)) وقد جلّله الشيب وهدّه اليأس، وأما أبوه ((عامر)) فقد تهلّل وجهه بشراً بدنو ساعة الأخذ بالثأر بعدما يئس من أخذه. يتقدم الخاطفان بخطّار إلى مضرب الشيخ ((عامر)) وينبري ((منصور)) للكلام):

منصور:

جئنا بخطّار

   

عامر:

لا مرحى لخطّارِ

 

يا صرخة الثأر من جانٍ وغدّار

 

اليوم يا عين كفّي عن بكاك على

 

((مهند)) وخذي في أهبة الثأرِ

 

من مجرم غاله رأد الضحى بيد

 

قد لطخت بالدما، بالخزي والعارِ

 

ولّى إلى أمريكا خائفاً وطوى

 

بحراً خضمًّا على فلك به جارِ

 

عشرون عاماً مضت والثأر ما انطفأت

 

نار له ودويٌّ مرعبٌ سارِ

 

عشرون عاماً قضى خطّارُ مغترباً

 

والثأر لمّا ينمْ عن غدر ((خطّار))

 

(يتطلّع ((خطّار)) في وجوه القوم فيرى فيها الشر إلا وجه ((خالد)) فقد كانت الشفقة ممزوجة بالامتعاض ظاهرة على محياه. ينفلت ((خطّار)) من بين آسريه ويلتجىء إلى ((خالد)) ويتعلق بأذياله قائلاً):

خطّار:

بك استجرت: أجرني في حماك ولا

 

تخب رجائي ولا تبخل بإيثاري

 

شطّت بيَ الدار لا أهل ولا وطن

 

ولا صديق فكن عوني وكن جاري

 

(ويصرخ ((عامر)) في خاطفيه):

عامر:

خذوه: غلّوا يديه.....

   
 

(يسرعان إلى ((خطّار)) ومعهما الأغلال. يلتفت ((خالد)) إلى أبيه وإلى الخاطفين مشيراً بيده إليهما بالتريث، ثم يخاطب أباه):

خالد:

دعه يا أبتي

 

فإنه في حماي اليوم

 

(ويصرخ ((عامر)): من هول المفاجأة):

عامر:

   

يا عاري

 

(ويسري لغط وضجيج بين الحاضرين وتشعّب في الآراء ويرى الكثيرون أن في عمل ((خالد)) خروجاً على التقاليد العشائرية المعروفة عندهم ولا سيما والمقتول أخوه، ويرى عقلاء العشيرة - وهم قلّة - رأي ((خالد)). أما ((خطّار)) فيتنفس الصعداء، ويلتصق بـ ((خالد)) كأنه قطعة منه ويستمر ((عامر)) في صراخه وسخطه مخاطباً ابنه):

عامر:

نسيت مهنداً ونسيت ثأراً

 

لقد جلّلتني خزياً وعارا

 

خرجت على العوائد لست منّي

 

ولا أنا منك مقربةً ودارا

 

(ويهتبل ((خالد)) الفرصة لينقذ الموقف فيقول):

 

أناتك يا ابي والحلم أولى

 

بمثلك إن رأى مني عثارا

 

صحيح أنني آويت خصماً

 

حلال قتلُهُ عرفاً وثارا

 

وثرت على تقاليد لقومي

 

رعت بيداً لهم وحمت ديارا

 

وسار بذكرها حادٍ بركب

 

وغنّى مطربٌ وشدا فخارا

 

بقايا من تراث العرب كانت

 

لهم سننا. لهم كانت منارا

 

ولكنَّ الزمان أتى عليها

 

ودكَّ صروحَها فغدت دمارا

 

وبدّلها شرائعَ قد تمشّى

 

عليها الناس كرهاً واختيارا

 

ونحن العربَ جارينا زماناً

 

على عاداتنا المثلى أغارا

 

(ثم تتغير لهجته ويبدو عليه التأثر فيقول):

 

عشرون عاماً على الجرم الفظيع مضت

 

والعدل ما اقتص للمقتول من جاني

 

(ويقاطعه ((عامر)) محتداً بعد أن نفذ صبره):

عامر:

إن أخفق العدل في تحقيق ما رسمت يداه فالثأر يطفي غلَّ ظمآنِ

خالد:

الثأر يا أبتي أيامه اندرست

 

لم يبق للثأر من حولٍ وسلطانِ

 

فإن ثأرنا ففي بطن السجون لنا

 

زجر وقسوة تشغيلٍ وسجّانِ

 

وقد يكون جزانا الموت إن ثبتت

 

أدلّة الجرم عمداً قبل عدوانِ

 

((خطّار)) يا أبتي زالت عقوبته

 

عشرون عاماً أزالت جرمه الفاني

 

هذا هو العدل غنّى الحاكمون به

 

ما بين بيدٍ وأمصارٍ وركبانِ

 

(يتهامس الحاضرون، وتعاود الحيوية وجه ((خطّار)) وتزول أمارات الغضب من وجه ((عامر)). فيدرك ابنه ((خالد)) ذلك فينتهز الموقف قائلاً):

 

((خطّار)) يا أبتي إن شئتَ تقتله

 

فافعل وإن شئت فارحم شيبَهُ الفاني

 

بيَ استجار وفد لبيتُ جيرتَهُ

 

ولاذ بالمرتجى من عفوك الداني

 

(ينظر ((عامر)) إلى ((خطّار)) فيهوله أثر الخوف في وجهه وينظر إلى شعره الأشيب وشيخوخته الفانية فيتأثر ويرق قلبه، ثم لا تلبث تلك الرقة أن تنطلق من لسانه فيقول):

عامر:

عفوت يا ولدي....

   
 

(ويكبّر الجمع ويهلّل فيسرع ((خالد)) و ((خطّار)) ويجثوان على ركبتي ((عامر)) شاكرين جميله، حامدين صنيعه. ويربت ((عامر)) على كتف ((خطّار)) ويساعده على النهوض ثم يرفع يديه ضارعاً إلى رب السماوات والأرض):

 

ربّاه منَّ على

 

قلبي بصبر وهب لي كل سلوانِ

خالد:

حييت يا أبتي..

   

عامر:

بوركت يا ولدي

   

خطّار:

   

جزاك ربك عنّي فيض إحسان

 

(ثم يلتفت ((خطّار)) إلى ((خالد)) ودموع الفرح تترقرق في عينيه ومظاهر الشكر بادية على محياه):

خطّار:

وأنت يا ولدي أعظِمْ بمكرمة

 

تبقى مدى الدهر أرعاها وترعاني

 

(يقترب ((عامر)) منه ويعقد له الراية على عادة العرب ويقول له):

عامر:

لقد أصبحت يا خطّار فينا

 

عزيزاً جانباً منّا إلينا

خطّار:

سأشكر - ما حييت - لكم جميلاً

 

أظل - مدى الحياة - له أمينا

 

(يجلسون، وتدار عليهم القهوة، وتنحر الذبائح، ثم يلتفت ((خطّار)) إلى ((عامر)) قائلاً وقد هتف به الشوق والحنين إلى ابنته ((لِيلِي))):

 

أتسمحُ يا شيخَ الحمى بذهابي

 

فقد أقلقتْ أهلي طريق غيابي

 

وبنتي لا أدري أجنّت وراعها

 

فراقي وحال اليأس دون طلابي

 

(ثم يزفر زفرة حنان وشوق قائلاً):

 

ألا ليت أنسام البوادي حَمَلْنَني إليها..

   

خالد:

   

ستلقاها بخير إياب

 

(ويبقى ((خطّار)) في ضيافة العرب ثلاثة أيام وهو عزيز الجانب مكرّماً محترماً كأنه لم يأت أمراً إدَّا. وفي اليوم الثالث يهيّىء نفسه للسفر، وبينما هو ينتظر واسطة النقل إذا بـ ((خالد)) يدخل عليه قائلاً):

 

أبا لِيلِي أتقبلني رفيقاً

   

خطّار:

   

ألا نعم الرفيق ونعم منقذ

 
طباعة

تعليق

 القراءات :603  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 150
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

زمن لصباح القلب

[( شعر ): 1998]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج