شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مشكلة الأزياء
حول مقال الأديب أ.ن
يرى أديبنا (أ - ن) أن توحيد الزي طفرة، وأنه يجب قبل أن نوحد زينا أن نتكلم اللغة العربية الصحيحة، وأن، وأن، الخ.
ونريد هنا أن نناقش أديبنا آراءه فنقول: إن توحيد الزي ليس بطفرة، وليس من الكماليات، ثم ليست مطالبتنا به جرياً وراء الفن وجماله، وإنما نطالب به لأنه أمر لازم لكل أمة تشعر بالقوة والكرامة، وحاجة ضرورية لكل أمة تريد أن يكون لها شعار تحترمه وتقدسه، ثم هو مظهر من مظاهر الأمم ودليل على وحدتها وحفظ كيانها، ثم بعد كل هذا فن وجمال، وليس الفن والجمال من الأشياء التي تعاب على الأمم والشعوب، ولا الأخذ بهما نكرة من مناكر الحياة.
إن توحيد الزي اليوم من الأشياء التي أولتها الامم عنايتها لأنه مظهر من مظاهر قوتها، وإثبات وجودها، وإذا فرضنا وكنا مقلدين في هذه المطالبة فالتقليد في الأمور النافعة ليس بالمستنكر ولا بالمستقبح، بل من الأشياء التي يجب المناداة والأخذ بها.
إن توحيد الزي من أهم الأشياء التي يجب أن نوليها عنايتنا، وأن نسعى سعياً حثيثاً لحل مشكلتها إذا كنا نريد السعي لتوحيد مظهرنا، فتوحيد الزي دليل على مظهر الحياة، وأن الواجب يقضي على جهات الاختصاص أن تنظر في هذه المشكلة فتحلها عاجلاً غير آجل بشكل يتلاءم مع عروبتنا وقوميتنا وديننا وجونا وماليتنا.
إن بقاء أزيائنا بالشكل الحاضر –مجموعة أزياء مختلفة لأمم مختلفة– جناية وخطر يجب أن يزولا ويجب أن يوضح حد لهما، ويجب على الجهات المسؤولة أن تنظر في الموضوع من جميع جهاته، وتعمل ما فيه الخير والمصلحة. أما إذا أردنا مجاراة أديبنا من أن نتكلم اللغة العربية الصحيحة أولاً، ثم نأتي للزي، إذا أردنا النزول على هذا الرأي فمعناه أنه يجب أن تبقى أزياؤنا –مجموعة أزياء مختلفة– مئات السنين حتى نقضي على الأمية ونتكلم اللغة العربية الفصيحة، ثم نفكر في توحيد الزي. إن هذا الرأي –رأي السعي لنتكلم اللغة العربية الفصيحة– جميل للغاية، ويا حبذا لو تحقق، ولكن تفكيرنا فيه اليوم هو الطفرة، إذ التكلم بالفصحى لا يكون اليوم إلا بالتعليم الراقي جدّاً، وأَنَّى لنا ذلك والأمية في بلادنا بنسبة خمسة وتسعين في المئة، إن فكرة تعميم التكلم باللغة العربية الفصحى في وسط كوسطنا فكرة صعبة، وقد فشل الذين حاولوا تطبيقها في الأوساط المتعلمة، فضلاً عن الأوساط الجاهلة، فنرجو من حضرة الأديب أن يفكر ويقدر ثم يقارن بين النظرتين أيهما الطفرة، ونريد أن يفهم أديبنا أن ليس معنى مطالبتنا بتوحيد الزي عدم مطالبتنا بتجميل الشوارع وتحسينها وتجميلها، وإنما لهذا جهات اختصاص كما لتوحيد الزي جهات اختصاص أخرى، وليس معنى مطالبتنا جهات اختصاص النظر في أمر توحيد الأزياء عدم رغبتنا في مطالبة جهات اختصاص تحسين الشوارع وتجميلها وتنسيقها بالقيام بواجبهم.
إنا طالبنا بذلك قبل أن يطالب به أديبنا، ولنا في هذا الموضوع مقالات نشرت في افتتاحيات أم القرى، وآخر كلمة لنا في هذا الموضوع مقال بعنوان (همسة في آذان بلدياتنا) أرسلناه إلى هذه الجريدة من أمد بعيد فلم تنشره لأنه في نظرها شديد، وقد غاب عنها أن نستوحيها اللهجة والألفاظ التي تكتب بها مقالاتنا. إنا نكتب تحت عوامل تأثراتنا، وبدافع من ضمائرنا فيجب أن تترك لنا الحرية لنقول ما نشاء في حدود القانون والعدل. إنا لا ندري إذا كانت الصحافة في هذه البلاد ملكاً للمسيطرين عليها يحلون ما يريدون ويحرمون ما يريدون، أم هي للأمة لتقول كلمتها من على منبرها. إن الصحافة منبر الأمة، فيجب أن تعبر الأمة عن آرائها فيها بحرية تامة، وما دام أنه يوجد قانون للصحافة، ومحاكم للمخالفات التي ترتكب فيها فلا معنى لأن يزيد أصحابنا الطين بلة.
أما ما أشار إليه أديبنا في موقف الحكومة حرسها الله من الخرافات والعادات السيئة، وأنه يجب أن لا نقلد الخارج تقليداً أعمى، ونترك خلفنا كتاب الله وسنة رسوله، وعفاف العرب، فلا ندري ما المناسبة بين الموضوع وهذا، إلا أن كان توحيد الزي في نظر أديبنا تقليداً أعمى ومخالفاً لما في الكتاب والسنة وعفاف العرب، فإنا نقول له ليس ما طالبنا به تقليداً أعمى، ولا يخالف ما جاء في الكتاب ولا السنة ولا عفاف العرب، وإنا بحمد الله وتوفيقه من الداعين لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتمسك لعفاف العرب، وليس في مقالنا كلمة واحدة يستطيع أديبنا أن يقول أن معناها الخروج عن الكتاب والسنة وعفاف العرب، وما عليه إلا أن يرجع لمقالنا ويقرأه بتدبير وتمعن، فقد قلنا إننا نريد زيّاً يتفق مع ديننا وقوميتنا وعروبتنا وجونا وماليتنا وتركنا لجهات الاختصاص التفكير في الزي الملائم والشكل الموافق.
نريد من حضرة الأديب، ومن كل كاتب يعلق على مقالات غيره أن يفكر في معنى الألفاظ التي يضعها قبل ملء البياض بالسواد، لأن هذا خير للحقيقة والعدل، والله الهادي إلى سواء السبيل.
مكة المكرمة: أبو عبد المقصود
جريدة "صوت الحجاز" العدد 259
بتاريخ الثلاثاء 22 ربيع الأول 1356هـ
الموافق 1 يونيو 1937م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :400  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 107 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.