شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المعاملات:
الرجل في بيته
كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته.
"حديث شريف"
جميل جداً إذاً فرب البيت راع، ومن في بيته رعيته، وحيث أن الراعي مسؤول عن رعيته، فرب البيت إذاً مسؤول عن جميع من في بيته.
والحقيقة أن رب البيت هو الذي يدير أموره كيفما شاء، وبما أراد، وهو قائد من فيه، يدبر أمورهم بمعرفته.
فتعال معي أيها القارئ، قليلاً إلى بعض أرباب البيوت (ولا أقول الكل) لنتطلع إلى بعض أعمالهم ثم نبحثها لنعرف هل هي نافعة أو مضرة.
كثيراً من أرباب العائلات نجدهم عندما تطأ أقدامهم أعتاب دورهم يشعرون أن جميع من فيها هم عبيد أرقاء لا يملكون معهم عدلاً ولا صرفاً، فيأمرون وينهون ويصرخون ويصدرون أمرهم بما يشاؤون، ومن في البيت سامعون طائعون، وليتهم مع كل هذا خالصون.
ثم تعال أيها القارئ لنبحث علَّنا نجد لأمرهم أو لنهيهم أو لصراخهم مسوغاً، كثيراً ما نجد أنه لم يكن هناك مسوغاً لكل ذلك، وإنما الاستبداد المستحكم فيهم، والظلم المكين في نفوسهم هو الذي يخلق لهم تلك الأوهام، ويعظمها ويجسمها في أعينهم، فيعاملون من هم في كنفهم وتحت رعايتهم بمعاملات لا تنطبق وروح العدل والإنصاف.
نجد رب العائلة كثيراً ما يسيء إلى زوجته، وكثيراً ما يهين خادمه، وكثيراً ما يهمل تربية أطفاله، ثم بالتالي يشمخ بأنفه عليهم، ويصعر خده عنهم، وينظر لهم شذراً، ويكلمهم والعظمة الكاذبة تكسوه من رأسه إلى إصبعه، كل ذلك لكونه رب البيت وجميع من فيه بحاجة إليه.
الآن وقد أتينا على هذا القسم فيجب أن نأتي على القسم الآخر، وهذا ما نجد نتائج أعماله وخيمة جداً بالرغم من قلته.
وأريد بالقسم الآخر هم الذين لا يعلمون عن شيء من أعمال بيوتهم، ولا عما يحدث فيها، ولا كيف تدار شؤونها، وليس لهم كلمة ولا قول بل القول "ما قالت حذام". من هذا القسم أناس كثيراً ما يخجلون في بعض المواقف، وكثيراً ما يكونون أضحوكة في أعين الناس (والعارف لا يعرَّف)، وكثيراً ما يحارون جواباً إذا سئلوا عن شيء من أشيائهم الداخلية التي يهمهم أمرها، والتي من الضروري أن يعرفوا ولو شيئاً عنها.
هؤلاء موجودون وبالرغم من قلتهم فإن وجودهم بين ظهرانينا مضر، لأنه من القليل يتولد الكثير، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأنهم أهملوا ما لهم وما عليهم من واجبات، فأساؤوا إلى أنفسهم وإلى عائلتهم، وإلى أمتهم أيضاً.
يجب أن نعرف أنه كما لرب البيت حقوق عليه حقوق أيضاً، كما أنه يجب أن نعرف أنه إذا لم تصلح داخليتنا لا تصلح خارجيتنا، فيجب أن نعمل لإصلاحها ونعطي لكل واحد حقه، كما يجب بدون إفراط ولا تفريط، ومتى ما علمنا ذلك فنكون قد أحسنا إلى أنفسنا، وإلى من نرعاهم، إلى من نحن مسؤولون عنهم، إلى من هم أمانة مودعة في أعناقنا، إلى من سنحاسب عن ما تجنيه يدنا معهم، وسنجازي عليه إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً.
كثيراً من أرباب البيوت يسيئون إلى من في بيوتهم بدون مسوغ، وبدون حق، فيهضمون حقوقهم، ويدوسون واجباتهم، ولكن لا يعلمون أن نتيجة ذلك خراب البيت، وأن كثيراً ما تؤدي تلك الأعمال إلى الفوضى فيه، فيصبح كل من فيه يرى نفسه هو الآمر الناهي، ومن هنا بدأ الخراب.
كثيراً ما نجد رب البيت يستبد برأيه في الأمور المنزلية فيعمل بفكره كأن الذين معه ليس لهم من الأمر شيء، وهذا الرأي (على ما أرى) غلط، لأن كثيراً ما نجد أن هذه الأشياء تصرم حبل ائتلاف العائلة، وتحدث مشاغبات داخلية تؤدي للعداوة، فيتعب رب البيت من نتائجها السيئة، ويكون ذلك بما جنته يده، وبما دفعه عليه استبداده.
كثيراً من الناس يظنون أنهم قد أصابوا في هذه الأعمال مع أنهم مخطئون في نظريتهم، لأن ضررها أعظم من أن يقاس، وقد قيل: "ليس بحكيم من لم يعاشر بمعروف من لا بد له من عشرته".
اسمح لي أيها القارئ أن أقول أن النظام البيتي غير موجود في بعض بيوتنا، اسمح لي أن أقول أن حاجتنا شديدة إلى تنظيم بيوتنا، اسمح لي أن أقول أن الفوضى ضاربة أطنابها في كثير من بيوتنا، اسمح لي أن أقول أن معاملاتنا مع من هم في كنفنا معاملة قاسية لا تنطبق وواجباتنا، اسمح لي أن أقول ذلك لأنها حقائق واقعة.
أنا أعرف أن هذه الحقائق مؤلمة، وأقسم بالله أنها تؤلمني، ولكن هل من العدل أن نترك هذا الداء بدون مقاومة! ولا سبيل (على ما أرى) إلى مقاومته إلا بإظهاره ليعلم كل واحد أن هذا مضربه وبأسرته وبأمته في التالي.
البيت هو المكان الذي تعيش فيه العائلة، وهو المدرسة الأولى للأطفال، وهو المملكة الصغيرة، أقول المملكة الصغيرة لأنها تتطلب من الفطنة والحنكة، وسداد الرأي، وحسن التدبير ما تتطلبه إدارة الشؤون العامة في الحياة، فبسعادتها تسعد العائلة وبشقائها تشقى. وكلما كانت تلك المملكة منظمة نظاماً مستحكماً كانت فائدتها أعظم.
فيجب أن نعمل على تنظيم أمور بيوتنا، ونحكم ذلك، وإذا فعلنا هذا فنكون قد أدينا واجباً علينا، وأحسنا إلى أنفسنا، كما أنه يجب أن نعتني بجميع من فيه، وأن نحسن المعاملة مع من فيه، وأن لا نستبد ونظلمهم، وأن يكون العدل أساساً لنا في جميع أعمالنا، لأنه بحسن تدبيرنا للبيت تسعد الأسرة، وبإغفالنا ذلك تشقى الأسرة فتشقى الأمة (لا قدر الله). فهل نحن فاعلون؟
مكة المكرمة: (الغربال)
"أم القرى" العدد 381
في يوم الجمعة 24 ذو القعدة 1350هـ
الموافق 1 إبريل 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :536  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 78 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.