شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أنا والأخلاق (2)
المدرسة التي تعلمت فيها:
نعم المدرسة، المدرسة هي غذاء الأمة، المدرسة هي روح الأمة، المدرسة هي التي تهيء رجال الغد، فيدافعون عن الأمة، المدرسة هي التي تغرس الفضيلة في قلوب أبناء الأمة، المدرسة هي التي تنشئ في النفس حب الإصلاح، المدرسة هي التي تكون الشعور الحي، المدرسة عليها يتوقف رقي الأمة وتقدمها ومستقبل حياتها، المدرسة هي كل شيء، وأن حاجة مدارسنا إلى النخل أكثر من حاجتها إلى الغربلة.
تنظيم المدرسة:
لقد كانت بعض المدارس مقلوبة الكيان في نظامها وتنظيمها، أما الآن فقد طرأ عليها شيء من التعديل، ولكنه يحتاج إلى رعاية أكثر، وترتيب أجمل.
تنظيم المدرسة يساعد القائمين بأعمالها، ويوفر لهم وقتاً ليس بالقصير، فكلما كانت المدرسة نظامها أحسن، كان سيرها حسناً، وتقدمها أحسن. نعم إن النظام الذي وضع الآن لا بأس به، ولكنه مع الأسف لم يطبق تماماً، وهذا لا يخلوا من أمرين: إمَّا أن الذين أوكل إليهم أمر المراقبة لم يؤدوها حقها، وإمَّا أن نفس الأساتذة الموجودين لا يعرفون المنهج الذي يجب أن يتبعوه، ولا كيف يطبقونه. هذه هي الحقيقة أقولها بكل صراحة وإذا احتاج الأمر إلى البيئة فسأوردها في المنخل.
الأستاذ:
إن لفظة أستاذ عظيمة، ويجب أن تكون في رجل عظيم، عظيم في نظر العلم، عظيم في نظر الأدب، عظيم في نظر الأخلاق، عظيم في نظر الفضيلة، هذا إذا أردنا أن نوجد الأستاذ الحقيقي، هذا إذا أردنا أن نخطو خطوات واسعة إلى الأمام، وأن نسير في تقدم مستمر، ولا أريد بهذا بأن الأساتذة الموجودين غير صالحين، بل أريد أن الموجودين يحتاجون إلى تنقيح لأن فيهم الغث والسمين (وكلاًًّ يعرف نفسه)، وما دام رائدنا المصلحة العامة فيجب أن نقول الحقيقة ونتكلم الواقع. أما إذا كان الموضوع مداهنة، ومخادعة فهذا بحث آخر، وله كلام آخر.
الأستاذ، الأستاذ، الأستاذ، إسمحوا لي أن أقول أن بعض المدارس تحتاج إلى أساتذة مهذبين، متمسكين بمكارم الأخلاق يقدرون على ضبط إرادتهم، وأن يكونوا مخلصين لوطنهم، ولتربية أبنائه، إذا استطعنا إيجاد أمثال هؤلاء الأساتذة فسننجح، أما إذا بقينا عاضين بالنواجذ على الأساتذة الموجودين، وفيهم كما ذكرت الغث والسمين، فعلى المدارس السلام، أنا لا أريد أن أستعرض زيداً أو عمرواً، لا بل أقول: على الهيئات المسؤولة أن تستعرض هذا الموضوع وتبحثه، وتعمل لما فيه مصلحة الوطن.
وإني أكتفي الآن بهذه (الجرولة) منتظراً مدى مفعولها، وإلا فالغربال موجود، والمغربل حاضر، وفي الزوايا خبايا.
الأستاذ وإلقاء الدروس:
إن إلقاء الدروس فن، والتدريس فن آخر، ويجب أن يكون إلقاء الدروس بصورة فنية لأجل أن نجني ثمراته. إن الإلقاء يؤثر في النفوس أثراً محسوساً، فبقدر ما يكون الإلقاء جيداً يكون التأثير أقوى وأعظم، كما أن الإلقاء الركيك يبعث في النفوس الاشمئزاز والملل، وأن الصوت ونبراته في هذا الفن عامل قوي، فكلما كانت نبرات الصوت جيدة كان الفن متقناً أكثر وليس معنى هذا أن الأستاذ يلقي الدرس بصوت كالموسيقى، أو بنغم كالبيانو. لا. لا. بل صوت يبعث في نفوس التلاميذ الحركة، وفي أفكارهم اليقظة والتنبه، ولو أردنا أن نستقصي بعض الأساتذة الموجودين لنعرف هل هم يحسنون الإلقاء أم لا، لوجدنا في المائة خمسة وعشرين لا بأس بهم، والباقين لا يجيدون هذا الفن، وإني ألفت نظر من أوكل إليهم أمر المدارس ليتحققوا من ذلك، ثم يعملون الواجب عليهم، وبذلك يؤدون الأمانة، ويخلصون في أعمالهم، ويهيئون لأمتهم مستقبلاً مجيداً.
سياسة التعليم:
نعم للتعليم سياسة، وأظنها غير موجودة في بعض المدارس، وسياسة التعليم هي تقرب الأستاذ إلى قلوب التلاميذ، وسياسة تقرب الأستاذ إلى قلوب التلاميذ وجذبها إليه مفقودة في بعض المدارس.
إن سياسة تقرب الأستاذ إلى قلب التلميذ أمر ضروري، وقد أصبح في وقتنا الحاضر من الفنون التي تدرس، ففقدان هذا الفن في بعض المدارس هو فقدان أساس التعليم، وفقدان أساس التعليم هو نفسه اضمحلال التعليم وعدم نجاح التلميذ، فيجب على الأساتذة العناية بهذا الفن، يجب عليهم أن يعملوا أولاً ليكتسبوا قلوب التلاميذ، ويتقربوا إليها، وبذلك يمهدون الطريق لأنفسهم من جهة، ويفيدون التلاميذ من جهة ثانية - كما أنه يجب أن يتركوا خطة الإرهاب، لأن التجارب قد أيدت أنها خطة غير حسنة، وأن نتيجتها سيئة، ولما كان القصد المصلحة فيجب أن نتبع الخطة التي فائدتها أعظم، أمَّا إذا كان القصد اتباع التقاليد من حيث هي، فهذا موضوع خطير، وله جواب غير.
صلة الأولياء بالمدارس:
إن صلة الأولياء بالمدارس ضعيفة، فالمدرسة لا تعرف شيئاً عن أحوال التلميذ في داره، كما أن الولي لا يعرف شيئاً عن حالة ولده في المدرسة.
إن اتصال الأولياء بالمدرسة، يجب أن يعتنى به، وبجب أن يطبق بدقة تامة، لتعرف المدرسة خطة التلميذ في داره بصورة أوضح من المتبعة في وقتنا الحاضر، وفي مدة أقل، فتقوم من اعوجاجه، وتحسن من سيره، وعلى الموكول إليهم هذا الأمر أن يعطوا هذه المسألة أهمية عظيمة، ويغيروها جانباً من الاهتمام لا يقل عن التدريس، لأنها تساعد المدرسة في مهمتها مساعدة ستكون محسوسة ملموسة عندما تطبق بعناية تامة، وصورة منظمة.
والله من وراء القصد.
مكة المكرمة (الغربال)
أم القرى العدد 379 بتاريخ
الجمعة 10 ذو القعدة 1350هـ
الموافق 18 مارس 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :511  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.