شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مغربل جديد
هزني الشوق في يوم أمس الأول إلى زيارة إدارة جريدة (أم القرى)، وبعد مبادلة المجاملة سألت الإدارة: هل أجد في أنهر جريدتها متسعاً لأن أكتب فيها؟ فرحبت بذلك أجمل ترحيب، وخرجت وأنا ممتلئ نشاطاً إلى داري لأجل أن أكتب، وبسرعة البرق كنت في الدار وأخذت قلماً وورقةً واستعديت للكتابة. ولكن ماذا أكتب؟ أأكتب في السياسة، وأنا ما قرأت جريدة في يوم ما، ولا أعرف شيئاً عن أحوال الدول ولا عن أحوال الأمم، ولا عن منازعاتها؟!
أم أكتب في العالم وأنا لا أعرف شيئاً عنه، وكل ما أعرف في هذا الفن الأشياء الضرورية جداً، وهذا كل واحد يعرفه!!
أم أكتب عن الأدب، وأنا ما قرأت في يوماً كتاباً في الأدب، ولم أجتمع مع أحد من أهل هذا الفن، ولا أعرف طرقه، وصدقني أيها القارئ، أني خفت من أن أضل في مفازة فقمت هارباً من (جهلي المركب) الذي لم يساعدني على أن أكتب في موضوع ما، وألقيت القلم من يدي وتركت المكتب (لا، أستغفر الله - قمت من على الأرض - لأن ليس عندي مكتباً، ولم أجلس في يوم ما على مكتب ولا حتى بصفة تجربة)، وقمت هارباً إلى الشارع علِّي أرى شيئاً يمكنني أن أكتب عنه. اخترقت الشارع العام من أوله إلى آخره، وقد رأيت كثيراً، ولكن لم أجد من نفسي دافعاً يدفعني للكتابة، وأخيراً وأولاً وقع نظري على (غربال) بيد أحد المارة، فلم أشعر إلا ولساني يقول:
غربل يغربل، غربلة، وغربالاً
وعلى وزن فعل، يفعلل، فعللة، وفعلالاً.
وسرعان ما عرفت أن قريحتي الجامدة لا تحب أن تكتب إلا عن (الغربال)، ولكن ماذا أقول عن الغربال، وأنا لا أعرف كيف يصنع، ولا كيف يحاك، ولا كيف تنجر خشبته، لا أعرف شيئاً من ذلك أبداً. صمت قليلاً لأفكر، ولكن لساني كرر: غربل، يغربل، غربلة على وزن: فعلل، يفعلل، فعللة.
شيء غريب. مالي والغربلة، وهي صنعة تحتاج إلى رجل خبير يعرف أصولها، وطرقها، ومداخلها، ومخارجها، ومسلماتها، ومحتوياتها.
لا تظن أيها القارئ، أني أريد بالغربلة - غربلة الحب، أو الدخن، أو الذرة، أو الشعير، أو الرمل. لا.. بل أريد غربلة الأمة، غربلة المجتمع، غربلة العادات، غربلة كل شيء فينا، وأظن أن حاجتنا إلى النخل أكثر بكثير من حاجتنا إلى الغربلة. ولكن ماذا أعمل، ونظري السقيم لم يقع إلا على الغربال، ولا أختار إلا الغربال، ولا عشق من دون كل شيء إلا الغربال، ولساني اللكن لم ينطق إلا بالغربال والغربلة، ولا حلت عقدته إلا على الغربال والغربلة، وأرى من الواجب أن أغربل نفسي قبل كل أحد، ولكن كيف ذلك؟
في الاستطاعة أن أضع نفسي في الغربال –لأنه ممكن– ولكن ليس في استطاعتي أن أهز نفسي حتى يتخبط رأسي بإطار الغربال لأن هذا "مش ممكن" ولن يمكن إلا بشخص آخر، من هذا الشخص يا ترى؟ إذن فلتكن أنت أيها القارئ مغربلي، فغربلني كيفما شئت، وكيفما أردت! وكيفما تملي عليك أغراضك، وكيفما تسول لك نفسك! وثق أني سأغربلك، وأنخلك، وأعجنك، وأخبزك، وآكلك .. وإني أقول لك بكل صراحة أنك إذا تساهلت معي، فلا أتساهل معك أبداً، وأنت حر إذا أحببت أن تأخذ الثأر لنفسك مقدماً، أو تقبع في وكرك إلى أن يأتي الدور عليك فتندم، ولات ساعة مندم!!
(الغربال)
أم القرى العدد 377 في يوم الجمعة
26 شوال 1350هـ الموافق 4 مارس 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :722  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج