شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مجاري السيول وفضلات المياه بمكة (3)
تحقيقات عن سرداب العنبة (1)
سرداب العنبة في اصطلاح المؤرخين المكيين يمتد من باب الزيادة إلى قرب باب إبراهيم في خط شبه منحني، ويعرف اليوم بمير ياخور (2) . وقد ذهب الأستاذ حسين باسلامة في كتابه (تاريخ عمارة المسجد الحرام) إلى ما يفهم القارئ أن سرداب العنبة من عمل مير ياخور، ولا أعرف حجة الأستاذ في ذلك إلا أني أؤكد أن السرداب الذي عمله مير ياخور غير سرداب العنبة في اصطلاح المؤرخين المكيين، وأن سرداب مير ياخور متأخر عن سرداب العنبة بقرون، إذ من الثابت أن سرداب مير ياخور عمل في سنة 1092هـ، أما سرداب العنبة فقديم جداً، ولا أشك في أنه أول مجاري السيل في مكة على الإطلاق.
وذهب السنجاري إلى أن هذا السرداب من عمل الدولة العثمانية، وأنه تم على يد الأمير أحمد بك في سنة 983هـ، ولم يذكر مستنده في هذه الرواية لنناقشها، وإني أنفي هذا وأؤكد أن هذا السرداب قديم جداً وأنه من غير صنع الدولة العثمانية، لأن ابن فهد ذكره عرضاً في تاريخه في أخبار سيول 894هـ، والذي يظهر من رواية السنجاري أنها منقولة عن القطبي، وإذا فهمنا أن رواية القطبي توهم القارئ بشيء من ذلك أدركنا الجهة التي تسرب للسنجاري منها الوهم.
والذي أميل إليه أن هذا السرداب يرجع أمر عمارته إلى عهد تعمير دار الندوة، وجعلها منفصلة عن المسجد في عام 281هـ، إذ ليس من المعقول أن تجعل دار الندوة مسجداً مستقلاً ولا ينظر في أمر مياه الأمطار التي تنصب عليها من الجبال الشامية لها. وإذا فهمنا أن السبب الذي من أجله عمرت هذه الدار، هو اتقاء الأوساخ والقمائم التي كانت تجرفها سيول الجبال الشامية للمسجد، أدركنا بجلاء أن النظر في كيفية تصريف تلك المياه كما مر تم منذ ذلك العهد، وأزيد على هذا أن الفوهات الموجودة أمام باب القطبي، والباسطية، والعتيق، والعمرة، والداودية من أبواب المسجد جميعها عملت مع سرداب العنبة، لأن العمارة من باب الزيادة حتى قرب باب إبراهيم على نسق واحد وهذا القول أقوله بتحفظ، وإن كنت أؤمن به إلى أبعد حدود الإيمان، وليس هذا التحفظ إلا لعدم تحمل مسؤولية التاريخ فقط.
وأرى من الفائدة أن أدلي برأيي في رواية القطبي التي ذكرها عن عمارة الأمير أحمد بك، فالذي يخيل إلي أن ارتفاع الأرض من الجهة الجنوبية للمسجد أدى إلى دخول سيول الأمطار إلى المسجد ثم مرور الزمن وإهمال تنظيف مجرى العنبة أدى إلى سده. وقد تحدث ابن فهد عن تنظيف هذا السرداب في ربيع الأول عام 894هـ عرضاً في حديثه عن السيول، وإذ لاحظنا أن عمارة الأمير أحمد بك كانت سنة 983هـ، وأضفنا إلى هذا تذمر القطبي من ارتفاع الأرض حتى ألزم ولي الأمر بإزالة ذلك؛ أدركنا أن الذي تم لسرداب العنبة في عهد الأمير أحمد بك إصلاحات وترميمات لا إنشاءات. وإني أؤكد هذا وأجزم به، ومن لديه غير هذا فليتفضل به علينا خدمة للحقيقة والتاريخ.
وأميل إلى أن البناية الأولى لسرداب العنبة انتهت في الحوش المعروف اليوم بحوش جنيدة، وسابقاً بمدرسة عبد المطلب لأن البناية التي في ملف باب الداودية من جهة الشارع إلى ما بعدها غير البناية الأولى من عدة وجوه:
أولاً: أن هذه البناية تختلف اختلافاً تاماً عن تلك في الشكل والمقاس والمتانة.
ثانياً: أن القطبي ذكر أن سرداب العنبة ينتهي قرب باب إبراهيم، وحوش جنيدة يكاد يقع في خط يتوازى مع قرب باب إبراهيم.
ثالثاً: أن جميع البنايات الموجودة في ممر باب الداودية وما بعدها القائمة على هذا السرداب متأخرة.
رابعاً: أن السيول التي كانت تدخل سرداب العنبة كانت تصب بالقرب من باب إبراهيم في الشارع، ثم تسيل مع السيل العام إلى أسفل مكة حتى زمن القطبي بدليل قوله: ولم يصعد (أي السيل) إلى باب المسجد، بل يدخل سرداباً واسعاً يسمى العنبة، ويجري فيه إلى أن يخرج من قرب باب إبراهيم فيسيل إلى أسفل مكة مع السيل الكبير (ص 280).
وأزيد على هذا أن نفس البناية الموجودة من حوش جنيدة حتى نهاية هذا السرداب - والسرداب ينتهي في المكان المعروف بالتكية بسفح جبل عمر مما يلي المسفلة بالقرب من بيت البوقري - ليست بناية واحدة، بل ثلاث بنايات، ويختلف كل قسم منها عن الأقسام الأخر اختلافاً بيناً مما يدل على أنها لم تعمل في زمن واحد.
فمن حوش جنيدة إلى نقطة تقع أمام الزقاق المعروف في زمننا زقاق الحمرة بناية واحدة، ويختلف شكل هذه البناية عن الأولى بأن هذه من النوع المشهور بالتطبيق، أما تلك فهي من النوع المعروف بالغمس (أي المطوي).
ومن نقطة زقاق الحمرة حتى نقطة تقع أمام الدكة المعروفة بدكة الأغوات في أول الهجلة (ويعرف هذا المكان سابقاً بسوق الحطب) بناية مستقلة، وتختلف عن سابقاتها سعة وارتفاعاً.
ومن نقطة دكة الأغوات إلى نهاية السرداب الحالي بالقرب من بيت البوقري في مسيال المسفلة بناية واحدة ويختلف شكلها عن البنايات السابقة سعة وارتفاعاً وأن بعضها تسامت لوجه الأرض، والآخر على وجه الأرض.
وهذا المجرى يسير في خط مختلف، ويبدأ من باب الزيادة على يمين الداخل حيث يمر من تحت درج منارة باب الزيادة في خط شبه منحني، ثم ينحرف قليلاً فيسير تحت درج العتيق، فردهة باب العمرة (التي بين الشارع الموصل للمسجد) ثم ينحرف في خط شبه مستقيم من تحت مدارس الداودية حتى حوش جنيدة، ثم يسير على استقامة إلى أن يجتمع بمياه القبو التي تحت باب إبراهيم في نقطة تقع تحت المدرسة العائدة لبيت السيد ولي حالياً، ثم يسير في خط مختلط يخترق الشارع العام من جانبه الشمالي، ويستمر في جوف الأرض حتى الهجلة، ومن هناك يبدو شيئاً فشيئاً حتى تجري مياهه على وجه الأرض في المكان المعروف بالتكية حيث تختلط مياهه بسيل وادي إبراهيم، وتسيل إلى خارج مكة من طريق اليمن.
وقد حقق الأديب أحمد خليفة النبهاني وسع هذا السرداب، فكان وسع النقطة التي تبدأ من باب الزيادة حتى حوش جنيدة ارتفاعاً من ثلاثة أمتار ونصف إلى أربعة أمتار، وسعة من مترين ونصف إلى ثلاث أمتار.
والنقطة التي تبدأ من حوش جنيدة حتى زقاق الحمرة ارتفاعاً من متر وربع إلى متر ونصف وسعة من متر إلا ربعاً إلى متر.
والنقطة التي تبدأ من دكة الأغوات حتى نهاية المجرى ارتفاعاً من متر ونصف إلى مترين وسعة من متر إلا ربع إلى متر وربع.
ولم أعثر فيما اطلعت عليه في التاريخ على منشئ الأقسام الآخر لهذا المجرى، إلا أني لا أشك في أن مير ياخور أنشأ أحد الأقسام الثلاثة المتأخرة، وسنشير إلى ذلك في بحث مير ياخور إن شاء الله تعالى.
مكة: ابن عبد المقصود
جريدة (أم القرى): العدد: 597
23 صفر سنة 1355هـ
الموافق 15 مايو سنة 1936م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1296  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.