شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أين الحجون؟ (1)
قلت (1) -وإني لآسف على ما بدر مني- في الهامش الثاني من القسم الرابع من بحث المياه المنشور بالعدد 521 من جريدة أم القرى ما نصه: "أما الآن فقد تغير ذلك الوضع، فأصبحت المياه تسير من القبة في قناة واحدة حتى تصل إلى المقسم الذي فوق الطريق المرتفع على يسار الداخل إلى مكة، والطريق هذا هو الحجون".
وكنت يومئذاك معتقداً صحة هذه النظرية، ولكنني لما قمت بالبحث الدقيق اتضح لي أني واهم في نظريتي، فاوجبت علي الحقيقة تصحيحها، وإني أسحب كل ما قلته عن الحجون و أثبت ما يأتي بدلاً عنه:
أهمية تاريخ الأزرقي:
أبو الوليد الأزرقي أول مؤرخ اعتنى بأمر مكة، وهو إلى جانب ذلك المؤرخ الوحيد الذي اعتنى بخططها وكل المؤرخين الذين عقبوه عالة عليه في أخبار مكة و مآثرها وتخطيطها، وكم كان جميلاً جداً لو أن تخطيط الأزرقي سار على طريقة منظمة إذن لكان من السهل علينا اليوم أن نسمي كل بقعة في مكة باسمها القديم، والذي زاد الأمر صعوبة تحوير أسماء الأماكن وتبديلها بتقادم الزمن، وإهمال مؤرخي مكة الاعتناء بذلك - لهذا كله فإن الباحث اليوم يعاني صعوبات جمة عندما يقوم بشيء من البحث، وقليل هم الذين يصيبون كبد الحقيقة. وأنها لعقبات اعترضتني أثناء بحثي عن الحجون، زادها تضارب الروايات وتفسير بعضها على غير مقصدها، زد على ذلك التعقيد في التعبير والتفسير، واخترقت كل ثنية وشعب وجبل جاء في البحث، وكنت أطبق ما أجد من تعاريف على ما أراه من آثار، وإني مدين للمكتبة الماجدية وأصحابها بأعظم منة، إذ هي المكتبة الوحيدة التي استطعت أن أجد في كنوزها ما يشفي الغليل.
الحجون واللغة:
في كتب اللغة: الحجون مأخوذ من حجن، وحجن بمعنى عطف، والتحجن: الاعوجاج، وغزوة حجون: إذا أظهر صاحبها غيرها، والرجل الحجون: الكسلان.
واختلف اللغويون في لفظها، فذهب النووي والطبري، والجوهري، وصاحب المطالع، ولسان العرب، والتاج: إلى أنها بفتح الحاء وضم الجيم، وروى الأخير أن شيخه كان يعيب على من يضم الحاء ويسميهم المتشدقين. وذهب ابن خلكان وابن فهد إلى أنها بضم الحاء والجيم، أما الأزرقي والفاكهي والخزاعي والفاسي، فلم يتعرضوا لذلك. وكلهم مجمعون على أن آخره بالنون، وعلى هذا فإن نطق العامة له باللام تحريف لا أساس له.
المؤلفون والحجون:
ذهب المؤلفون مذاهب مختلفة في الحجون، وكانت تعاريف بعضهم فيها شيء من النقص أنتجت أن أول البعض رواياتهم بتأويل يخالف قصدها الحقيقي، فبينما نجد رواية يؤول معناها بأن الحجون يقع على يمين الصاعد، نجد ثانية تقول: بأنه يبعد عن مكة، وثالثة تقول: بأن الحجون ثنية كداء، ورابعة: بأن الحجون مشرف على مسجد الحرس (2) وبأصله شعب الجزارين، فكان لزاماً علينا أن نستعرض الروايات الأربع ونناقشها لنعرف مبلغها من الحقيقة.
الرواية الأولى:
إن الذين يقولون بتلك الرواية يحتجون بقول الأزرقي، والخزاعي، والفاكهي، والنووي، والفاسي وحجتهم نتيجة تأويل ضعيف، والمعتمدون على الأزرقي يقولون بهذه الرواية لكونه ذكر الحجون في شق معلاة مكة اليماني، وهو تعليل ترد عليه رواية الأزرقي نفسها إذ جاء فيها: وبأصله (أي الحجون) "في شعب الجزارين كانت المقبرة في الجاهلية" وعرف الأزرقي شعب الجزارين بشعب أبي دب، وقال فيه القبر المنسوب للسيدة آمنة، وقبر السيدة آمنة في شق معلاة مكة الشامي، والحقيقة أن الأزرقي لم يسر في تخطيطه على طريقة منظمة، فأنت بينما تجده يذكر لك مكاناً في اليمين يذكر لك آخر في الشمال، والذي درس تاريخ الأزرقي دراسة وافية يدرك ذلك، ثم هناك ملاحظة يجب أن يلتفت إليها، وهي أن علو الشارع العام الذي تمر به اليوم كان أكثر جبلاً وقد ذلل غير مرة، ويمكننا إدراك ذلك إذا اختبرنا المقطعة التي تقع تحت الصناديق المقابلة لقهوة البلدية.
أما المحتجون بقول الخزاعي فإنهم يحرفون الكلم عن مقاصده، وهذا ما يقوله الخزاعي: "الحجون الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلا مكة على يمينك وأنت مصعد وهو أيضاً مشرف على شعب الجزارين" (ص 388، طبعة أوروبا). وهم إنما يتوهمون أن المقصود (الجبل) من قوله على يمينك وهو تحريف، ومقصد الخزاعي كما يفهم من سياق الجملة مسجد الحرس، يؤيده إتيانه بضمير الفعل عندما أراد الرجوع إلى الحجون، وقوله: مشرف على شعب الجزارين "يبطل كل تأويل". (يتبع).
مكة: ابن عبد المقصود
"صوت الحجاز" العدد: 174
الثلاثاء 19 جمادى الأولى سنة 1354هـ
الموافق 17 سبتمبر سنة 1935م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :682  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج