شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رأي حول المستقبل العربي (1)
تختلف وجهات النظر أو التخيل بين شخص وآخر.. تبعاً لاتساع الأفق الثقافي وضيقه.. ومع هذا الاختلاف فإنها على كل حال تهدف إلى غرض واحد.. وتسير إلى غاية واحدة.. متأثرة بالعوامل النفسية والمطامح القومية، والتطورات العصرية.
ومهما تبسط بعض الأخوان في هذا الموضوع بما هو أكثر وأفسح.. بما هو متصل بحياة شعب عظيم ومستقبل أمة لها ماضيها العريق.. وحاضرها المتحفز..
ولو أننا في صدد التمنيات.. وما يجب أن يكون عليه سيرنا.. لأحلنا الأول إلى الشعراء.. لانطلاقهم بها في عوالم الحنين الرحبة!! ولعمدنا إلى (الخبراء) من أهل الاختصاص - في المجال العمراني والصناعي والزراعي.. والاقتصادي. وهلم جرا.. في التخطيط للسير الجديد..
غير أن ما يفهم من عنوان السؤال أو الاستفتاء.. لا يعني سوى الكلام عما يظن أن يعتقد الكاتب أن "مستقبل العرب" متمثل فيه.. أو بالغ إليه.. كما هو في سيره.. الواقعي.. وعلى هدى خطواته في الحركة والسكون.. بما هو مرهق به من مشاكل.. وما يحيط به من عوائق.. وما يلابسه من ظروف.. وما لا يزال عالقاً به من رواسب.. وما يغلب عليه من عناصر الركود أو الجمود.. أو الانطلاق وراء الحدود.
هذا الذي فهمته (خطأ) - أو صواباً.. وعلى ضوئه أستطيع أن أساهم في الإجابة معترفاً بأن من تقدمني إليها من حملة الأقلام.. وذوي المواهب. لم يدعو في ذلك محلاً للزيادة على ما تفضلوا به من آراء ناضجة.. ونظريات صحيحة!.. وحماسة هي الباعث الأول والأخير على التطور العظيم المنتظر..
ومن الحق أن أشيد هنا بالروح العالية التي ما تزال توحي إلى فضيلة الأستاذ الكبير مؤسس وصاحب هذه المجلة الكبرى الوضاءة.. بكل جديد ومفيد لحفز الهمم وإحياء التراث أدبياً ومادياً.. فإنه بارك الله في حياته ركن شديد ودعامة قوية لكل ما يأخذ بيد الأجيال الصاعدة إلى المستويات الرفيعة الهادفة.. وبذلك حازت مجلتنا (الفتاة) مكانتها في الأوساط العربية والإسلامية.. وأصبح لها هذا الصدى البعيد المـدى بين المحيط والخليج.. ولها الشكر بالتالي على ما بذلته من جهود لا تجحد في سبيل التقدم الفكري والعلمي منذ أنشئت حتى اليوم.. ونرجو لها المزيد من الخير والبركة والنمو والانتشار.
أما الإجابة.. وما أدراك ما هي؟ من شيخ!! قلما خرج عن محيطه إلا بالقراءة!! فإنها تصدر عن قلب ملؤه الحب والإخلاص لدينه وعروبته.. وما به أن يكتب ولا أن يخطب فقد أغنى الشباب الكهول عن هذه المواقف.. في بلادنا العزيزة.. وأنه لمن دواعي الغبطة والابتهاج أن نرى ونسمع ونقرأ كل يوم في مجلاتنا وصحفنا الروائع والبدائع.. من الإنتاج الحي والألحان المطربة الشجية.. والآراء السديدة المجدية.. لا فرق في ذلك بين ما هو صادر في شرق البلاد وغربها.. وشمالها وجنوبها.. فكلها تحدو وكلها تشدو.. في سبيل التطور والإحياء والإنماء.. ولن يخيب الله رجاءهم في النجاح والتوفيق.. ما سلكوا إليها الطريق المستقيم.. وحرصوا على أن يكونوا (عرباً مسلمين).. أولاً وقبل كل شيء.
ولا أريد أن أتصدى بإسهاب أو حتى بإيجاز إلى كيفية معالجة المشاكل الراهنة.. في واقع العرب جملة أو تفصيلاً.. وإنما أقولها كلمة صريحة واضحة جلية.. لا غبار عليها.. ولا زخرف فيها.. وهي أن المستقبل العربي كما أتخيله في كفتي الميزان!! فإن اختار العربي أرجحها وأفلحها وعمل لها.. وتفانى فيها.. فهو الظافر المنتصر بإذن الله وإن كانت الأخرى.. لا سمح الله.. فهو على قاب قوسين أو أدنى من الضياع والانصياع!! وكفى بهما إشارة إلى ما يتلوهما من أهوال.. وويلات ولا ريب أنها عقوبة ورد بها (وعيد الله) في كتابه المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم..
ولا أرتاب مطلقاً في التفاؤل.. ولا في قوله جل وعلا.. "وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين".. فمتى كان الركب العربي.. بكل من يعنيه من رجاله ونسائه.. وتحت كل كوكب.. ميمماً شطر دينه القويم وعاضاً عليه بالنواجز وقائماً بالدعوة إليه.. وقدوة في الأخذ به قولاً وعملاً فإن لا محالة.. سيسود الأرض ويكون فيها كما كان أجداده الأولون قادة ذادة سادة.. يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. و العاقبة للمتقين.
وأقصد بالتمسك بالدين.. الترفع عن كل ما يشين ولا يزين!! وبالدعوة إليه والتبحر في علومه، والتمكن منها حتى يعود إليهم تاريخهم المجيد.. ولا يقتصر ذلك على العلم النظري فقط.. بل وكل فن نافع.. وفي كل ما تجددت به الحضارة وتطورت به الأمم من زرع وضرع.. وإنتاج واستثمار.. وصناعة وابتكار.. حتى لا يقوم في وجه إمكانياتهم ما يضرعهم أو يضطرهم إلى الاستعارة.. خصوصاً في مجـالات الحياة.. التي لا محيص منها.. وفي الإنجازات الإعدادية.. التي تدخل ضمن نطاق قوله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ.
فإذا سار العرب على هذا الطريق الذي مشته أجدادهم إبان الفتوح وإذا حافظوا على دينهم وأخلاقهم وتقاليدهم الطيبة.. وشيمهم ومروءاتهم.. وضربوا على أيدي المتحللين.. والمستهترين.. والإباحيين ممن بهرتهم الدنيا.. وجهرتهم مظاهرها.. وامتلكت عليهم أسماعهم وأبصارهم.. وإذا غلب الصالحون منهم الطالحين.. وإذا نبذوا الخرافات البالية.. والعادات السخيفة.. ونافسوا أعداءهم في القوة.. وكاثروهم في العتاد.. وأفزعوهم بالتضحية والإقدام.. والثبات.. كما يفعل الأباة الأبطال.. في الجزائر.. وفي تونس وفي كل قطر عربي تجري في عروقه دماء أسلافه الغر الميامين.. وإذا آثروا الآخرة على الأولى.. وقهروا شياطينهم.. وجهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وارضوا الله وحده لا شريك له.. ولم يبالوا بما يلاقون في سبيله من عناء وبلاء!! وإذا هم اعتصموا بالله جل جلاله.. واقتفوا سنن سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه وسيرة السلف الصالح، وبعبارة مختصرة إذا هم آمنوا وأيقنوا أن مردهم إلى الله.. وأن الخلود لن يكون إلا في جنات عدن أو سقر!! هنالك فقط.. بشرهم بالخير كل الخير وبالنصر العزيز.. وبالفتح المبين!. وهذا ما أحسبه جديراً بالعناية والاهتمام من كل من يهمه أمر العرب وتقدمهم وهو الذي نود أن يكون.. أساس مستقبلهم.. وهدف نهضتهم ووحدتهم.. وهم بذلك وبأمر الله غالبون.. ووعده الحق.. وإليه المصير.. - وهذا هو الذي أرجو أن يكون عليه مستقبل العرب أجمعين بحوله وقوته.. وما ذلك على الله بعزيز.
أما إذا درجوا على (حب الدنيا) وركنوا إليها.. وتمتعوا بها.. في طرق ملتوية.. وأساليب غير مشروعة.. وإذا غرهم بالله الغرور وإذا تكاسلوا وتواكلوا.. ولم ينظروا إلى (معادهم) وارتابوا في مصايرهم.. وانغمسوا في شهواتهم.. وأهملوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ التقليد الأعمى بخناقهم وجرفتهم المدنية الغربية.. في صوغانها الساحق الماحق.. وهي التي يضج من شنارها وعارها عقلاء الغرب والشرق.. وإذا اكتفى المرء منا بأن يقول ولا يعمل.. وإذا عمل ما لا ينفع ويضر.. وإذا رضي بالضعة والدون.. وكان جل همه أن يقارن بين المجد العامل.. في ثروته ورفاهيته!! والمنقطع الهامل في رثائته وطواعيته..!! وأن يعترض على الأقدار فيما جف به القلم وطويت الصحف.. وإذا استمر على إنشاء المقالة.. أو قرض القصيدة تزجية للوقت أو تملية للفراغ.. وإذا لم يتحسس آلام محيطه وآماله.. وإذا لم يبذل كل طاقته في إسعاد بلاده وإنهاضها وإنعاشها والذود عنها.. زاد جهل تاريخ أمته.. وحسب أنها أبعد ما تكون عن إعادة تاريخها بواقعها .. وإذا تضجر من الإمعان فيما بيَّنه الله جل وعلا من الوعد والوعيد.. وما قصه من المثلات في الأمم الخالية بإيمان وإيقان وتسليم.. فإنه لا محالة خاسر في الحياتين.. ومتحير في الطرفين. وعائد بخفي حنين.
وأياً ما كان أحد الفريقين أغلب.. في أي زمان ومكان.. يصح أن يصدر الحكم.. بمن هو راجح أو شاتل في الميزان وكيفما أحاطت بالعالم المحن والإحن والرزايا والأحقاد.. فإن الله الذي فطر.. السماوات والأرض.. قد جعل المؤمنين أعزة على الكافرين.. كما جعلهم رحماء بينهم ووعدهم بالظفر والفلح.. وفي الصدر الأول آيات بينات على ما آتاهم من الحول والطول.. والمدد والسلطان بشرطهم في الحياة.. وتعجلهم إلى الخلود!!
ولا يقولن قائل أين أنت يا هذا؟ وهل يفل الحديد إلا الحديد؟ إن الناس قد زاحموا الأفلاك!! وسبحوا حول (المجرة) وما زلت تكتب كما كان أصحاب ابن المقفع.. أو عبد الحميد..؟ إن الأمر أعظم مما أنت فيه وما تدعيه!!
وأقول لهم..: حسناً أرجعوا إلى ما قلت مرة ومراراً.. إن علينا أن نحسن الفهم.. وأن نطيع الله.. ونعمل.. ونعمل.. صالحاً نرضاه.. ونخلص النيات ونتخلص من الأوباء والهنات والموبقات!! ونتناصح بالحكمة والموعظة الحسنة وأن لا يضيق عالمنا بجاهلنا.. ولا يسخر قوينا من ضعيفنا.. ولا كبيرنا من صغيرنا.. وأن نتعاون على البر والتقوى.. وأن نردد قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.. وأن لا نكتفي من العلم بما هو نظري فقط.. بل لا بد من الفنون التطبيقية التي تتيح لنا الاستغناء والاكتفاء وكل ذلك بل وقبل ذلك أن نكون من أهل (التقوى) وأن نتزود منها ليوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. هنالك.. وهنالك فقط تذل لنا الصعاب.. وتتوافر الأسباب.. وتتفتح مغاليق العز والسؤدد والفلاح.
هذا ما أردت أن أعبر به عن تخيلاتي للمستقبل العربي.. وقد تعمدت أن أتجنب فيه ضرب الأمثال.. أو إثارة الأشكال و لكل امرئ ما نوى.
وأتضرع إلى الله العلي القدير.. أن يلهمنا الرشد والصواب ويأخذ بأيدي العرب والمسلمين كافة عامة إلى ما يحقق وعد الله لهم.. وإني لقوي الإيمان بأن الله وحده هو القادر على أن يجعلهم أئمة ويجعلهم مهتدين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :356  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 627 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج