شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حاجتنا إلى العمل والصناعة (1)
ولو زاد الحياة الناس سعياً
وإخلاصاً لزادتهم جمالا
(شوقي)
من الأقوال الحكيمة التي تطابق الحقيقة أن الصحيفة إنما ينشئها قرّاؤها لا كتابها وذلك لأن البيئة تهيمن على كل ما هو في حدودها وتؤثر على جميع أطوار الحياة فيها، وتكيف أبناءها على المحور الذي يوافق استعدادهم وتهيب بهم أن يتنبهوا إذا لمستها شرارة العزم والحركة والطموح، وبالعكس تأخذ بحجزهم إذا ركد ماؤها وراق لها أن تقبع وتقنع قناعة الأمة بنصيبها من الحاجة والضعف والفقر غير قناعتها الواجبة التي تحمد فيما هو غاية سعيها ومنتهى كدها وجدها، والشعب متى كان منطلقاً طموحاً لابد أن يبلغ غايته ويدرك أمله ويفوز بمبتغاه..
وقد ألممنا في مقالاتنا السابقة ببعض ما رأينا ذكره من أسباب الحياة، الصحيحة، ووسائل التقدم المجدية، وأشرنا إلى أننا لا نحاول أن نظفر ولا أن نسابق من فاتنا من الأمم المعاصرة، ولا أن نرهق أنفسنا ولا أن نفسر كفاءاتنــا على مالا نستطيع تأديته من الواجبات الكثيرة ولكن نريد أن نفكر وأن نسير وأن نعمل ما نستطيع عمله في حدود إمكاننا، ولو قارنا بين موقفنا الزراعي الراهن وبين ما نشاهده من التقدم العظيم الذي وصلت إليه البلدان المنتجة لهالنا ما نحن فيه من غفلة وعدم اكتراث.. ولَفَتَّ في عضدنا ما بيننا وبينهم من بُعْدِ المسافة لندركهم، ولَزَادَ ركودنا عن اللحوق بهم فيما كان سبباً جوهرياً لما نراه من تغلغلهم في مجاهل الأرض ينتجون خيراتها النباتية والمعدنية ولو أحاطت بها سباع الإنس والحيوان..
نعم: يجب أن لا يشغلنا تقصيرنا وسيكون هممنا من جانب، والدهشة التي تتسلط على عقولنا من غلبة العاملين المجدين.. والمراحل الكبرى التي اجتازوها حتى الآن من الجانب الآخر عن استدراك الأخطاء التي أصبح في مقدورنا معالجتها بما فتح أمامنا من أبواب الأعمال الحرة، ولنفرض أننا كنا إلى هذه الساعـة متواكلين فهل نلقى من يصارحنا بأن من المتعذر أن نشمر عن ساعد الجد ونأخذ بأيدي بعضنا إلى سواء السبيل؟
اللَّهم لا، وكلنا نؤمن على وجوب العمل، ونحن لا نرى مانعاً ولا عائقاً إلا ما يصوره الخيال الفاسد - وترتاح له أعصاب البطالة، وتأنس به النفس الميالة إلى الدعة والارتكان وكم قرأنا في سيرة رجال (الدنيا الجديدة) وكبار الماليين فيها وفي سواها ما لا يكاد يصدقه العقل من مبدأ مزاولتهم للحرف والصناعات الممتهنة الضئيلة إلى منتهى ما أدركوه من الغايات البعيدة والمنازل الرفيعة حتى استطاعوا السيطرة على أحوال العالم من مشرق الشمس إلى مغربها..
يبدأ الرجل منهم العمل وليس في جيبه ما يشبع جوعته، فما هو إلا أن يثابر ويجتهد ويعلن وينتقل ويهاجر ويغالب الصعوبات ويبتكر وجوه الإحسان والبهرجة والتشويق في عمله فتراه صاحب ثروة عظيمة ومعامل عديدة.. وتبرعات هائلة يجود بها لفائدة التربية والتعليم - أو لإشادة المدارس والجامعات أو لإعانة الملاجئ والمستشفيات فهو عصامي النشأة إنساني النفع وطني العقيدة.
أما نحن وديننا الإسلام وماضينا نفاخر به أجيال البشر من كل أمة وملة وأجدادنا جهابذة العم والأدب والسياسة والتجارة والزراعة وأساطين الحكمة وأبطال الحرب ومصابيح الممالك، فمع الأسف لم نحتفظ بتراثهم ولم ننهج على خطتهم - ولم نحرص على أخلاقهم - ولم نبر بهم، وانصرفنا إلى ما يفرح العدو ويغم الصديق وكأننا نعيش في عالم غير هذا الذي تزدحم فيه المناكب وتتنافس الهمم، وتتغالب الكفاءات، وبات همنا منحصراً في كلمة يدبجها الكاتب أو قطعة ينمقها الشاعر، أو نظرية يرسلها أشباه الفلاسفة.. في تيه وإعجاب، وذلك داء الشرق العضال، فكل ما يهم المرء فيه أن يسمع الإطراء في خطرات النسيم أو القدح ولو نال من كريم إلا أن ذلك لهو العبث والعقوق والتغافل.. وأن الدمعة لتسخن حتى لا تجد لها مفراً من الحدقة لولا بقية من الأمل، وشعاع من الرجاء في أن نجمع ذاكرتنا ونستعيد سيرة أسلافنا الأماجد ونهتبل الفرص التي أتاحها لنا هذا العصر الفاروق المنير وكل آت قريب.. وما يذكر إلا أولو الألباب..
لقد سرنا جداً ما تلقيناه في البريد الأخير من فاضلين من أبناء البلاد تعليقاً على ما كنا نحث عليه من العناية بالصناعات المحلية أحدهما من أملج والآخر من المدينة المنورة، أما الأول فهو الأخ حمزة أمين مالية أملج وقد حبذ رأينا في تعبئة (التمور) ووضعه في ظروف خاصة وتصديره إلى الخارج - وأشار إلى أن ذلك يجب أن يشمل أيضاً (الحوت) الذي يزيد عن حاجة المستهلكين، والذي إذا أُعطيَ بعض العناية فاق بنوعه وطعمه ما تستورده البلاد من الخارج. وكذلك اللبن الذي يفيض عن اللزوم فإنه مما يمكن حفظه وتصديره.
ونزيد على ذلك (بيض الدجاج) وغير ذلك من الحاصلات الداخلية التي يجب أن تبذل لنموها وزيادتها وإعدادها للتصدير عناية خاصة من ذوي الرؤوس المفكرة والأموال المثمرة.
وقد آن لنا أن نشق طريقنا إلى حياة سعيدة نستغني بها تدريجياً بما نستطيع استحضاره من بلادنا عما يبتز دراهمنا إلى الخارج.
أما الثاني: فهو الأخ زين العابدين البغدادي (الحجازي) فقد نوه في خطابه بأن لديه معلومات لا يرى كتمها خدمة لهذا الوطن العزيز وهي في كيفية صنع السكر بأنواعه وصناعة الزجاج وتلوينه وتركيبه وبواتقه على اختلاف أشكاله، وفي الطلاء واللحام وصنع الجبن و (الكشكبان) و (الزبدة) و (الحليب المجمد) وغير ذلك من الصناعات المفيدة، وقد وعد بأنه سيبعث إلينا بمقالات تفصيلية في كل نوع منها إذا اتسع له صدر هذه الصحيفة.
وأقترح في خطاب آخر على الإدارة أن تعنى بنشر أسعار البضائع والعملة واتخاذ مندوب في أوساط جدة التجارية لاستقتاء المعلومات التي تنفع أرباب المتاجر والحوانيت إلى آخر ما جاء في اقتراحه..
ونحن نشكر للأديبْين، غيرتها الوطنية ونتقبل بكل اغتباط كل ما يقدم إلينا من أبحاث نافعة ونرى بذلك الفضل لكل من يمدنا بمعلوماته المفيدة ونستلفت إلى ذلك أنظار الوطنيين، ونرجو أن نكون بذلك قد أدينا الواجب: ونعد حضرة المقترح بأننا سنحرص على تحقيق ما أشار إليه من حيث العناية بالشؤون التجارية، ولا ننكر أهمية الفائدة المتوخاة من وراء ذلك، غير أننا ننتظر أن تتهيأ الأسباب التي تساعد على إبراز هذه الفكرة السديدة في أقرب وقت إن شاء الله.
ولا بد لنا من أن نسترعي انتباه أصحاب العلاقة من كبار التجار إلى هذا الاقتراح وما يتوقف تحقيقه من وجود (غرفة تجارية) تصدر عنها هذه النشرات الأسبوعية كدليل عام من حيث أثمان البضائع وأصنافها ومقاديرها المستوردة وما يطرأ عليها من صعود وهبوط تبعاً لحركتي العرض والطلب، وما يكون عليه سعر العملة بأنواعها. ففي ذلك مصلحة مشتركة وهي بالتجارة أمس وأعلق، ومن الله نستمد توفيق الجميع إلى ما فيه سعادة هذا الوطن المقدس وأهله وهو ولي العاملين..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :360  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 626 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج