شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأديب الباحث
* وصف الأديب (محمد سعيد عبد المقصود) بالعبقرية والنبوغ المبكر، والقدرة على الصياغة (الكتابية) بأسلوب عصري ينأى عن التعقيد والتطويل، ومن يقرأ تلك المقدمة الأدبية التي وضعها لكتاب (وحي الصحراء) يجد فيها روح المؤرخ الباحث، والأديب الناقد، كانت عبارة عن بحث تاريخي نقرأ فيه (تاريخ الأدب الحجازي) من العصر الجاهلي إلى الزمن الذي عاشه الأديب – في صفحات لا تتجاوز 32 صفحة – وكان فيه يؤرخ ويحلل في مقدرة الباحث المتمكن)، ومع نظرته الشمولية للمواقف والأحداث والتأريخية، فإنه تمكن من تحقيق الإيجاز المفيد، دن أي إخلال بالتسلسل الزمني الذي يربط الأحداث الهامة، وتلك قدرة من يملك الثقافة الواسعة، والصبر على البحث والتنقيب في أمهات الكتب.
وتظهر الأسطر الأولى من المقدمة براعة الأديب (محمد سعيد عبد المقصود) في الاستهلال النثري المشوق حين يقول:
(الأدب ميزان ثقافة الأمة، وجليل حياتها، وهو فن الحرية والجمال، يزدهر إذا تعهدته الفطر القويمة بوسائل الانتعاش، وأدب كل أمة صورة دقيقة لحياتها، ومقياس لتقدمها ورقيها، وكما أن الحياة تتقلب في أدوار مختلفة، وتحيط بها ملابسات متباينة، وتسير طبقاً لسنة الكون في النمو والارتقاء والذبول والاضمحلال، فكذلك الأدب يزدهر بازدهار الحياة، ويذبل بذبولها..) (1) .
* ومما لاحظه الباحث الدكتور محمد بن سعد بن حسين، وجود سمة (العبقرية) في شخصية الأديب (محمد سعيد خوجه)، ويبرزها ذلك النبوغ المبكر في ميدان البحث الأدبي، (عندما تنظر في البحوث الأدبية التي كتبها ابن عبد المقصود، تجد أنها تدل دلالة واضحة على أن الرجل قد بلغ مبلغاً ممتازاً في أسلوب البحث العلمي. وحين نعرف إنه حين كتب هذه البحوث كان في الخامسة والعشرين – تقريباً – من عمره وحين نضم إلى هذا وذاك وما كان عليه أدباء عصره في الحجاز في تلك الأيام من إقبال أكثرهم على التأثر بأدباء المهجر ومصر والشام وتقليدهم لهم، ومجيء أدبهم على نحو من أدب أولئك، مع ما كان يعتري نثر ناشئي الحجاز، في تلك الفترة من تخلخل في اللفظ والأسلوب، عندما ننظر إلى هذا كله نجد أننا أمام عبقرية فذة خرجت على معايير زمانها، وأتت بما هو في الذروة من البحث الأدبي، فكراً ولفظاً وأسلوباً وطريقة بحث) (2) .
رؤية ناقدة:
* وفي الواقع أن الأستاذ (ابن عبد المقصود) – لثقافته الشاملة، وسعة تفكيره، وصفاء ذهنه، كان قد أوجد لذاته الأدبية استقلالية تبعده عما يسمى بالتأثر، فلم يذكر بأنه تأثر بمدرسة أدبية معينة، بل كان يعتمد على البحث والاطلاع الشامل، بروح ناقدة، وعين فاحصة، تميز الغث من السمين.
سئل ذا مرة عن "الكتب والصحف التي ينصح الناشئة بمطالعتها" ونورد هنا مقاطع من إجابته على السؤال وقد خص الجزء الأول من الإجابة للطلبة: (3)
- (وأرى أن انهماك الطلبة في قراءة الجرائد مهما كان اتجاهها ومبادئها غير مفيد، بل أميل إلى أن الضرر يغلب على غيره، إذ يجب أن يكرس الطالب كل مطالعته وأوقاته حول المواد الدراسية التي يتلقاها، ثم إن الجرائد اليوم (عام 1357هـ) – لا تفيد الطالب الفائدة التي نطلبها له، والتي يطلبها الطالب لنفسه، إذ هي تخدم أغراضاً، وتدافع عن نزعات ومبادئ حزبية لا تمت إلى جوهم المدرسي بقليل أو كثير – يعني بطبيعة الحال الصحف الخارجية – ثم يقول: ونظرية التعليم الحديث تحرم على الطلبة قراءة الجرائد، فمن باب أولى تحريمها على طلابنا لسببين: الأول عدم مساس المبادئ التي تتقاتل عليها الصحافة الأجنبية بحياتنا من جميع جوانبها، والثاني: عدم وجود صحافة في بلادنا تفيد الطالب الفائدة التامة من الناحية الثقافية والاجتماعية. أما المجلات فلا أرى مانعاً من السماح للطلبة بمطالعة بعضها وبصورة لا تعيق الأعمال الدراسية التي يقومون بها.
ثم يتحدث عن الجرائد فيقول: (وأقصد بالشباب هذه الطائفة التي بدأت تجاهد في الحياة، فجرائدنا وإن كانت تتخبط في دياجير مظلمة، وإن كانت لا تزال في بدء التكوين، فقراءتها للشباب فقط، بل لكل من يقرأ، وهذه للتعضيد من جهة والإحاطة بأداء كتابنا من جهة أخرى، أما الجرائد العربية فلا تزال حتى الآن تخدم غايات حزبية صرفة، فقراءة جميع أبوابها لا تفيد الشباب.
أما ما كتب العرب من القصص فإنه يرى أنها دون المستوى المرضي شكلاً ومضموناً، وقد استثنى ما كتب بعضهم مثل المنفلوطي وتوفيق الحكيم، من كتب الروايات التي يرى أن غثها أكثر من سمينها (وأرى أنه إذا أردنا أن نسمح لناشئينا بالتوسع في هذه الناحية، فيجب أن ندقق في الاختيار، وإني أفضل الروايات الإنجليزية والفرنسية على الروايات العربية، لأن الفن القصصي ارتقى كثيراً في الأدب الغربي).
وسئل مرة أخرى عن الأثر الذي أوجده الأدب الحديث في الحجاز فكان جوابه يدل على رؤية شاملة، تناولت أبعاد القضية من كل اتجاه، تحدث عن الأثر البطيء للمدرسة الحجازية في العصر الحسيني، التي لم تكن مهيئة لإعداد الشباب لتلقي ثقافات الأمم، وإن كان منهم من اتجه إلى المدرسة (المهجرية) وتأثر بثقافتها وحاول تقليدها، إلا أن الحال لم يدم طويلاً حين تدفقت الثقافة المصرية إلى البلاد عبر الكتب والقصص والروايات والصحف والمجلات، وتطور التعليم في بداية العهد السعودي الذي فتح الأذهان أكثر لكي تستقي من ينابيع الثقافة بنهم شديد. كانت تلك الثقافة متنوعة من (الأدب والتاريخ والسياسة والاجتماع) وكان نتاجها ظهور أدب حجازي مستقل، وثقافة جديدة لها صبغتها الفريدة، وكان بالإمكان أن يرتقي شأنها فتجاري الثقافات السائدة إن لم تتفوق عليها، لولا ضعف الحالة المادية آنذاك، وظهور فترات تضاءل خلالها النشاط الأدبي لعوامل اجتماعية.
كثيراً ما تناول "ابن عبد المقصود" معالجة قضايا أدبية وكانت دراساته دقيقة، نشر معظمها في صفحة (الأدب والفنون) بجريدة أم القرى، وفي جريدة المدينة وصوت الحجاز، مما يؤكد اهتمامه بالأدب ومريديه.
كان لا يتردد عندما يطلب منه الكتابة في مجلة، وذلك ما فعله مع الأستاذ عبد القدوس الأنصاري صاحب مجلة المنهل، حتى مع المجلات المبتدئة مثل المجلة الخطية التي كان يعدها الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار باسم (الشباب الناهض) وقد طلبت منه جريدة المدينة أن يكتب عن (الأدب الإقليمي) فكتب وأجاد ونشر الموضوع في العدد الرابع 18 صفر 1356هـ.
البحث التأريخي:
* وكما كان الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود أديباً متمكناً في ميدان الفكر والأدب، ومن "أوائل من حركوا نهضة الأدب الحديث في هذه البلاد، وشجعوا أدباءها على الكتابة والنشر "فإنه كان أيضاً مجيداً في البحث التاريخي، أميناً في نقل الحوادث والصور التاريخية، عميقاً في تحليله لها.
عشق التاريخ كعشقه للأدب واطلع على الكثير من كتبه ومصادره القديمة، ومن يقرأ له بحثه التاريخي عن: (المياه بمكة المكرمة في أدوارها التأريخية) أو بحثه "عن تاريخ دار الندوة وما تعاورها من أحداث" يجد متعة لا توصف من خلال متابعة العرض التأريخي الشيق المجلل بأسلوبه الأدبي الرصين.
وما يميز بحوثه التأريخية وقوفه شخصياً على موقع الحدث للتأكد من صحة الرواية لكشف أي خطأ يمكن تصحيحه، أو ملابسات يمكن إيضاح حقائقها، مستعيناً بالمشاهدة المباشرة، والشواهد القائمة لدراسة ما تبقى من الأثر، وهذا ما نلمسه عند متابعتنا لجهوده في تحديد مكان (دار الندوة) وحديثه عن (السيول في مكة) وكشف خرافة (فوران بئر زمزم).
وعن هذه الخرافة نقف على نص له – بعد مقدمة قصيرة عن الشائعات المنقولة قديماً عن هذه الخرافة – يقول فيه: (وبالرغم من اعتقادي ببطلان هذه الخرافة من أساسها فقد أردت الوقوف على حقيقة الأمر فشهدت في العام الفائت – 1353 هـ- الأدوار التي تمثل هذه الرواية على مسارحها:
لقد رأيت السقاة يشد كل منهم طستاً كبيراً – وينطقها أهل الحجاز طشت – على فوهة الفتحة التي يسقي عليها والموجودة في الشباك الذي فوق فوهة بئر زمزم، ويجعلون طرف الطست خارجاً عن شباك البئر بحيث إذا امتلأ الطست وفاض ماؤه سقط على الأرض، وهكذا يتناوبون العمل، ولقد بقيت مدة ساعتين وأنا أشاهد هذه العملية الشيطانية تمثل في بلد الله بجوار بيت الله (4) . انتهت هذه الخرافة وما أشبهها من الخرافات وذكرها يمثل وصفاً اجتماعياً قائماً إذ ذاك.
* ومن احترامه للتاريخ ورجالاته، أن كانت له يد مشكورة فقد طبع بعض كتب التراث مثل كتاب الأزرقي في تاريخ مكة، تحقيق رشدي ملحس، وكان "ابن عبد المقصود" يزهد في أن يذاع صنيعه في إخراج هذه الكتب (ومن هنا خلت من ذكر اسمه، والمعاصرون له من المهتمين بالفكر يعرفون ذلك جيداً) حتى في مقدمته البليغة التي كتبها في (وحي الصحراء) لم يسبقها بترجمة له، بينما كتب لكل أديب في ذلك الكتاب ترجمة إضافية عن حياته.
وربما كان ذلك من العوامل التي قللت من شهرة الأديب "محمد سعيد عبد المقصود" عند جيلنا المعاصر – على الأقل -. أضف لذلك انغماسه الشديد في عمله (الصحفي) وانشغاله بتطوير المطبعة.
عند هذا الحد يمكنني الوقوف عن مواصلة الحديث عن (محمد سعيد عبد المقصود) الأديب والباحث، مكتفياً بما توفر لدي من مصادر تأريخية، متطلعاً إلى ينابيع أخرى أستقي منها معلومات جديدة يمكن أن تضيف شيئاً إلى ما ذكر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :626  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 111
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.