شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تكريم الحاج
وقد كان ممن يتخيّرون لهم المقاعد المجاورة لنا، ويحرصون على أن يكونوا موضع التكريم معنا أو بعدنا هم ذلك النفر الذين أشرت إلى أنهم قد جاؤوا إلى مكة وأدّوا فريضة الحج، وأدّوا الصلوات في المسجد النبوي، ذلك أن من حمل لقب الحاج هو موضع الإجلال والإكرام في العالم الإسلامي بأسره، وفي القسم العجمي منه بصفة خاصة في مشارق الأرض ومغاربها، وكان أحد أولئك الحجاج الفنلنديين واسمه الحاج حسن، ممن استمرّ يصاحبنا في زيارات مساكن كثيرة، من مساكن أفراد تلك الجالية مرحاً، مغتبطاً بأنه يلبس طاقية بيضاء، وأنه حاج وقد عرف مكانته وعرفوا ذلك واحترامهم له، فكان يقول لي على مسمع منهم: أنا وأنت من مكّة، فأقول له: نعم والحمد لله، فيقول لي: الحمد لله، تخرج من نياط قلبه، فيغتبط بهذه الشهادة ويغبطه الحاضرون.
في تلك الزيارة التي بقيت فيها في هلسنكي وبين هؤلاء الإخوان الأحباب كانت الدعوات لنا لتناول الشاي أو وجباب الطعام متوالية متزاحمة يتبع بعضها بعضاً، وقد رأيت مساكنهم وهي أنظف من مساكن كثير من مواطنيهم الفنلنديين الآخرين، إذ إن كل بيت يمتاز بسجادة عند مدخله يخلع عليها القادم نعله، ثم يدخل إلى غرفة استقبالها لتكون نظيفة ومهيّأة لأداء الصلوات عليها، وليسوا وحدهم في هذا التقليد، فجميع مسلمي البلقان، وقد زرت كثيراً من بلدانهم، قد أخذوا هذه العادة من الشعب التركي إبان عصور الخلافة وعبر القرون المتوالية التي اشتبكت فيها الأواصر والصلات والقربى بينهم.
وإنك لتجد في غرف استقبال كل بيت مسلم في هذه البلاد والبلدان البلقانية الأخرى أثراً إسلامياً يختلف في صغره وكبره، فإما لوحة فيها "بسم الله الرحمن الرحيم"، وإما آية قرآنية أخرى، وإما صورة للحرمين الشريفين، وإمّا سجادة صلاة مثبتة في الجدار، وإما المصاحف. ففي كل رفّ من رفوف كل قاعة مصحف كريم موضوعٌ وضعاً بارزاً ملفتاً للأنظار، وقد يعمد الكثيرون منهم عندما يزور بعضهم بعضاً ويدخل قاعة من قاعات الاستقبال أن يأخذ ذلك المصحف إذا كان على وضوء، فيقبّله ثلاثاً مرفوعاً إلى جبهته ثم يتركه، أمّا إذا لم يكن متوضئاً فيتوقف أمامه ثانية مشيراً بهامته واحترامه وإجلال لله، ثم يجلس بعد ذلك، يفعل ذلك الرجال والنساء والأطفال، بل إنهم يلزمون الأطفال من بنات وصبيان بالتزام ذلك التقليد.
كانت تجول بمشاعري أحاسيس مختلفة مكتوبة وأنا أرى أن هؤلاء كلهم ينزلونني مع عائلتي هذه المنزلة، وأقسم بالله أنني أشعر في قرارة نفسي بأنني لا أستحقها، وكان بعض النساء، ولا أقول كبيرات السن، بل من الشاباب الجميلات من بناتهم، ينتهزن الفرص من جلوسنا مع الرجال ويلتففن حول (أم سبأ) لتقرأ لهن شيئاً من القرآن والأدعية، وكنت أجول بأنظاري في هذه المظاهر التي يحفوننا بها وأقول في نفسي: لقد أنزلتم حاجاتكم بواد غير ذي زرع. ولكن جزى الله الأسباب خيراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :644  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 157 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج