شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لقائي باللواء محمود شيت خطاب
ولا بأس أن أشير أيضاً بتواضع خجول إلى حادث جرى لي بعد ذلك طبعاً بنحو خمسة وأربعين عاماً عندما كنت في بيروت في عام 1964م متقاعداً ومقيماً، أن ضرب جرس الباب "الشقة" التي كنت أسكنها في رأس بيروت، فلما فتحت الباب وجدت صديقاً من أصدقائي هو الأستاذ الأديب البيروتي "عز الدين بليق"، ومعه رجل طويل مهاب الهامة والقامة، فرحبت بالضيفين وأدخلتهما إلى المجلس، ولم يخبرني صديقي الأستاذ "بليق" باسم الضيف الآخر الذي جاء به لزيارتي إلا بعد أن جلسنا فقال لي: أقدم لك معالي الوزير العراقي والعالم الإسلامي المشهور اللواء محمود شيت خطاب، وطبعاً كنت متتبعاً لأخبار الضيف الوزير يوم كان وزيراً في حكومة الثورة العراقية في سنواتها الأولى، وقد قرأت أكثر ما كان قد أصدره من مؤلفات تاريخية جليلة لا ينافسه في مثل تأليفها إلا القليلون من علماء العرب والمسلمين المعاصرين.
فرحبت بالضيف ترحيباً قلبيًّا، فالتفت إلي متسائلاً وقد اشتبه في اسمي وقال: الأستاذ عبد الله بلخير هل هو أنت أم والدك؟ وفوجئت بالسؤال ورأيت فيما يجب علي أن أجيبه أن يكون طرفة اكتشف بها هذا التساؤل فقلت له: كان ذلك والدي، فقال لي: هل هو عائش أم توفي؟! فقلت له: لقد توفي! فقال لي: رحمه الله، فقد كان شاعراً عربياً قومياً ألقى علينا يوم جئنا في البعثة الكشافية العراقية إلى مكة المكرمة قصيدة عربية قومية، ألقاها على أسماعنا في مهرجان التكريم الذي أقامه لنا شباب المملكة وكنت عضواً في تلك الكشافة يومئذ، ولا أزال أتذكره وهو يرتجز بيننا قصيدته التي استهلها بـ:
(شبه الجزيرة موطني وبلادي)
وقرأ الأبيات الأربعة المشار إليها آنفاً، ثم ما جاء في الترحيب بالبعثة وبالعراق والعراقيين.
وكنت مشدوداً عند سماعي إلى ما أسمع من هذه الشخصية التي اشتهرت بعد ذلك بعلمها وفضلها وتاريخها وخدمتها للأدب العربي والتاريخ الإسلامي، لم يقطع علينا الحديث إلا ابتسامة مختلسة صدرت من الأستاذ "بليق" أثناء حديث اللواء واسترساله فيما يذكره، فالتفت اللواء محمود خطاب إليه، وقال له: على ماذا تبتسم؟! فقال له مشيراً إلي: هو هذا وليس أبوه!
فالتفت إلي اللواء وقال في دهشة وقد فتح ذراعيه: والله ما كنت أظن أنك أنت الذي سمعناك في مكة وحفظنا عنك هذه القصيدة، لأنني أراك لا تزال شابًّا، وهو ما لم أكن أتوقعه فأنت إذن أكبر مني وزاد عليها بما لا أريد أن أذكره من الثناء.
فقلت له: أنا في تلك الحفلة كنت طالباً في المدرسة كما كنت أنت طالباً وبين بعثة طلاب الكشافة، وتستطيع أن تنظر الآن إلى نفسك إذا ما وقفنا كتفاً لكتف، بأنك أكبر مني سنَّا كما أنك أكبر مني فضلاً وعلماً وجاهاً.
فانفجر يضحك مرة أخرى وهو يقول: لا تقاس الأعمار بالأجسام، ولكني أحسب أنك ألقيت تلك القصيدة وقد تجاوزت المرحلة الثانوية في مدارسكم.
شكرته على حفظ القصيدة، فقال لي بما أشرت إليه بأن رئيس بعثة الكشافة وهو الأستاذ عبد الهادي المختار قد قدم إلى مديرية المعارف جميع ما قيل وأنشد من أدباء الحجاز وشعرائها، وكانت قصيدتك مع قصائد الشعراء السعوديين الآخرين وخطب الأدباء قدمها في كتاب لمديرية المعارف في بغداد، فأمرت الحكومة بطبع ذلك الكتاب وتوزيعه على المدارس، واختارت قصيدتك لأنها قومية عربية زاخرة بما نؤمن به ويؤمن به كل عربي في عالمنا العربي أن تكون بين محفوظات طلاب المدارس، وقد حفظتها أنا بعد عودتي، إلى بغداد بعد أن سمعتها منك في مكة، وأنا أرويها في كل مناسبة.
وكانت جلسة تعززت بها صداقتنا بعد ذلك، وأخذنا نتزاور مع اللواء الطيب في تنقلاته إلى المملكة أو إلى مصر أو إلى بيروت، وربما قرأ في "الشرق الأوسط" روايتي لهذه الطرفة عنه حيث يقيم فله تحياتي واحترامي مجدداً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :589  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.