شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
استقبال حافل في بغداد
فخضنا الطريق في أفواج متماوجة علت أناشيدها وهتافاتها، وكان الدكتور زريق قد أهاب بالشباب في السيارات التي يركبونها، وأهاب بنا أن نرفع عقائرنا بين تلك الجماهير بما نحفظ من أناشيد حماسية أشرت إلى بعض كلماتها فيما سبق، فكان التجاوب المتلاطم بين ما يصدر من أعضاء الوفد وبين الجماهير المستقبلين صاخباً يدوي دوياً يصم الأذان، وقد لقينا في مدخل بغداد مجموعة من ضباط الشرطة الذين يركبون الدراجات النارية صفوا بالسيارات كلها، فقد بلغهم ما حصل في "الرمادي" من تزاحم جموع المستقبلين فيها وحصول تلك الإصابة، وكان معهم "طبيب" وأخذ يعالجها بما لديه من مطهرات وقطن، ثم وضع على موضع الجرح البسيط الذي سال بدم غزير لصقة على هيئة الصليب زادتها، في ما رأى الشبان بعد ذلك، فتنة وجمالاً.
ونزلنا أمام مدرسة "كاظمية" الواقعة بجوار المقابر الملكية، ووجدنا الدكتور فاضل الجمالي يحف به عدد كبير من رجالات وزارة المعارف ينتظر الوفد، خصوصاً ومعه أصدقاؤه وزملاؤه في الريادة العلمية وزمالة التخرج من الجامعة الأمريكية الدكتور شارل المالك، والدكتور قسطنطين زريق، والأستاذ المقدسي، وكان معه على ما أذكر بين أعضاء الترحيب من وزارة المعارف الدكتور "متى عقراوي"، وكان بين الطالبات طالبة عراقية أصبحت فيما بعد مربية مشهورة واسمها "سرية الخوجة"، وكانت معروفة بنشاطها يوم كانت طالبة في بغداد، ثم بعد التحاقها بالجامعة، ولهذا كان بين المرحبين عدد من السيدات والمعلمات يستقبلن الطالبات.
والكلام مسترسل عن هذه البعثة والزيارة التي قصد بها التقارب بين شباب البلاد العربية بعضهم مع بعض، وقد طال الحديث عنها وما بقي منه سيكون على نحو ما تقدم فيما لو أردت أن أكتب ما أتذكر وهو كثير، وأسماء أعضاء هذه البعثة التي كنت بين أعضائها وزميلاً لها موجودة بين أوراقي وبعيدة عني، وكم أتمنى لو كانت بين يدي لأن أكثر أعضائها قد أصبحوا من رجالات البلاد العربية والمعروفين، ومن موظفي الهيئات الاجتماعية والحكومية. ولكني أتذكر من أعضائها غير رؤسائها المشار إليهم فيما سبق، أتذكر: الدكتور خلدون الحصري ابن الأستاذ الشهير ساطع الحصري، والأستاذ أحمد السبع، والأستاذ زهير عزت دروزه من فلسطين، والأستاذ يوسف شديد من لبنان، والأستاذ زهير العجلاني من سوريا.
ومن الطالبات الآنسات: فاطمة الحسيني، وسيرين جمال الحسيني من القدس، وليلى البستاني ونادية سلمان، من لبنان، وعائدة الحيدري من العراق، ولا تحضرني بقية الأسماء كما ذكرت.
ووجدنا فور دخولنا في أبهاء تلك المدرسة التي خصصت لنزول البعثة موائد العشاء ممدودة وغرف النوم مهيأة، وكان جو بغداد مقبولاً برغم حرارته المشهورة في عاصمة الرشيد، فنمنا نوماً عميقاً حتى أدركنا الصباح.
وأواصل ما أتذكر آملاً أن لا تخونني الذاكرة، فإن خانتني في ذكر بعض الأسماء فلي من مدى بعدها ما يصفح عنه الكرام. فأذكر أننا قد أفقنا في الصباح في نشوة زاخرة من الابتهاج والفرحة والسرور، فقد فتحنا نوافذ غرف النوم فور استيقاظنا وتزاحمنا على الإطلال منها إلى ما حولنا من هذه الضاحية "الكاظمية"، من ضواحي عاصمة المجد والعروبة والإسلام بغدادنا الحبيبة العزيزة الغالية في قلب كل عربي ومسلم.
كأننا لم نصدق أننا تحت ظلال نخيلها، وعلى ضفاف دجلتها، وفي رعاية هارونها وأمينها ومأمونها، كانت هذه الأفكار والأحاسيس والمشاعر تزخر بها جوانحنا منذ لبينا دعوة وزارة المعارف العراقية للقيام بهذه الزيارة، وقد صاحبنا الحنين المنبثق من نياط قلوبنا في كل لحظة من لحظات أيامنا السالفة، حتى أصبحنا في ذلك الصباح ونحن في قلب بغداد، بغداد التي كانت ولا تزال وستظل في قلوبنا وفي قلوب أبناء العروبة والإسلام.
كان يجول بخاطري ونحن في سياراتنا نسير في خضم الجماهير، وأرجو أن لا يظن بأن في هذه الكلمة شيئاً من المبالغة، الجماهير كانت تنتظر وصول الوفد إلى مداخل بغداد، هازجة منشدة هاتفة بالعروبة أولاً، والقسم الأعظم كان باستقلال الأمة العربية وبوحدتها، وبفلسطين، كان يجول في خاطري إحساس عميق ملك كل مشاعري وأنا أتذكر وأردد بيني وبين نفسي متلفتاً من نوافذ السيارة إلى أحياء بغداد التي تطويها قول الشاعر:
هذه دارهم وأنت محب
ما بقاء الدموع في الآماق
وبالفعل فقد سالت دموعي من آماقي، ولهذا فقد بادرنا صباح ذلك اليوم بارتداء ملابسنا، وجاءتنا الدعوة بأن طعام الإفطار جاهز، في بهو تلك المدرسة في دورها الأول، وأن على الجميع أن يسرعوا إلى تناول الطعام، فازدحمت القاعة بضوضاء الطلاب وهرجهم، وقد انضم إلى القاعة عدد كبير ممن جاء صباحاً، من رجالات وزارة المعارف العراقية للترحيب بالبعثة والتحدث إليها، أو لمصاحبتها في ابتداء تطبيق البرنامج المتفق عليه في زيارتها، التي كانت مقررة لأن تكون بضعة أسابيع، وعلى رأس الجميع صديقنا وأستاذنا الدكتور محمد فاضل الجمالي أمد الله في عمره، فقد كان مديراً عاماً في وزارة المعارف لشؤون التربية والعلوم والتوجيه، وقد كان منتدباً لمرافقة البعثة مدة بقائها في العراق، وكان قد اتفق مع رؤساء البعثة فور وصولنا إلى المدرسة ببغداد في الليلة الماضية على تفاصيل برامج هذه الزيارة، على أن نبدأ تطبيقها في الساعة التاسعة من صباح ذلك اليوم بزيارة البلاط الملكي في بغداد، وأخبر الجميع بأن الملك غازي رحمه الله قد تفضل وجدد ذلك الموعد لاستقبالنا للسلام عليه، فشاعت الفرحة بين أعضاء البعثة، وألقى الدكتور فاضل الجمالي كلمة علينا يخبرنا فيها بما اتفق عليه خلال هذه الزيارة، وقال: إنه قد سمح لمن يريد أن يصور زيارتنا لجلالة الملك غازي بأن يفعل ذلك، وإننا سنتحرك بعد عشر دقائق من مكان إقامتنا، وستصاحبنا كوكبة من رجال البوليس وراكبي الدراجات في هذا المشوار.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :533  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج