شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > عبد الله بلخير يتذكر > عبد الله بلخير يتذكر > واختارني الملك عبد العزيز موظفاً في ديوانه
 
واختارني الملك عبد العزيز موظفاً في ديوانه
وتطورت الأيام بعد ذلك، دخلت المدرسة الأولى في حياتي، وانتقلت إلى مدرسة الفلاح في دور تعليمي الثانوي بمكة، حتى إذا جاء عام 1350هـ كنت قد بدأت محاولات الكتابة والشعر، فبدأت أشارك حينئذ في الحفلات والمناسبات الرسمية والشعبية التي تقام في القصر الملكي، أو في ميادين العاصمة "مكة المكرمة"، عندما يكون الملك قادماً إلى الحجاز في مواسم الحج والصيف، فكنت أشارك وألقي بين يدي الملك عبد العزيز محاولاتي الأولى في الشعر مع غيري ممن يقومون بمثل ذلك، إما من كبار العلماء والشعراء الوافدين من الأقطار العربية المجاورة، وإما مع زميلي وصديقي الشاعر الكبير الشيخ أحمد إبراهيم الغزاوي، والصديق الشاعر الكبير خير الدين الزركلي، وغيرهما.
وقد أشير إلى الشاعرين الكبيرين الأستاذ علي أحمد باكثير، والأستاذ الكبير الشاعر محمد محمود الزبيري، عندما قدم كل منهما من وطنه، الأول من حضرموت، والثاني من صنعاء عاصمة اليمن لأداء الفريضة. وألقى كل واحد منهم تحية ما تزال أصداؤها في الأندية الأدبية في الحجاز يومئذ تتماوج بها، وقد نشرتها جريدة أم القرى يومئذ، وبقيت ذكرى عاطرة يتذكرها المتذكرون ويرويها المعجبون. وبالمناسبة فما كان يمر على خاطري أو ببالي يومئذ وبعدئذ أن تتطور بي الأيام، فيقدر لي أن يختارني الملك عبد العزيز نفسه موظفاً في ديوان جلالته، وأن يوكل إلي في بداية عملي بين يديه في عام 1361هـ 1941م، القيام مع بعض زملائي في الديوان بتتبع وتسجيل جميع الإذاعات الصادرة من العواصم العربية يومئذ، والعواصم الغربية، وكان ذلك في السنوات الأولى من اندلاع نيران الحرب العالمية العظمى الثانية، لنسجل تلك الإذاعات في أوقاتها المعروفة ساعة بساعة في كل يوم وليلة، ونحملها إلى جلالة الملك الذي ينتظرها بفارغ الصبر، لنقرأها على أسماعه في مجالسه الكبرى الثلاثة: في ضحى كل يوم، وبعد العصر، وبعد العشاء منه من أعوام الحرب العالمية الخمسة، ويكون الملك مصغياً لهذه النشرات المختلفة، التي أقرأها مع زملائي: الأستاذ محمد عبد العزيز الماجد، والأستاذ علي عبد العزيز النفيسي، والأستاذ أحمد عبد الجبار. والأستاذ عبد الله بن عبد المحسن البسام، والأستاذ عبد العزيز بن إبراهيم العمر، والأستاذ عبد الله بن سلطان.
وما دمت قد ذكرت كلمة "التسجيل" وهي بمعناها اللغوي كانت تؤدي ما كنا نقوم به، كتابة بالقلم وعلى الورق، إذ لم تظهر يومئذ المسجلات المعروفة اليوم ولم تكن تعرف، فكان عملنا كله الإصغاء التام إلى بداية أخبار كل إذاعة، ثم الانكباب المستعجل لملاحقة ما يذاع نكتبه في الأوراق وبالمراسم والأقلام في عجلة وتأن وملاحقة، حتى ندرك بهذه العملية المرهقة تقريباً كل ما ينشر ويقال، لتجيء قراءتنا بعد ذلك لما سمعنا وكتبنا وسجلنا مطابقة تقريباً لما أذيع ونشر كلمة كلمة باللغة العربية، وبالإنجليزية من إذاعة الـ "بي. بي. سي" من لندن، ولم يكن يومئذ لأمريكا صوت يسمع من إذاعاتها غير أصوات قنابلها ومدافعها على الميادين والمدن والقرى في أوروبا وما حولها، مما دخلته أمريكا في الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور، وهي ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، واليابان بعد ذلك في الشرق الأقصى.
كنت مكلفاً في عملي هذا من قبل الملك عبد العزيز، بأن أكون مسؤولاً عن تسجيل الإذاعات العربية من إذاعات المحور كل صباح وعصر ومساء، وكانت ألمانيا في عام 1941م وفي العام الذي قبله قد اكتسحت غرب أوروبا اكتساحاً مخيفاً كاد أن يقلب تاريخ العالم بأسره بسبب ذلك، وكانت لبرلين - عاصمة الرايخ الثالث يومئذ ومقر القيادة العليا لهتلر - عشرات الإذاعات بجميع اللغات وبينها اللغة العربية، إذ كان الوزير المفوض الألماني الشهير الدكتور "الهر قروبا" في بغداد قبل اندلاع الحرب وأوائل شهورها، قد أعان حكومته الألمانية عندما قررت إنشاء قسم عربي مستقل بين أقسام إذاعاتها باللغات الأخرى، واجتذب المذيع والصحفي العراقي الشهير يومئذ وبعدئذ صديقنا المرحوم السيد يونس البحري، وهو شخصية عراقية متعددة الجوانب والمواهب المتضاربة، استجذبها الدكتور قروبا وأرسلها في بداية الحرب عام 1939م إلى برلين، فأناط به وزير الدعاية الألمانية المشهور الدكتور "جوبلز" إذاعة القسم العربي في إذاعة برلين، يشرف عليه ومعه عالم سلفي شهير من أصل مغربي هو فضيلة الأستاذ تقي الدين الهلالي، الذي صادف عند اندلاع الحرب أنه كان يدرس في ألمانيا، وهو اليوم "محاضر" في إحدى جامعات المغرب، فكلف بأن يكتب التعليقات المختلفة ليقرأها الأستاذ يونس بحري مع ما يكتبه البحري نفسه تحت إشراف هيئة المراقبة التي يشارك فيها العالم المذكور.
كما كنت أسجل أيضاً الإذاعات العربية التي كانت إيطاليا تذيعها على العالم العربي من محطتها العربية الواقعة في مدينة "باري"، الواقعة على البحر الأدرياتيكي المعروف، وكانت لحكومة فيشي الفرنسية بعد الاحتلال الألماني لباريس ولشمال فرنسا إذاعة عربية أخرى، كانت من الإذاعات التي كنتُ مسؤولاً عنها ومحرراً لأخبارها وناقلاً لما يذاع وينشر منها، خصوصاً فيما يتعلق بالأقطار العربية كـ "المغرب" والجزائر وتونس. وكانت في البلقان إذاعة جديدة أنشأها هتلر بعد احتلاله ليوغوسلافيا واليونان، كانت تسمى: إذاعة "الشرق الأوسط".
وبعد ذلك أنشأت اليابان قسماً عربياً مختصراً في إذاعتها من طوكيو، موجهاً إلى العالم العربي، وكانت إذاعة ضعيفة البث لا يصل صوتها إلينا إلا مشوشاً غير واضح، لكن الملك يحرص على أن نلتقط منها ما نستطيع لاهتمامه بمصير البلاد الإسلامية الواقعة تحت نفوذ اليابان يومئذ وهي: أندونيسيا وماليزيا وبورما والفلبين، فكان أمرها واستيلاء اليابان عليها يهم الملك ويقلقه ويثير مخاوفه.
وبهذا دخلت إذاعة طوكيو فيما يسمى بإذاعات المحور التي جعلها الملك عبد العزيز من نصيبي في التسجيل والمراقبة، بينما كان الأستاذ الزميل المرحوم محمد عبد العزيز الماجد مسؤولاً عن إذاعة الـ (بي. بي. سي) باللغة الإنجليزية، ولبعض أقسام الإذاعات الإنجليزية الأخرى التي تجيء من إذاعات أوروبا المختلفة، إذا لم يتعارض وقت إذاعتها مع إذاعة الـ "بي. بي. سي" البريطانية، التي كان الملك يهتم بها اهتماماً خاصاً، ولا يفوته منها ولا من إذاعات المحور، المشار إليها آنفاً، ولا من غيرها من الإذاعات العربية الأخرى في العالم العربي شيء عام، بما في ذلك إذاعات القاهرة وبغداد وتركيا المحايدة يومئذ، والتي كان الملك عبد العزيز يحرص على سماع إذاعتها، لأنها كانت تنقل أخبارها بصفة محايدة حياداً تاماً تقريباً، بين الجبهتين العظيمتين المتصارعتين على ساحة أوروبا: الحلفاء والمحور.
وكان من المسؤولين عن تسجيل ورصد الأخبار الإنجليزية من إذاعة بريطانيا وغيرها الأستاذ أحمد عبد الجبار السفير اليوم بهيئة الأمم في سويسرا، يقوم مع أو عن الأستاذ عبد العزيز الماجد، خصوصاً إذا ما غاب الأستاذ الماجد لسبب من الأسباب، أو كان في إجازة.
أريد أن أختتم هذا الاستطراد – الذي أرجو أن لا يكون مملاً عن هذه القصيدة مرة بعد أخرى – بالاعتذار عما قد يتبادر إلى أذهان القراء بأنها فرصة أمدح بها نفسي فيتذكرون قول الشاعر:
أَلهى بني تغلب عن كل مكرمة
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
ومعاذ الله أن أقصد إلى شيء مما قد يتبادر إلى الأذهان، وإنما طُرف ومُلَح جاءت مناسبتها فرأيت أن أذكرها.
الأثر الذي تركه مجيء البعثة الكشفية العراقية إلى الرياض ومكة والمدينة، من حوالي نصف قرن وما أشاعت بين الشباب من روح عربية وإسلامية زاخرة، كان عظيماً، فقد كتبت عنها باستفاضة الصحف العراقية والسعودية، وأشارت إليها بعض الصحف المصرية، وبعض الصحف السورية، فتشوقت فرقة الكشافة العربية في دمشق، إلى أن تقوم بدورها بزيارة كشفية أخرى من الشام، إلى الحجاز، وبعد أن قررت ذلك نوهت بعزمها للقيام بتلك الرحلة في الصحف السورية، وكان ذلك بعد مجيء البعثة العراقية ببضع سنوات.
ونشرت جريدة "الأيام" الدمشقية حينئذ خبراً ضافياً ومسهباً عن عزم البعثة الكشفية السورية القيام بأداء فريضة الحج، وهي بملابسها الكشفية، وأناشيدها الحماسية، وكنت قد أصبحت يومئذ طالباً في الكلية الثانوية العامة من الجامعة الأمريكية في بيروت، فقرأت ما كتبته جريدة الأيام، إذ كنت حريصاً على قراءة هذه الجريدة بين الجرائد العربية الأخرى، فكان لما قرأت وقع سار أهاج مشاعري وأشواقي إلى مثل هذه البوادر الطيبة، التي نوهت سلفاً بها وأشرت إلى آثارها.
وقررت السفر في العطلة الأسبوعية من بيروت إلى دمشق للبحث عن مقر ورئاسة البعثة الكشفية للسلام عليها، والترحيب بها باسم الشباب السعودي، وما قد تراءى لي بأنها قد تحتاج إلى بعض المعلومات، وأتذكر أني سألت عن مقر البعثة عندما وصلت إلى دمشق، فأخبرت بأنه في الشارع الذي يقوم فيه البرلمان السوري، والذي تخترقه حافلات الترام، فركبت الترام الذي يمر بذلك الشارع من ساحة "المرجه"، فوجدته مملوءاً بالركاب ولا مكان لمن يقعد، فوقفت في حشد من الشباب السوري كان من أغرب ما لفت نظري أنهم بدأوا عندما وقفت بينهم يتكلمون باللهجة المصرية مداعبة منهم لي، فقد ظنوا أني مصري، فكنت أستمع ساكتاً برهة من الزمن ثم قلت لهم: أرجو أن تتفضلوا بالإشارة عليّ بالمحطة التي تقف فيها الحافلة أمام نادي "الكشاف العربي".
فبادرني أحدهم بقوله: إذن أنت لست مصريّاً؟ فقلت له: لا. أنا سعودي! فقال لي: نحن أعضاء في جمعية الكشاف ومتوجهون الآن إلى مقرها، فتفضل معنا في المحطة التي سنقف فيها، فشكرتهم ثم توقفت الحافلة وخرجنا منها جميعاً، وأخذني أولئك الشباب -وكانوا أربعة- مرحبين بي عندما أخبرتهم قبل أن ندخل الجمعية بأنني طالب في بيروت، قرأت في جريدة "الأيام" نبأ عزم الكشافة على زيارة مكة فرأيت أن أجيء مرحباً، وواضعاً نفسي تحت تصرفها فيما إذا أرادت أية معلومة عن وجهتها، وسأكتب معها رسائل لبعض إخواني الأدباء من شباب مكة ليحتفوا بها ويقوموا نحوها بالواجب.
فكان سرورهم كبيراً بعدما سمعوا ما قلته لهم، حتى وصلت إلى غرفة الانتظار بالجمعية، والتفت حولي من كان بالدار، وزاد إكرامهم لي عندما علم الجميع أني جئت من بيروت مرحباً بهم وعرّفوني على البعثة الإدارية.
وكان من أولئك الشباب الذين لقيتهم في الحافلة ثم احتفوا بي مع غيرهم في النادي من لا أزال أتذكر أسماءهم لأنهم قد أكرموني إكراماً كبيراً ولازموني طيلة ذلك النهار يحفون بي، كما جئت أنا لأحف بهم، كان بينهم من أصبح بعد ذلك وزيراً ومحافظاً لمدينة حلب بعد نحو ثلاثين عاماً، ومحامياً ثم مشرفاً على شؤون سكة حديد الحجاز وهو معالي الصديق الأستاذ "إسماعيل القولي"، والآخر هو الأستاذ "أحمد الإسطواني"، والثالث الأستاذ "إسماعيل علاء الدين".
وقضينا النهار في زيارات لمعالم دمشق، وأخذوني بعدها إلى مطعم الأمراء في مدخل سوق الحميدية، وكان من أحسن مطاعم دمشق يومئذ على ضيافتهم، ثم أخذوني إلى محل آخر في نفس الشارع اسمه "الأسدية"، أكلنا فيه أنواعاً من المثلجات والمشروبات الجميلة.
ثم عدنا مساءً إلى نادي الكشاف وتعشينا، ثم كتبت لهم رسالة باسم الصديق الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود، رئيس تحرير جريدة "أم القرى" ومدير مطبعة الحكومة في مكة يومئذ، ومن أبرز من اهتموا بالكشافة العراقية، ومن يؤهل لأن يهتم ويرحب بالبعثة الكشفية العربية الأخرى من دمشق.
وكتبت رسالة أخرى للشيخ محمد سرور الصبان، كبير أدباء مكة يومئذ، أعرفهما على هذه البعثة التي كنت واثقاً أنها ستكون على ضيافة الملك عبد العزيز، كما كانت البعثة العراقية ضيفة على جلالته أيضاً، وسلمتهم الرسالتين وسألتهم عن الطريق التي سيتوجهون منها إلى الحجاز، فقالوا لي إنهم قد حجزوا في باخرة الحجاج من ميناء بيروت إلى جدة، وأنهم سيكونون في بيروت بعد أسبوع في طريقهم إلى جدة عن طريق السويس.
فكنت عندما وصلوا إلى بيروت وحلُّوا بجانب "الكرنتينة" التي تقف فيها باخرة الحجاج في العادة، كنت هناك مستقبلاً لهم ومرحباً بهم، وقضيت معهم الساعات التي سبقت ركوبهم الباخرة، وودعتهم على أمل أن تكون رحلتهم موفقة ناجحة، وأن تزيد في عرى المحبة والصداقة بين شباب الشعبين السوري والسعودي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 28 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.