شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عندما سكت الرصافي
مرّ المرحوم معروف الرصافي، شاعر العراق الثائر والوطني المندفع، بمرحلة جدباء وسوداء في الأربعينات بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني ضدّ الإنكليز في مايو (أيار) 1941، عندما اضطرّت الحكومة الموالية للحلفاء إلى الهرب بالطائرة من بغداد، وفتحت المجال للرصافي ليقول فيهم قصيدة من أقسى الشعر السياسي الساخر شاع منها هذا البيت الشهير:
لاذوا بأجنحـة العـدو فما هُمُ
إلاّ الذباب قـد استطـار مطنطنا
بيد أن الحركة فشلت وعاد الإنكليز لاحتلال بغداد وألقوا بمئات الوطنيين في معسكرات الاعتقال، ولكنهم لم يجرؤوا على اعتقال الرصافي، فتركوه في ناحية الأعظمية من بغداد في إقامة جبرية على ألا ينطق بأي شيء سياسي.
مرّت الأشهر ولسان الرصافي منقطع عن القريض، فلاحظ ذلك الأديب والبحاثة طه الراوي، صديق الرصافي، بيد أن صداقته لم تهب به إلى زيارة الشاعر الأسير والاطمئنان على أحواله وتشجيعه على مواصلة الإنتاج. كلاّ لم يفعل ذلك، وإنما وجد شخصاً ثالثاً مشتركاً هو مصطفى علي، راوية الرصافي لينقل عنه عواطفه إلى الشاعر بهذه الأبيات:
أمصطفى بن علـي، يا أخا ثقتي
إني عهدتك للإخوان معوانا
أبلغ مليك القوافي كل خالصـة
من التحايا تمـجّ العطـر ألوانا
ما بالـه، حـرس الرحمن مهجته
قد أوسع الشعر إعراضاً وهجرانا؟
نقل الأستاذ مصطفى علي هذه الأبيات إلى الشاعر المقيّد، فردّ عليها بقصيدة طويلة بنفس الوزن والقافية:
أبلغ أبا هاشـم عني مغلغلـة
يعجّ فيها القريض الغضّ شكرانا
أحسنت ظنّك إذ قد جئت تمدحُني
بما به زدت حسن الظن إحسانا
ظننتني قد هجرت الشعر مُذْ زمن
وهل أطيق لحب النفس هجرانا
ذاك الحبيب الذي أوسعته مِقـةً
مـني وصيّرتـه للمَجـد عنوانا
ثم يمضي معروف الرصافي في وصف معاناته الشاعرية وصعوبة اعتقال لسانه، ثم ينتهي بتذكير طه الراوي بأنه يأبى أن يقول الشعر في ظلّ معشر من الطغاة الذين صادروا حرية الكلام والفكر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :508  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 54 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.