شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مشَـاهِـد مِـن ميسَلون
تكونت هذه المشاهد بعد مصرع البطل الخالد يوسف العظمة في وادي ميسلون الذي دارت فيه المعركة التاريخية غير المتكافئة، بين جيوش الغزو الفرنسي الزاحفة لاحتلال دمشق عام 1920 وبين فلول من المتطوعين العرب يقودهم البطل الخالد يوسف العظمة الذي كان وزيراً للحربية آنذاك.
يوسف العظمة رحل إلى ميسلون غربي دمشق على بعد 25 كيلومتراً. وهو يعلم أنه مقتول لا محالة. ومع ذلك قاوم الفرنسيين ستّ ساعات قبل استشهاده حتى لا يكتب التاريخ أن فرنسا احتلت الشام بدون مقاومة.
وهذه المشاهد تشكل الفصل الأخير من ملحمة أسميتها: عودة العنقاء. أو ميسلون. وتقع في أحد عشر فصلاً. كتبت في يبرود بين عامي 1994 و1995.
مشهد (1)
قالَ مَنْ أَسْرى بتلكَ الليلَةِ الْعُظْمى
بوادي ميسلونْ
-: مِثْلَما الْحُلْمُ رَأَيْتْ
قَطراتٍ هطلَتْ
مِنْ ثَغْرِ ذاكَ الكوكبِ الدُّرِّيِّ فوقَ الْقُدْسِ
مَكْتوبٌ عليها: الْفاتِحَهْ
أَغْلَقَ الْجَلاَّدُ، والقرصانُ، والسِّمْسارُ،
والْوَحْشُ عليها
كُوَّةَ الْفَتْحِ مَساءَ الْبارحَة
ثُمَّ حاكَ النائمونْ
وَجَعَ الْقُدسِ "قَميصاً" عَربيّاً
لِتَظَلَّ الْقُدسُ جُرْحاً مُغْلَقاً
يَنْسَلُّ منهُ الْوجَعُ الشَّامِيُّ في كُلِّ اتِّجاهْ
مُحْرِقَ الْوَقْعِ
شَهِيَّ الرّائِحَهْ
* * *
مشهد (2)
وعلى واحَةِ أَعْنابٍ وُرُمّانٍ وَتينْ
زَيَّنَتْ وادي الْحَريرْ (1)
لامَسَتْ راحَةُ فَلاَّحٍ دَماً
نَزَّ مِنَ الأَرضِ فَخَافْ
ظَنَّهُ طائِرَ شُؤْمِ
ظَنَّهُ إحْدى عَلاماتِ الْجَفافْ
شَمَّهُ مُرْتَعِداً
كانَ مَزيجاً مِن فَتيتِ الْمِسْكِ وَالكافورِ
غَلَّ الراحَةَ الأُخرى.. فَشافْ
جَدْولاً مِن عَنْدَمٍ ما زال فيهِ دفئُهُ
يَجْري جَنوباً
ناشِراً في مُهْجَةِ الأَرْضِ الطُّيوبا
راعَهُ الْمَشْهَدُ، وَلَّى
لَحظاتٍ ثم أَقْبَلْ
وعلى التُّرْبةِ صَلَّى
قَرَأَ "الإِخلاصَ" و "الْفَجْرَ" وآياتِ "الْبَلَدْ"
وهوَ ما بينَ حُضورٍ وغيابٍ وانْخِطافْ
-: ما الَّذي أُبصِرهُ؟
حُلْمٌ أَمْ يَقظَةٌ؟
وأنا في العالَمِ الْعُلْويِّ أَمْ في الْعالَمِ السُّفْلِيِّ
أم في واحَتي وقْتَ الْقِطافْ؟
ثم طافْ
حَوْلَ ما سَمَّر عَيْنيْهِ ذُهولاً. ثم نادى
-: دَمُ مَنْ هذا؟ وأيْنَ الْمُنْتَهى؟
سَمِعَ الوادي يُنادي
-: يوسُفُ الْعَظْمَةُ أَلْقى دَمَهُ
قَبْلَ الزَّفافْ
لِيُرَوِّي الأَرضَ حتى الْمَسجِدِ الأَقْصى
وفي حَيْفا نِهاياتُ الْمَطافْ
أَوْصِلِ الصَّوْتَ
وبَلِّغْ مَنْ تَرى هذا الْهُتافْ
* * *
مشهد (3)
ورأى سارٍ صَلاحَ الدينِ في إِحْدى اللَّيالي
صاعِداً غَرْباً بوادي بَرَدى
تَنْضَحُ الأَطْيابُ مِنْ غُرَّتِهِ
عاقِداتٍ خَلْفَهُ
مِثْلَ أَطْواقِ النَّدى
كان في جُبَّتِهِ طيرٌ غَريبٌ
كُلَّما لامسَ في الوادي انْحِناءً غَرَّدا
وعلى مِثْلِ بِساطٍ مِنْ نَسيجِ الضَّوءِ لَمَّا فُرِدا
قرأَ القرآنَ
صلَّى الصُّبْحَ
تحتَ الْقُبَّةِ الدريَّةِ الْمَنْحِ
بوادي مَيْسَلَونْ
كانَ في عينيهِ حُلْمٌ
ضاقَ عَنْ مَشْهَدهِ عَرْضُ الْمَدى
قلتُ: يا مولايَ
كُنْ ضَيْفي
فَغابْ
وكما الضَّوْءُ بِمَوْجِ الْبحرِ ذابْ
وشدا
كَحفيفِ الموجِ صوتٌ
جاءَ متبوعاً بصوتٍ يملأُ الْوادي صَدى
-: يوسفُ الْعظْمَةُ ما زال هُنا
يطلُبُ مِنَّا الْمدَدَا
* * *
مشهد (4)
أَبْصَر الْمصْبحُ عَشْباً
طالَ حولَ الْجسرِ
في خَلْقٍ خُرافِيٍّ
وتَشْكيلٍ خُرافِيٍّ
فَغَطَّى جَبلَ الْخُلدِ
وسَفْحَ الْمَجدِ
والرَّمْلَ بوادي مَيْسَلونْ
ولَهُ رائِحَةُ النَّعْنعِ والْجُورِيِّ
في طعمٍ غريبٍ
عن نَباتِ الأَرْضِ عن أَيِّ ثَمَرْ
قيلَ: مَنْ يَمْضَغُ مِنْ أَوْراقِهِ
مِزْقَةً في حَجْمِ جِفْنِ الْعَيْنِ أَوْ حَجْمِ الظُّفُرْ
ينقلبْ نَسْمةَ خَيرٍ
تَتَمطَّى غَيْمَةً
بالطولِ والْعرضِ
تَرُشُّ النِّدَّ، والْعَنْبَر، والْفُلَّ، وفَوْحَ الياسَمينْ
مِنْ شُروقِ النَّخْلِ في الأَحْساءِ
حتى الْمغربِ الأَقْصى
مُروراً بِتُرابٍ
قُرَشِيِّ الْفَوْحِ حَوْلَ الْقُدْسِ
صَلَّى فوقَهُ يَوْماً "عُمَرْ"
* * *
مشهد (5)
شاهَدَ الرُّعْيانُ أَسْرابَ حَمامْ
هدلَت في مَيْسَلونْ
قيلَ: مِنْ مَكَّةَ جاءَتْ
قيلَ: كانَتْ تَحْرُسُ الْبَيْتَ الْحَرامْ
حَوَّمَتْ في فُسْحَةِ الْوادي صَباحاً
وإذا الشمسُ هَوَتْ مِنْ نَعَسٍ
تَفْترشُ البحْرَ
وتَلْطو في مَنامْ
حَلَّقَتْ أَسْرابُ مَكِّيِّ الْحَمامْ
عالِياً في أُفُقِ الْوادي كَقِطْعانِ الْغَمامْ
وإذا ناشِئَةُ الليلِ دَنَتْ
لامَسَتْ أَجْنِحَةٌ وَجْه الثَّرى
واتَّجهَتْ نَحْوَ الشّآمْ
سَمِعَ الرُّعيانُ صَوْتاً
كَهديرِ الرَّعْدِ مَتْبوعاً بأَشْباهِ الْكَلامْ
تَرْجَموهُ:
ساكِنو مَكَّةَ
يهْدونَ عَريسَ الْمَجْدْ
يوسُفَ الْعَظْمَةَ مَكِّيَّ الصَّلاةْ
وقُرَيْشِيَّ السَّلامْ
* * *
مشهد (6)
ومُنادِ
قيلَ لم يُعْرَفْ إلى الآنَ
وطَوَّافٍ على كُلِّ النَّوادي
لِيُنادي:
أَيُّ أَعْمىً عَرَبِيٍّ
منْ حدودِ الْبَصرِ الْمُغْلَقِ
حتى الْحُلُم الْمَسْدودِ بالْقَهرِ
إلى عُمْقِ الْبَوادي
إنْ يَزُرْ في مَيْسلونٍ بُقْعةً
فيها بقايا يابِسَهْ
مِنْ قَميصِ يوسُفُ الْعَظْمَةُ يَوْماً لَبِسَهْ
سوفَ يَرْتَدُّ بَصيراً
مثلَما يَعْقوبُ يوماً لامَسَهْ
حَيَّرَ التاريخَ هذا الصَّوْتُ
لكن مَنْ يُنادي:
إنَّ أَرْضَ الْعَرَبِ الْعَرْباءَ
مَلآى بالْعَمى
والْعُمْيُ ما شَمُّوا قَميصاً
يوسُفُ العظمةُ يوماً لَبِسَهْ
إنهم خافوا
بِظِلِّ الذُّلِّ والإِذْلالِ حتى مَلْمَسَهْ
* * *
1995
 
طباعة

تعليق

 القراءات :365  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية الكاملة وأعمال نثرية

[للشاعر والأديب الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج