شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بسم الله الرحمن الرحيم
مقَـدمة النَـاشر
عندما يصبح دفء الأحلام آلاما، وعندما تصبح ينابيع السعادة قهرا، وتختنق الآهات في الصدور، لا بد أن تتهيأ الأرض لميلاد شاعر جديد يصوغ الحياة في صورتها الراهنة وفق مرئياته، وقد تهيأت كافة الظروف الموضوعية لميلاد الشاعر الكبير الدكتور خالد محيي الدين البرادعي ليقول كلمته وسط مهرجان الحروف.. وينشئ قصيدته الخاصة، وإبداعاته المتفردة، ليكتب بحد السكين على صفحة الكبد.. وينقش أحرفاً متوهجة بنار البارود وأوار الشمس التي تقترب من الأرض والرؤوس بدرجة لا تترك للحلم مساحة كافية للتحرك والانطلاق.
وقد سلب الدكتور خالد البرادعي ألباب الحاضرين في أمسية (الاثنينية) التي أقمتها لتكريمه في دارتي بجدة بتاريخ 28/10/1416هـ الموافق 18/3/1996م.. وكان إلقاؤه متميزاً في روعته، متمكناً من الوصول بيسر وسهولة إلى أعماق المتلقين، وكانت ليلة استغرب الكثيرون فيها عدم معرفتهم بإنتاج شاعر بهذا الحجم والزخم!! وقد رأيت أن أساهم بجهد المقل في نشر بعض إنتاجه على عجل.. فجاء هذا الديوان الذي يضم نخبة من قصائده المختارة، على أن أتشرف بنشر بقية نتاجه إن شاء الله من خلال (كتاب الاثنينية) في المستقبل القريب.
لقد كتب الدكتور الشاعر خالد البرادعي قصائده من خلال معاناته للواقعِ، وبعد أن سبر غور الحياة بثاقب نظرته كمثقف يمتلك حنجرته، وآراءه، وأفكاره الخاصة النابعة من قناعاته الشخصية، والبيئة المحيطة به.. تمخض كل ذلك عن بروز رؤاه على شكل قصائد أحسب أنها من قمة النضج، وذروة الكمال بمكان كبير سواء من حيث الشكل أو المضمون.. فجميع القصائد التي ضمها هذا الديوان هي في الواقع خلاصة ما كتبه الشاعر الدكتور خالد البرادعي ومن عيون شعره خلال الفترة ما بين 1967 – و 1996م.. ولا شك أنها فترة خصبة، شهدت الكثير من التحولات الكبرى في عالمنا العربي، وتركت بصماتها العميقة في نفسية الشاعر، كونه أكثر حساسية من سائر البشر بما أودعه الله سبحانه وتعالى في تركيبة الشاعر من رهافة وشفافية بالغة تكاد تنقش على بلور قلبه وفكره كل صغيرة وكبيرة تمر به، فما يعتبره الإنسان العادي أمراً لا يُؤْبَهُ له قد يشكل لدى الشاعر هاجساً يؤرقه الليالي الطوال حتى يجد له مخرجاً في قصيدة يودعها مكنون نفسه وحرقة صدره.. وهكذا تجمع لدينا عدد وفير من إبداعات شاعرنا الكبير، ونرى قصائده كلها ثابتة على أرض الواقع ضاربة بجذورها في أعماق الثرى العربي والإسلامي وتاريخه المجيد.. غير أن هامات تلك القصائد، وسنابلها المليئة بالعطاء، غالباً ما تكون مجنحة في سماء لا يراها إلا الذين ينتمون إلى قبيلة الشعراء.
ولعل الملاحظة البارزة التي استرعت انتباهي وأنا أخوض عباب هذا الديوان من الغلاف إلى الغلاف.. حوار الشاعر المستمر مع كلمة "حلم"، ومشتقاتها، ومترادفاتها.. فقد أحصيت تكرار كلمة "حلم" سبعاً وسبعين مرة في هذا الديوان!! وكان لا بد أن أقف عند هذه الظاهرة.. وأحاول استقراء ما يقف خلفها وما يمليها بهذه الغزارة.. حيث أن القصائد التي ضمها الديوان من عيون شعر الدكتور الشاعر خالد البرادعي أربعٌ وخمسون قصيدة.. وجاءت معظم قصائد الديوان مطرزة بهذا "الحلم" المجهول في بداية الأمر.. ولكن تمحيص القصائد يكشف قصة الحلم "الهارب" من قبضة صاحبه.. لنكتشف مرة أخرى أن الحلم ربما كان حلم جميع العرب والمثقفين على وجه الخصوص.. وقد لجأ شاعرنا إلى عَرَّاف محاولاً استكناه هذا الحلم فماذا وجد؟.
قال في عينيك حلم عمره بضع سنين
كلما لامسه الليل تمدد
وإذا أوغلتَ في العمر تجدَّد
وإذا حاولت أن تبعده عنك تمرد
لم يلامس شفة الصبح إلى الآن
وصار الصبح أبعد..
بعد هذا التيه لم يعد هذا الحلم الملتصق بالمستحيل إلا أمة هزمها التشرذم.. فتشرنقت في كيانات صغيرة تدب خلف أسوارها مثل حروف مبعثرة لا تُشكل جملة مفيدة واحدة.. بينما العالم يتوحد، ويقوى، ويضرب، ويتطور، ماضياً في خطى واثقة نحو مستقبل أكثر اتحاداً وصلابة.. هكذا وجد شاعرنا أن حلمه المكسور قد اصطبغ بلون الأرجوان.. وانداحت دوائره في حلقات لا نهائية نحو أفق غير منظور، فاستكان لاهثاً بعض حين، ومتمرداً على قدره أحياناً.. ولعل القارئ الكريم يستشف مدى العنت الذي يلاقيه هذا الشاعر المبدع في حواره المستمر مع حلم شبه ضائع.
أما الطرف الثاني من معادلة "الحلم" المفقود فهي الحب.. ذلك الطفل الناري الذي ألهب قلب الشاعر، ولكن يبدو أن "الشيب" ظل يمثل حاجزاً بين مد الحب وجزر العمر، فوقف الشاعر أمام هذه المعضلة مفكراً.. وربما فيلسوفاً في إهاب شاعر.. أو العكس.. ولكنه أعطانا أجمل الصور البلاغية عن الحالة التي يمر بها.. وطبعاً مر بها كثيرون غيره ومنهم من لم يأبه، ومنهم من اهتم ولم يمتلك الموهبة التي يعبِّر بها عن مكنون ذاته.. وكيف لإنسان غير موهوب أن يقول:
ما كنت أعلم أن العمر يشربني
كأساً وينسى على أهدابي الحببا
ومن يستطيع أن يعاند الزمن، ويحيي الأمل في نفسه ونفوس الآخرين قائلاً:
الشيب ثورة بركان الحياة كما
من ثورة الموج تأتي ضحكة الزبد
ويبدو أن الشيب قد أيقظ كوامن أحاسيس شاعرنا المبدع فأنشأ قائلاً:
وأنـا بِلُجِـيِّ المشيب هـوىً
كالصبـح من ديجوره انبثقـا
ومن صور الإبداع الأخرى قوله:
وهجمة الشيب هزتني لواعجها
كما الأعاصير هزت لين الغصن
هذا جانب مختصر من الصور الجمالية التي أبدعها خيال الشاعر الغارق في الأحلام… وبعيداً عن الشيب وما يمثله من حاجز بين انطلاقة الصبا وخريف الحياة، فلشاعرنا صور فريدة، وتراكيب لغوية غريبة تخرج عن المألوف في التشبيه والرسم بالكلمات.. منها قوله:
والخصر مثل الجدول المخنوق
تسبح في نهايته الوضيئة بطتان
وصورة انتحار الحبيبة في قصيدة "الأربعين" عندما ألقت بنفسها من شاهق:
فتحطم البلور
وانخسفت سماء الأقحوان
وتناثرت كتل الزجاج الدافئات
وخمرها العذري قان
القارئ الكريم له وحده الحق في الحكم على إبداعات شاعرنا الكبير، ولكن الذي لا يختلف فيه اثنان أننا أمام مشكاة تتدفق بالضوء، وشلال عطاء جزل رحب الصدر عارم الرغبة في التغيير نحو الأفضل والأحسن لأمة عربية لها كل مقومات النجاح والظفر.. وبقليل من الاجتهاد والصبر قد تصل إلى قمة عالم فقد مؤهلات البقاء على القمة.. لتعود بإذن الله خير أمة أخرجت للناس.
الناشر
عَبْد المقصُود محمّد سَعيْد خوجَه
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1028  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 2 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج