شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
و- الألقاب والصفات في مفهوم عبد العزيز الرفاعي
لم يعترض عبد العزيز الرفاعي على منح أحد من الناس لقباً ما أو صفة ترفعه درجة، أو تحقق له مطمحاً يسعى إليه إذا كان جديراً به، بل يبادر بتهنئته إن كانت تربطه به علاقة حميمة، وصداقة قديمـة، أو صهر أو نسب، وربما تكون رياض الأدب، وساحات العلوم من الأسباب التي تؤلف بين القلوب، وتجمع الشمل على موائد الحب والتعاون والإخاء.
لكن عبد العزيز الرفاعي يكره أن يمنح من لا يستحق ما لا يستحق، ويعتبر في ذلك هضماً للآخرين الذين هم أجدر منه وأحق بذلك، وهو وإن لم يجهر بذلك لأنه لا يحب أن يحرج أحداً، ويكتم ما يراه غير موافق لطبعه، ملتزماً بما نص عليه الحديث الشريف والذي جاء فيه: "من رأى منكم منكر فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" فإنكار المنكر بالقلب درجة من درجات الإيمان. والحصول على درجة خير من عدم الحصول على غير شيء".
والرفاعي يتصبب عَرقاً خجلاً عندما يحاول بعض الأشخاص إطلاق أحد ألقاب المديح عليه ليزرع في قلبه ونفسه بذور الكبرياء والغرور، ويعتذر لمادحه بأنَّ هذا اللقب أحق به غيره ممن سبقوه، وأن جهده الأدبي لا يقارن بجهد سواه ممن له قدم ثابتة في ساحة الأدب، وله مؤلفات عديدة، وصولات وجولات في ميادين الثقافة والعلم، وهذا القول وإن كان فيه شيء من التواضع إلا أنه ينبع من قلب صادق نقي، لا يعرف النفاق، ولعل فيما كتبه الدكتور علي شواخ الشعيبي بالأربعاء الأسبوعي الصادر 4 ربيع الثاني 1416هـ بالصفحة الرابعة عشرة تحت عنوان "الرفاعي جابر العثرات" دليلاً على صحة ما أقول، يقول الدكتور الشعيبي في مقاله المذكور: "والحق إن كثيراً من الإخوة الأدباء والشعراء والعلماء داخل المملكة العربية السعودية وخارجها يعرفون الكثير الكثير عن عبد العزيز الرفاعي، وقد حاول أكثر من واحد أن يكتب عن صالونه الأدبي، وكنت واحداً من أولئك الذين كان لهم شرف حضور الصالون الأدبي، لعدة سنوات عشتها في المملكة وقد أعلمت نفسي مدة طويلة في كتابة بحث تناول ذلك الموضوع، وحين عرضت عليه الكتاب قال – رحمه الله -: يا دكتور. المملكة هنا تعج بالأدباء والعلماء والمهتمين بالأدب والشعر، وما أنا إلا واحد منهم، يسبقني الكثير من أولئك الأدباء والعلماء والشعراء، ومن هو الرفاعي إلى جانبهم؟ أرجو أن نطوي الموضوع، فهناك من هو أجدر مني، يستحق أن تكتب عنه".
عبد العزيز الرفاعي لم يزاحم الآخرين على أبواب الشهرة، ولم يسابقهم إليها، لأنه يدرك أن الشهرة الحقيقية التي يدوم ألقها ولا يخفت صوتها هي تلك الشهرة التي تقوم على العطاء الجيد الذي يرغم الآخرين في الشرق والغرب على تقديره واحترامه، وتلقفه حين صدوره، ولقد أشار إلى ذلك الأستاذ محمد حسين زيدان في ليلة تكريم الأستاذ عبد المقصود خوجة للأستاذ عبد العزيز الرفاعي في اثنينيته بتاريخ 5/7/1403هـ حيث قال: "عبد العزيز الرفاعي من جيل أسرع بعض أخوانه بسرعة فائقة ليلحقوا فلحقوا، ولكن الرفاعي ارتفع عن السرعة، فإذا هو يرتفع بالهوينى كأنما هو يشعرك بأنه الفوق، لا يُملي إرادته على أحد، إنما يُملي ما يفعله على كل أحد فينا، ذلك أنه صاحب خلق، لقد قلَّد طبيعة هذا الكون "القانون الطبيعي" كل حي أو كل نبات ينمو بسرعة ينتهي بسرعة، لهذا نما الرفاعي ببطء بالهويني، فبقي في حياته الزاخرة بعطائه حياً بيننا نكرِّمه ونحن في منزلة آبائه". وعندما تحدث عبد العزيز الرفاعي في تلك الليلة وأثنى على كل الذين تحدثوا عنه شكر الأستاذ محمد حسين زيدان، وأشار إلى الهويني التي ارتفع بها الرفاعي فقال: "وسمعت كلمة عظيمة من أستاذنا الجليل، وأديبنا الرائد الأستاذ محمد حسين زيدان، حلل فيها شخصيتي تحليلاً أعجبني وإن لم أوافق عليه، لقد عرف مفتاحاً من مفاتيح شخصيتي وهو الهويني، وهذا صحيح ولكنني لم أصل بالهويني إلى شيء، وأرجو أن يكون موافقاً على ذلك". وفي رد الأستاذ الرفاعي اعتراف منه باتباعه سياسة الهويني، وأنها أدت به إلى لا شيء في حين سبقه بعض لداته باتباعهم سياسة الطرد والركض والتزاحم وبلغوا القمة قبله، فلم يحزن ولم ييأس، وإنما ظل سالكاً نفس النهج الذي اختطه لنفسه وهو نهج الهويني، وعندما وصفه الأستاذ طاهر زمخشري بأنه "الجندي المجهول في المملكة العربية السعودية للكلمة" قال الرفاعي في رده: "ولقد تحدث الأستاذ الزمخشري عن النشر، وجعلني رائداً فيه، والواقع أنني كنت تالياً، ولستُ من رواد النثر، وكلكم يعرف أن هناك رواداً كثيرين يجب أن نذكرهم، مهدوا الطريق لنشر الكتب، كان منهم الشيخ محمد سرور الصبان – رحمه الله – فقد نشر أكثر من كتاب، وكان من الرواد أيضاً الأستاذ عزيز ضياء فقد نشر عدداً من الكتب، وكان من الرواد صالح محمد جمال في مكتبة الثقافة بمكة المكرمة، وهناك آخرون قد يغيبون عن الذاكرة، فيجب أن نعطيهم حقهم في الريادة".
والحديث عن الألقاب والصفـات يدفعنـا إلى أن نناقش ما ورد من ألقاب وصفات منحهـا بعض الأدباء على عبد العزيز الرفاعي في ذكرى وفاته الثانية وقد طرزت بعض صفحات الأربعاء الأسبوعي الصادر يوم 4/4/1416هـ بهذه العناوين التي حملت تلك الصفات: "عامان على غياب عميد الأدب السعودي". "الأديب الخالد عبد العزيز الرفاعي" "الرفاعي عميد الأدباء السعوديين والرؤية النقدية". وما أن قرأ الأستاذ علي العمير هذه الصفات تنثال على عبد العزيز الرفاعي بعد رحيله، حتى سل يراعه وكتب مقالاً نشره في عموده اليومي بجريدة عكاظ ترحم فيه على عبد العزيز الرفاعي، وبين أخلاقه، وأنه يكره أن يمنحه أحد لقباً أو صفة لا يستحقها، والأستاذ العمير صادق فيما قال في رده، لأنَّه من رواد ندوة الرفاعي، بل ربما يُعَدُّ أحد حضور يوم افتتاحها، وقد اثنى عليه عبد العزيز الرفاعي للدور الذي قام به، ودعوته لرجال الأدب والثقافة إلى حضورها وأطلق على الندوة مسميات عدة. يؤكد ذلك ما قاله الرفاعي في ليلة تكريمه بدارة الشيخ عبد المقصود خوجة يوم 5/7/1403هـ. "أحب أن أقول فيما يتعلق بالجلسة الخميسية: إنها لا تعدو أن تكون جلسة أخوية تضم بعض الأصدقاء، فإن حضر منهم ذو الفكر والأدب تحولت إلى جلسة أدبية، وإن لم يحضر فإنها جلسة عادية كأية جلسة في أي بيت لا تتميز بشيء، وعفا الله عن الأستاذ على العمير فهو فيما يخص جلسة الخميس – الذي تولى كبرها، وأخذ ينشر عنها، ويذيع ويضخم من شأنها، ويجعلها صالوناً أخضر، وما إلى ذلك من أسماء حتى كبرت في نظر الصحافة، وإلا فهي جلسة أخوية لا غير".
فالذين عرفوا عبد العزيز الرفاعي معرفة حقة عرفوه لا يتقبل مثل هذه الصفات إذا قيلت له، ويتصامم حيناً عن سماعها، وحيناً آخر يعتذر لقائلها، ويوجهه إلى الطريق السوي إلى الذين يستحقونها، وإذا كان هذا هو شأن عبد العزيز حياً فإنه أبعد ما يكون أن يطلبها أو يسعى إليها بعد مماته، وإنما هو في حاجة ماسة إلى دعوة صادقة يطلب له فيها من الله الرحمة والمغفرة والرضوان، فمن أراد أن يبرَّه ويحسن إليه فليكثر من الدعاء له، وأما الألقاب والصفات، والنعوت الزائفة فليست ذات منفعة، ولو أن الذين أخذوا يطلقونها الآن ويفتخرون بها – لو أنهم – أطلقوها عليه قبل وفاته لسمعوا منه رأيه صراحة فيما قالوا، رحم الله عبد العزيز الرفاعي لقد كان رجلاً من خيرة الرجال أو من بقية الرجال، نصر المظلومين، وأحبَّ المساكين، وبحث في أعماق التراث واستخرج منه كنوزاً ثمينة كاد أن يطويها النسيان، وأعطى من جهده ما أعطى، فأخذ بأيدي كثير ممن رماهم الأقوياء في غيابة الجب، ليعيشوا بعيداً عن الأضواء، ويموتوا دون أن ينعاهم أحد، أو يترحم عليهم غيرهم، فمسح عن أعينهم دموع الحزن، وجلا عن جباههم تجاعيد السنين، وقدمهم لقرائه في ثياب زاهية استحوذت على أفكار المتلقين، وتلقفتها القلوب قبل العيون. فرحمه الله رحمة الأبرار، وأدخله الجنة ونعم القرار وجمعنا به في دار النعيم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :431  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 56 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.