شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هـ- اهتمام الرفاعي بالمغمورين
يتساءل الكثيرون عن سبب اهتمام عبد العزيز الرفاعي بالمغمورين من الأدباء والشعراء القدامى والمعاصرين، ويقدمهم لقرائه، نماذج أدبية يفتخر بها، لأنه يقوم بإزالة الأتربة والغبار التي حجبت الأنظار عنهم ثم يكسوها من نسيج يديه ثياباً موشاة ببراعة مزينة بلآلئه فيسحر بها القراء، مما يجعلهم يتهافتون على اقتنائها والاحتفاظ بها مكاسب جديدة.
لكن من هم المغمورون؟..
الجواب على هذا السؤال نقرؤه بادئ ذي بدء في الصفحة السابعة والأربعين من كتيب عبد العزيز الرفاعي المعنون "رحلتي مع التأليف" إذ نجد قوله: "فقد مالت نفسي إلى إعداد كلمة عن شاعر من الشعراء المغمورين، الذين عرفوا بجودة الشعر ولم يُعْن أحد بإلقاء أضواء على حيواتهم، أو جمع أشعارهم".
وقد تناول عدداً من هؤلاء المغمورين في مقالاته الصحفية التي كان يزود بها الجرائد المحلية والمجلات السعودية، وبعض تلك الدراسات صدرت في كتيبات صغيرة، لكنها كبيرة في محتواها تروي ظمأ الصادي.
وقد انكب على دراستهم، ونقب في الكتب الصفر القديمة والحديثة، وراسل أدباء المملكة وكذلك أدباء العرب للعثور على المصادر التي يستطيع التزود منها، ولم يبخل في شرائها بشيء، وقد يرحل بغية اقتنائها إلى خارج الحدود.
وقد اطلع على المعاناة التي كان يقاسيها هؤلاء المغمورون المحرومون من نيل حقوقهم، ومن استغلال غيرهم لهم، وإلقاء عليهم سجفاً من النسيان حتى يبعدوهم عن مراكز العطاء والندى، ويظلوا قابعين في خنادق الغفلة لا يحس بهم أحد، ولا ينظر إليهم.
ولعل ما عاناه عبد العزيز الرفاعي في بداية حياته العلمية والعملية، قد حبب إليه أن يتلمس أحوال الذين تركوا الدنيا وشفاههم لم تعرف رقة الابتسام، وعيونهم لم تبصر إلا مشارط السهر، وجلابيب الظلام، فكتب عنهم ما كتب، وكأني به حينئذ يكتب وهو يتمثل بقول الشاعر العربي عمر بن أبي ريشة – رحمه الله -:
تتساءلين علام يحيا هؤلاء الأشقياء
المتعبون ودربهم قفرٌ ومرماهم هباء
الواهمون الذاهلون أمام نعش الكبرياء
الصابرون علـى الجـراح المطرقـون علـى الحيـاء
أنستهمُ الأيامُ ما ضحـكُ الحيـاة ومـا البُكـاء
أورت بدنياهم ولم تترك لهم فيها رجاء
تتساءلين وكيف أدري مـا يـرونَ علـى البقـاء
أمضي لشأنكِ، اسكـتي أنا واحـدٌ مـن هـؤلاء
ولو تتبعنا مقالاته التي تحدث فيها عن أولئك الشعراء والأدباء والعلماء المغمورين، لوجدنا أن سيرهم تكاد تتفق في نواح يمكن إدراجها داخل إطار واحد هو الحرمان فالعوز وضيق ذات اليد والشكوى من صروف الزمان وعلو منزلة نظرائهم، ومعاداة الحظ لهم، وتدفق الجوائز والهبات والعطايا على من هو دونهم علماً وأدباً في حين تضل طريقها إليهم. كل هذه الأمور هي فروع من الحرمان، ولا يخلو عصر من العصور ممن يندب حظه، ويهجو زمانه، ويعلن نقمته على تخبط الأيام في مساعيها، ويتهم أعينها بالعمى، فلا تهتدي إليه سبيلاً، وعبد العزيز الرفاعي وإن مرَّ بلون من الحياة المرّة إلا أنه لم يتذمر، ولم يصرخ وإنما ظل صامداً يذيب الصخر بصبره، ويقهر المصاعب بإيمانه، ويتغلب على المصائب بطموحاته، ويخضب دروبه بعرقه، يتخذ من العلم سلاحه ومن الأخلاق الفاضلة سفينه، فلم ترغمه قسوة الظروف على الخنوع والخضوع، ولم يمدد يديه سائلاً غير الله، لأنه يعلم أن ليس في الأرض ولا في السماء من يستطيع دفع الضر عنه، أو جلب الخير له إلا الله سبحانه، ولذلك لجأ إليه طالباً ما عنده، تاركاً ما عند الناس. ولكن لم يمنعه من أن يعبر عما يحز في نفسه مما يعانيه غيره، ولذلك اهتم بالكتابة عن المغمورين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :558  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج